المجاهدات الجدد: لماذا تنضم النساء إلى تنظيم “داعش”؟

المجاهدات الجدد: لماذا تنضم النساء إلى تنظيم “داعش”؟

أثارت ظاهرةُ النساء المقاتِلات في صفوف تنظيم “داعش”، اللاتي يُطلِقُ عليهن التنظيمُ اسمَ “المجاهدات”، الكثيرَ من التساؤلات حول هؤلاء المقاتلات، خاصةً بعد وجودهن الملفت للنظر في صفوف “داعش”، إضافةً إلى اكتشاف بعض الشبكات التي تعمل على تجنيد النساء والفتيات للانضمام إلى التنظيم من عدة دول، بما فيها بعض الدول الأوروبية. كما ترتبط ظاهرةُ “الداعشيات” أو “المجاهدات” بالدولة الإسلامية بأبعادٍ أخرى، ربما أخطر من المشاركة المباشرة لتلك السيدات في القتال؛ كأعدادهن، ودوافعهن للانضمام، وقبول الحياة في تلك الظروف الصعبة، وأفكارهن، ومستقبل هؤلاء المحاربات، والتداعيات المحتملة لتواجدهن على التركيبة السكانية داخل الدولة الإسلامية؛ وهي الصورة التي وإن لم تبرز بوضوح إلى الآن فإن بعض ملامحها قد اتضحت.

من أين يأتي “المجاهدات” في صفوف “الدولة الإسلامية”؟:

المجاهدات في صفوف الدولة الإسلامية يأتين من عدة دول في العالم، ولا يقتصرن على دولةٍ بعينها، فبالإضافة إلى السوريات والعراقيات، تُوجد القادمات من دول شمال إفريقيا، وعلى رأسها تونس، بالإضافة إلى مصر والسعودية، كما يأتي “الداعشيات” أيضًا من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن دول أوروبا الغربية، خاصةً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهؤلاء غالبًا من أبناء المهاجرين الذين يحملون الجنسيات الأوروبية. كما تعد منطقة آسيا الوسطى من المناطق الرئيسية المُصدِّرة للنساء المنضمات إلى تنظيم “داعش”، وغالبًا ما تُعد الشريحة العمرية ما بين 18 – 21 عامًا، أبرز الشرائح العمرية التي تُقبل على الانضمام إلى صفوف الدولة الإسلامية.

الأسباب والدوافع وراء انضمام النساء لـ”داعش”:

من المؤكد أن هناك مجموعةً من العوامل والأسباب التي تدفع السيدات من جنسيات مختلفة من العالم للانضمام إلى “الدولة الإسلامية”، والعيش على أرضها برغم الظروف الصعبة التي تواجههن، وتتنوع تلك الأسباب التي تدفعهن إلى هذا الاتجاه، والتي يمكن إجمالها في الآتي:

الدوافع الشخصية، وهي ترتبط غالبًا بالنساء السوريات والعراقيات، ففي ظل الصراع القائم في كلٍّ من سوريا والعراق؛ تَعَرَّضَ كثيرٌ من النساء لظروف قاسية من قبل القوات النظامية دفعت بهن للانضمام لتنظيم “الدولة الإسلامية”؛ فمنهن من فقدت أبناءها أو زوجها أو أفراد أسرتها بالكامل، أو تعرضن للخطف أو التعذيب، ومنهن أيضًا من هُدّمت منازلهن أثناء قصف قوات بشار الأسد للبلدات السورية، فكان خيار الانضمام إلى “داعش” هو الحل الأمثل للانتقام، إضافةً إلى إمكانية العيش في ظل حمايةٍ جديدة.

الدوافع الطائفية، ففي ظل الحرب الأهلية بالعراق وسوريا، تحول الصراع من صراع سياسي إلى صراع طائفي بالدرجة الأولى، وهو ما دفع بالعديد من النساء إلى القتال إلى جانب “داعش”، ليس من باب القناعة بفكر التنظيم بقدر ما هو من باب “الجهاد” من أجل الدفاع عن عقيدة “أهل السنة” ضد الروافض الشيعة الذين يمثلهم كلٌّ من النظام السوري والعراقي، وأنه يجب أن تكون لهن أدوار في الجهاد من أجل حماية العقيدة، فضلا عن قناعاتهن بأن “داعش” صار يمثل الطريق الوحيد إلى قيام دولة “إسلامية سنية”.

الدوافع الأيديولوجية، وتتمثل في الجاذبية الفكرية الموجودة في الفكر “الداعشي”، كما أن إعلان التنظيم “الخلافة الإسلامية” وتنصيب “خليفة” للمسلمين قد مسَّ وترًا حساسًا عند كل الإسلاميين بصفة عامة، والجهاديين بصفة خاصة. فقد أصبح الالتحاق بالدولة الإسلامية، والعيشُ في كنفها؛ أُمنيةَ العديدين من الإسلاميين، ومنهم النساء اللاتي يأتين إلى العراق وسوريا من أجل الانخراط في صفوف “داعش”، من أجل الجهاد في سبيل الله من ناحية، والعيش في ظل “الخلافة الإسلامية” من ناحية أخرى.

الدوافع الاجتماعية، تواجه العديد من النساء المسلمات في المجتمعات الغربية غالبًا حالةَ اغتراب في مجتمعاتهن، فمعظم المنحدرات من أصولٍ غربيةٍ المنضمات لداعش -وفقًا لمصادر غربية- يأتين من أسر ملحدة، أو مسيحية كاثوليكية، ويهودية، يرفضن اعتناق أبنائهن الإسلام، على عكس الغربيات ممن ينحدرن من أصول إسلامية وأسر ممارسة لشعائر الإسلام، مما يدفعهن إلى السفر للالتحاق “بالدولة الإسلامية” من أجل العيش في دولة إسلامية لا يشعرن فيها بأي اغتراب.

الدوافع الإنسانية؛ حيث إن العديد من السيدات الغربيات اللاتي هاجرن للعيش في دولة “داعش”، نشأن على القيم الغربية، كالعدالة، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، لذا فهن يرفضن بدافع تلك القيم، ترك الشعب السوري يُقتل بتلك الصورة البشعة في ظل تغاضي حكوماتهن الغربية عن ذلك. ولذا تأتي تلك السيدات إلى مناطق الدولة الإسلامية، إما بدافع الجهاد بمفهومه الديني، وإما من أجل تقديم المساعدات الإنسانية للفقراء والجرحى والأطفال الأيتام ممن فقدوا آباءهم في المعارك الدائرة بسوريا والعراق.

أهم الأعمال التي تقوم بها “الداعشيات”:

تتنوع الأعمالُ التي تقوم بها النساء في تنظيم “داعش”؛ حيث لا تقتصر مشاركاتهن على حمل السلاح فقط، فهن يقمن بأعمال أخرى، بدايةً من الأعمال المنزلية، ورعاية الأسر والأزواج المجاهدين، إلى القيام بأعمال المساعدات الإنسانية، والتمريض، ورعاية الجرحى، أو توصيل المال من دولةٍ أو أخرى إلى صفوف المجاهدين، أو في العمل بالشرطة النسائية، وكذلك المساعدة في الدعاية والظهور في وسائل الإعلام، إضافةً إلى التدريب على حمل الأسلحة الخفيفة، كالبنادق، والمسدسات، وطريقة استخدامها، في حالات الدفاع عن النفس.

ويُقدر عدد “السيدات” بحوالي 10% من عدد المقاتلين الأجانب في صفوف “داعش”، وينحدرن من عدة دول غربية وإسلامية، على رأسها دول شمال إفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا، ولا توجد أرقام دقيقة عن عدد الجهاديات في الدولة الإسلامية حتى الآن، وإن كان هناك تفاوت بين الدول في أعداد مواطنيها من السيدات اللاتي انخرطن في صفوف “الدولة الإسلامية”. فمثلا تُعد فرنسا إحدى أهم الدول المُصدِّرة للمجاهدات إلى التنظيم؛ حيث يوجد ما يقرب من 100 إلى 150 امرأة فرنسية بالدولة الإسلامية (وفقًا لمصادر أجنبية)، بعد استبعاد العائدات من اللاتي لم يتمكنَّ من العيش في ظروف الحياة الصعبة في الدولة الإسلامية.

التداعيات المحتملة لظاهرة “الداعشيات”:

تدفق أعدادٍ من النساء من جنسيات مختلفة على العراق وسوريا من أجل الالتحاق بتنظيم “الدولة الإسلامية”، من أجل لعب دورٍ جهاديٍّ بأشكال وصور مختلفة في المناطق التي يُسيطر عليها التنظيم – يكون له عددٌ من التداعيات، من أهمها:

المساهمة في ترسيخ أركان “الدولة الإسلامية”؛ فتوافد المجاهدات على تنظيم “الدولة الإسلامية” وظهورهن يحملن السلاح في وسائل الإعلام؛ يعكس أمام العالم إيمان النساء والرجال بعدالة القضية، كما يُبرز أيضًا صورة التطور الفكري للدولة الإسلامية فيما يخص مشاركة المرأة في المجتمع، بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، وتماشيًا مع روح العصر -حسب اعتقادهم- بحيث يبدو التنظيم وكأنه يعطي للمرأة دورًا في المجتمع.

خلق واقع سكاني جديد، بسبب زيادة أعداد المهاجرات إلى “الدولة الإسلامية”، نتيجة عملية الدعوة التي تقوم بها “الداعشيات” من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تؤدي غالبًا إلى استقطاب أعداد إضافية من الراغبات في الجهاد على مستوى العالم، مما يؤدي إلى انتشار حالات التزاوج بينهن وبين المقاتلين الأجانب في صفوف “داعش”، خاصةً من أبناء الجنسية الواحدة، وهو ما يؤدي إلى خلق واقع سكاني جديد في المناطق التي يُسيطر عليها التنظيم يصعب تغييره في المستقبل.

مشكلة “العائدات”؛ حيث إن هؤلاء النساء بعد العيش في مجتمعٍ يؤصل لمبدأ العنف في التعامل مع الآخرين، عندما يرجعن إلى بلادهن -سواء عاجلا أم آجلا- سوف يحملن هذه المبادئ معهن، إضافةً إلى احتمال قيامهن بأعمال عنف من باب تأدية فريضة الجهاد، مما يمكن أن يؤدي إلى موجةٍ من العنف مستقبليًّا في تلك الدول.

وأخيرًا، فإن ظاهرةَ “الداعشيات” تُعد أحد تداعيات الوضع الدامي في سوريا والعراق، وتتمثل إحدى مخاطر تلك الظاهرة في عدم وجود معلومات دقيقة حول أعدادهن، نظرًا لما يتخذنه من إجراءات سرية في التنقل والتجنيد، ومن ناحية أخرى فإن زواج الكثيرات من “الداعشيات” سيزيد من تعقيد الظاهرة؛ لأنه سيجعل من الصعب على أسرهن ومجتمعاتهن الغربية تقبلهن بعد أن أصبحن زوجات وأمهات لأطفال صغار، مما سيدفع بالعديد منهن إلى الاختفاء في دول غير دولهن، أو البقاء في المناطق المشتعلة بالصراع، سواء في الشرق الأوسط أو في غيره، مما يصبُّ في إمكانية خلق جيل جهادي جديد في المستقبل على أيدي هؤلاء “المجاهدات”، مما سيجعل من الصعب التنبؤ بالمخاطر الحقيقية لتلك الظاهرة.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

http://goo.gl/znHnxt