تشكل تكاليف إنتاج النفط الصخري عاملاً مهماً في الخلاف على الأسعار القائم بين المصدّرين. والسبب الرئيس في دور النفط الصخري الأميركي في ما حصل وما يمكن أن يحصل مستقبلاً في الأسواق العالمية للنفط، هو اقتصاديات النفط الصخري: ما هي تكلفة إنتاجه؟ ولماذا يستطيع أن ينافس النفوط التقليدية الأقل تكلفة؟
تختلف تكاليف إنتاج النفط الصخري بين حقل وآخر، وبين المصادر المتوافرة للمعلومات. ومهما كانت الأرقام مختلفة، فإن تكلفة إنتاج هذا النفط غير التقليدي تبقى أعلى من تكلفة إنتاج النفوط التقليدية في بلدان «أوبك» والخليج العربي. مثلاً، تتراوح قيمة التكاليف الإنتاجية في الحقول الأميركية كحد أدنى بين 43.34 دولار للبرميل في حقل حوض «إيغل فورد»، وكحد أعلى 85.54 دولار للبرميل في حوض «ميسيسيبي لايم».
وثمة فوارق في الأرقام التي تقدمها دوائر البحوث في المصارف الكبرى، فتكاليف الإنتاج في حوض «إيغل فورد» تتفاوت بين 43.34 دولار و80 – 90 دولاراً و46.05 دولار و53 دولاراً للبرميل. فالأرقام الخاصة بالحوض ذاته تختلف بناء على تكاليف الحقول العاملة فيه، وبناء على المعلومات التي تتوافر للدوائر البحثية في المصارف.
والمهم في الأمر على رغم هذه التفاوتات، أن تكاليف الإنتاج عالية مقارنة بها في حقول النفط التقليدية التي تتراوح في دول الخليج العربي بين 8.30 و23 دولاراً للبرميل، قبل أن ترتفع أخيراً بسبب الزيادة في نفقات الأمن.
وتختلف المعلومات المتوافرة عن تكاليف الإنتاج بين مصدر وآخر. مثلاً، تختلف الأرقام لحوض «باكين» بين 65 دولاراً للبرميل وفق مصرف «يونيون بنك أوف سويتزرلاند»، و70 – 80 دولاراً وفق مصرف «غولدمان ساكس»، و64 – 74 دولاراً وفق مصرف «كريدي سويس»، و61 دولاراً وفق مصرف «بيرد».
ويُحتسَب في تكاليف الإنتاج عمق الصخر وسمكه في الحقل. فهذه العوامل تؤثر في التكاليف وإنتاجية الحقل. وتؤدي جغرافية الحقل دوراً مهماً في احتساب التكاليف، خصوصاً إذا وُجِد حقل النفط الصخري بالقرب من منطقة نفطية تقليدية أم كان بعيداً منها. مثلاً، في الولايات المتحدة، إذا وقع الحقل الصخري في ولاية تكساس أو أوكلاهوما، وهما ولايتان نفطيتان تتوافر فيهما بنية تحتية نفطية، خصوصاً الأنابيب، تنخفض التكلفة الرأسمالية. وإذا وُجِد الحقل في منطقة غير نفطية، مثل ولاية نورث داكوتا، كما هي الحال الآن، تزيد التكاليف الرأسمالية. وتختلف التكاليف وفق مدى توافر الأيدي العاملة النفطية في المنطقة، ففي حال عدم وجودها، يتطلب الأمر استقطابها إلى المناطق النفطية الجديدة، ما يزيد أيضاً من التكاليف بعد احتساب أعباء الإسكان.
وتختلف صناعة النفط الصخري عن صناعة النفط التقليدي، فحقل النفط الصخري ينضب أسرع بكثير من الحقل التقليدي. ومع تحسن التقنية المستخدمة في الحفر والإنتاج من حقول النفط الصخري، تزداد نسبة النضوب. هنا أيضاً تختلف النسب من حقل لآخر، إذ تشير المعلومات إلى أن نسبة النضوب في حوض «باكين» تبلغ على مدى خمس سنوات نحو 89 في المئة أو نحو 3.6 في المئة شهرياً. وتختلف نسب النضوب من حقل إلى آخر، وفق حداثة الحقل أو قدمه. ففي حوض «بيرمين»، تبلغ النسبة السنوية للنضوب نحو 22 في المئة، أو 2.1 في المئة شهرياً.
تواجه صناعة النفط الصخري معارضة قوية من منظمات الحفاظ على البيئة، خصوصاً بسبب الخوف من الكيماويات التي تُمزج بالماء ذي الضغط الشديد، الذي يُستخدم لتكسير الصخور وفتح المسامات لتسهيل عبور النفط من خلالها. والخوف هو من تلويث أحواض المياه المستخدمة للشرب. وبما أن من الضروري تكرار عملية التكسير للحفاظ على استدامة انفتاح المساهمات، فهذا يستدعي تكسير الصخور في شكل مستمر، ما يزيد التكاليف من جهة واحتمالات التلوث من جهة أخرى.
تطرح صناعة النفط الصخري الحديثة العهد، أسئلة منها: ما هي السرعة المتوقعة لانتشارها خارج قارة أميركا الشمالية؟ وما هي سرعة نقل تقنيتها إلى دول أخرى؟ وما هو تأثير إنتاج النفط الصخري في جيواستراتيجية الطاقة الخاصة بالولايات المتحدة مستقبلاً؟ هل ستستطيع الولايات المتحدة النأي بالنفس عن السوق العالمية للطاقة لأنها أصبحت دولة مكتفية ذاتياً؟ أم هل ستبقى مرتبطة بالأسواق العالمية، نظراً إلى استمرار اعتماد حلفائها في الدول الصناعية الغربية على استيراد النفط الخام، ولأنها في طور أن تصبح دولة مصدرة للنفط، ما يعني أن صادراتها ستتأثر بالأسعار العالمية؟ وما هو مستقبل السياسة الأميركية في مجال الطاقة في ضوء السرعة النسبية لنضوب حقول النفط الصخري؟
والسؤال الأهم هو كيف ستتعامل منظمة «أوبك» مع كميات النفط غير التقليدي المتزايدة؟ هل ستحاول المنظمة الحفاظ على نطاق سعري معتدل كي تحجب النفوط غير التقليدية ذات التكاليف العالية جداً عن الأسواق؟ أم هل ستبقى اقتصادات بلدان «أوبك» رهناً لموازنات سنوية عالية جداً تتطلب أسعاراً عالية للنفط؟.