إذا ما نظرنا إلى الانتخابات الأمريكية والأعمال التخريبية في الشرق الأوسط، التي تملأ المواقع الإخبارية، نجد أن قليلا من الانتباه يوجّه إلى حليف أمريكا الفريد والعضو المهم في حلف الناتو (تركيا).
هذه الدولة التي تعتبر الجسر الواصل بين آسيا وأوروبا، والتي تحتل مكانة هامة، بسبب موقعها الجغرافي، في الاستقرار في الشرق الأوسط وبلاد البلقان والبحر الأسود و قبرص.
وبالرغم من انعدام الدعم من جانب الحليف الأمريكي، إلا أن أنقرة تحارب اليوم في ثلاث جبهات مختلفة.
الجبهة الأولى والثانية
تدفّق اللاجئين السوريين يضع الكثير من الضغوطات على تركيا في الجانب الأمني والاقتصادي. وكذلك ازدياد الهجمات الإرهابية من قبل تنظيم داعش والمقاتلين الأكراد، يزيد من التهديدات التي تزعزع الاستقرار في البلد الحليف المهم للأمريكان في المنطقة، والذي قد يدفعه نحو الفوضى.
الجبهة الثالثة
ولعل أخطر تلك التهديدات الأمنية، تتمثل في اختراق جماعة فتح الله غولن للمؤسسات الحكومية والاجتماعية، بهدف سلب السلطة من الحكومة الديموقراطية المنتخبة، وتطبيق الشريعة الإسلامية.
جماعة غولن المصنّفة رسميا، في تركيا، “كجماعة إرهابية”، تمتلك شبكة كبيرة من المدارس والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية والعديد من الشركات في تركيا وأمريكا وألمانيا ودول أخرى.
الأذرع الخفية
في هذا الأسبوع بالتحديد، قامت المحكمة التركية باتخاذ إجراءات ضد جماعة غولن عن طريق فرض الوصاية على كبرى الشركات الإعلامية التي تضم صحيفة “زمان” الواسعة الانتشار، والتي تمارس طرقا غير مقبولة في الترويج للجماعة.
أنفق غولن جزءا كبير من ثروته، وبما يقارب 25 مليار دولار، بهدف تقويض النظام الدستوري في تركيا وذلك عن طريق اختراق الحكومة والإعلام والمدارس والمشاريع الاستثمارية و النظام القضائي من خلال أتباعه المتواجدين في كل هذه الأماكن.
وفي نفس الوقت، يستهدف غولن المسؤولين الذين رفضوا اتّباع طريقتة الدينية المتشدّدة، عن طريق الدخول في النظام التعليمي التركي بإدارته للمئات من المدارس و 17 جامعة بهدف تخريج طلاب متطرفين.
هدف غولن ليس تركيا فقط، فهو في الوقت الحالي يسيطر على شبكة من المدارس في أكثر من 100 دولة، بما فيها أكبر شبكة للمدارس في أمريكا. وبسبب الاتهامات الموجّهة إليه بخصوص التزوير في دفع الضرائب ومخالفات مالية أخرى، تتعرض جماعة غولن وهذه المدارس للتحقيقات في 22 مقاطعة وكذلك تتعرّض للتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالية أيضا.
وحسب تقارير الحكومة الأمريكية المنشورة في “ويكيليكس” “فما يزال هناك شك كبير ومنتشر حول الهدف الأساسي لجماعة غولن. هناك أدلة غير كافية حول حجم الضغط الذي تمارسه المكونات العديدة لجماعة غولن على الأشخاص الذين ينتمون إليها. على سبيل المثال، الضغوطات الحادة التي تمارس ضد رجال الأعمال للاستمرار في دعم المدارس والنشاطات الأخرى”.
“تستخدم جماعة غولن شبكة المدارس التي لديها، بما فيها عشرات المدارس المتواجدة في أمريكا، لغربلة الطلاب الذين يعتقدون بإمكانية جعلهم دعاة لهذه الجماعة، ونحن اطّلعنا على تقارير حول طريقة تلقين المدارس لطلابها”.
غولن في أمريكا
وبالرغم من أن تركيا أعلنت عن أن جماعة غولن، جماعة إرهابية، إلا أن غولن توجّه بنظره نحو القواعد العسكرية الأمريكية وقام بافتتاح مدرسة للطيران الحربي في أمريكا ويتفاوض حاليا لفتح مدرسة أخرى.
وفي جلسة الكونغرس الأمريكي، بتاريخ الأول من شهر مارس الجاري، المنعقدة حول تمويل الإرهاب، وجّه النائب عن الحزب الديموقراطي، اندي بار، سؤالا للشهود حول إمكانية تلقيهم لمعلومات عن أي ترتيبات مشبوهه حول أي مجموعات تعليمية يحتمل تمويلها لجماعات دينية بضخّها للأموال عبر منظماتها غير الحكومية، حيث قال أحد الشهور الذي يعمل حاليا في منصب، السكرتير المساعد لصندوق الشؤون الدولية في مركز التنمية الدولية، كلاي لويري، “سمعت شيئا من هذا القبيل”، حيث كان يشير، ولو بشكل جزئي، إلى جماعة غولن وتحركاته.
وبالإضافة إلى هذه المؤامرة، هناك مخاوف للسفارة الأمريكية في تركيا، والتي نُشرت في تقارير “ويكيليكس”، حيث تقول التقارير “نحن قلقون بخصوص الارتباط بين مجموعة المدارس المتواجدة في الولايات المتحدة، والتي قدمت طلبات للحصول على تأشيرة عمل لعدد من المتقدين، حيث أن مسؤولينا في تركيا بدأوا في تشكيل قائمة تضم هذه المدارس في الولايات المتحدة، ليتم استخدامها في عمليات استصدار التأشيرات”.
ولكن يبقى السؤال السابق قائما، من هم هؤلاء الناس، ولماذا تصرف جماعة غولن كل هذا المال والوقت والجهد لجلبهم إلى الولايات المتحدة؟.
غولن يلعب بالكونغرس
تجري حاليا تحقيقات تتبع الكونغرس، حول حملة التبرعات المزعومة لفتح الله غولن. يمتد هذا التحقيق إلى الرحلات الفارهة لأعضاء في الكونغرس وموظفين تابعين لهم، والتي نظّمتها منظمات غير حكومية تابعة لجماعة غولن. ويتابع المحققون الملايين من الدولارات التي صرفت لمرشحين في الرئاسة والكونغرس، بما في ذلك تبرعات كبيرة لمؤسسة كلينتون.
يبدو أن تلاعب وفساد جماعة غولن قد عبر المحيط الأطلسي، ويقوم حاليا بتقويض النظام السياسي في الولايات المتحدة.
ولإيقاف هذه الممارسات، يجب على إدارة أوباما أن تظهر نوعا من القيادة قبل فوات الأوان، وتوسيع التحقيقات حول جماعة غولن. ويجب على الكونغرس في الوقت الحالي، أن يبدي اهتماما أكبر بالأمن في تركيا. كما يجب على تركيا أن تحافظ على دورها وأن تفي بوعودها في أن تكون زعيما إقليميا ناجحا وديموقراطيا وموثوقا به كحليف رئيسي للولايات المتحدة.
إبراهام واجنر
تركيا بوست