تفجيرات بروكسل :مواجهة الإرهاب في أوروبا

تفجيرات بروكسل :مواجهة الإرهاب في أوروبا

بروكسل-تفجيرات

شهدت العاصمة البلجيكية(بروكسل) صباح يوم الثلاثاء 22 أذار 2016 سلسلة من الاعتداءات الارهابية التي راح ضحيتها أكثر من (34) قتيلا و(135) جريحا، وأصابت مطار (زافينيتم) ومحطة المترو(مالبيك) ، لتؤكد حقيقة أصبحت راسخة وواقعية بان الارهاب لا يتحدد بمنطقة أو دولة وانما يشمل جميع دول العالم وان سياسة الارهابين هو الامتدادوالزحف ونشر الرعب والخوف في جميع ميادين ومناطق العالم والسعي لقتل العديد من المواطنين واحداث الخسائر المادية والبشرية في أي مكان تطاله يد الارهاب ، وهذا ما سبق لمركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية وان اشار اليه بتاريخ 15 تشرين الثاني 2015 بمقاله الموسوم (الارهاب في باريس أفاقه وامتداداته ).
ولعلنا نعيش الان لحظة المواجهة الحقيقية مع أدوات الارهاب وسعي عناصره وقياداته لاثبات وجودهم وتسخير جميع امكانياتهم لتحقيق أهدافهم والسعي لتعزيز ورفع معنويات عناصرهم المنتمين اليهم والواقعين ضمن الخلايا النائمة والممتدة عبر الاماكن التي يمكن لهم الوصول اليها ، وأصبح العمق الاوربي يشكل هدفا رئيسيا وغاية ملحة في توجيه ضربات الارهاب الى جميع القواعد والمواقع المهمة الاستراتيجية في العواصم الاوربية وسعيه الحثيث الى ارباك الوضع الامني وزرع حالات الخوف والذعر بين مواطني هذه البلدان اضافة الى افشال الخطط والامكانيات الاستخبارية التي تسعى الاجهزة الامنية في العواصم الاوربية للحد من نشاط وحركة وامتداد الارهاب الدولي .
وجاء الاعلان عن تبني تنظيم الدولة لسلسلة العمليات والهجمات التي وقعت في العاصمة (بروكسل) والذي أكدته وكالة (أعماق) التابعة للمركز الاعلامي المرتبط بالتنظيم باستخدام العبوات والاحزمة الناسفة والتي سبقها اطلاق العديد من العيارات النارية في أماكن الحدث وانغماس (3) من عناصر التنظيم وتفجير أنفسهم أثناء تنفيذ الهجمات .
ان الحادث الارهابي حدث في دولة تقع في شمال وسط أوربا وهي دولة محايدة وتعتبر دولة صغيرة من حيث مساحتها وعدد السكان فيها ولها حدود مشتركة مع كل من (ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ وهولندا) وتمتلك قوانيين خاصة تساعد على تسهيل اقامة وقبول المهاجرين والتعامل معهم انسانيا ولولا وجود مقر (حلف الناتو) ومقر (المفوضية العليا للاتحاد الاوربي ) في عاصمتها لما اصبح لهذه الدولة أهمية سياسية تذكر أو أعتبارا دوليا يتحدث به الاخريين وأصحاب الشأن الدولي .
ان هذه المؤشرات تجعلنا ندرك أهمية الاهداف التي يسعى الارهاب لوصولها وتحديد مسارات عملياته في الاماكن التي يحسن اختيار أهدافه فيها بشكل مدروس وملموس مع توقيتات تنم عن خبرة وأطلاع في العمل الميداني الارهابي .
وبنظرة واقعية لما حدث يمكن لنا أن نؤشر الملاحظات التالية:
1.يأتي العمل الارهابي بعد أربعة أيام من نجاح الامن البلجيكي بألقاء القبض على (صلاح عبد السلام) المشتبه به والمسؤول الرئيسي في تفجيرات باريس التي وقعت 13 تشرين الثاني 2015 .
2.يشكل هذا العمل أخفاقا أمنيا واضحا للأجهزة الامنية البلجيكية بعدم متابعتها واستقرائها لمستقبل العمل الارهابي في بلدها وتوجهات المنظمات الارهابية ومعرفة الخلايا النائمة وضعف الاحتياطات الامنية التي كان يجب أن تراعيها بعد عملية القبض على أهم المشاركين بالحادث الارهابي في العاصمة الفرنسية (باريس) .
3.تجاهل الدول الاوربية وأجهزتها الاستخبارية والامنية للخطر الذي تشكله الخلايا الارهابية المتواجدة على أرضها وضعف التنسيق الامني المتبادل بين هذه الدول ومؤسساتها الامنية .
4.استخدم في هذا العمل الارهابي عدد من العبوات والاحزمة الناسفة علينا ان نتسائل كيف تمكن الانغماسيون من ايصال هذه المواد الى داخل أروقة وقاعات المطار وكيف تمكنوا من تخطي حواجز التفتيش ورجال الامن البلجيكي ؟؟
5.جاءت الاحداث لتؤشر حقيقة أهداف تنظيم الدولة وسعيه لاستخدام واستثمار الجانب الاعلامي بأعماله واختيار أماكن التفجير بما يحقق له صدى اعلامي يسعى اليه .
6.أدى وقوع الحادث الى اعلان وزير الداخلية البلجيكي (بان جامبون ) عن اخلاء مفاعل ريتهاج النووي القريب من الحدود مع ألمانيا واعلان غلق المطار الذي وقع فيه الحادث الارهابي وايقاف جميع الرحلات .واعلان حالة الطوارئ في البلاد .
ان تداعيات الحادث وما ألت اليه اجراءات دول الاتحاد الاوربي يمكن رصدها بالاتي :
1.تسريع الجهود لهزيمة تنظيم الدولة وافشال خططه المستقبلية بالتعاون المستمر والمشترك مع الاجهزة الامنية في بلجيكا وايقاف زحف مقاتلي التنظيم والتصدي لهم .
2.تعزيز الحمايات ونشر القوات العسكرية والامنية وتكثيف الواجبات عند نقاط الحدود المشتركة وفي الاماكن المهمة والاستراتيجية .
3.العمل بشكل جدي وفعال للإسراع في اضعاف قوة وفعالية تنظيم الدولة وتكثيف المساهمة الاوربية التي تعهدت بها دول الاتحاد الاوربي .
4.تجفيف ينابيع ومصادر التمويل المالي والتسليحي للتنظيم وافشال خططه وحرمانه من القدرة على تجنيد الاشخاص واستقطاب عناصر جدد وادامة زخم المواجهة والشروع بقتاله واستهدافه والحد من نشاطاته .
5.ان تواجد عناصر التنظيم وقياداتهم في المدن الساحلية الليبية وسعيه للسيطرة عليها يهدد الامن الدولي والاقليمي ومنها المصالح الاوربية في منطقة الشرق الاوسط ويشكل تهديد مباشر للامن القومي لهذه البلدان .
6.استهداف العمق الاوربي من قبل تنظيم الدولة بعليات تعرضية وهجومية والتأثير على الوضع الامني للعواصم الاوربية من خلال تواجد الارهاب وأدواته في ليبيا وأمتداداته للاراضي التونسية .
7.تسخير جميع الامكانيات والعلاقات التي تربط دول الاتحاد الاوربي ببعضها في الميدان العسكري لمواجهة مقاتلي تنظيم الدولة وتعزيز الجهود المشتركة لايقاع أكبر الخسائر بالتنظيم ومقاتليه.
8.وضع ضوابط رئيسية لحركة ونزوح العديد من اللاجئين العرب والمسلمين وايجادنقاط تفتيش ومتابعة على الحدود التي تربط بلجيكا وجاراتها من الدول الاوربية في محاولة للحد من حركة الارهابين وتسللهم مستغلين حركة ونزوح اللاجئين في الوقت الحاضر .
اعتمد تنظيم الدولة اسلوب ومبدآ(المفاجأة والصدمة) وهو الاسلوب الذي يستخدم في جميع العمليات ذات البعد الاستراتيجي في مواجهة أعداء التنظيم ، فهل نرى في قادم الايام الاستمرار بهذا النهج ام سيكون للجهد الدولي والاوربي كلاما أخرا في ايقاف تمدد وزحف التنظيم بفعل الجهد العسكري والامني لمكافحة الارهاب الدولي ؟؟

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية