على الرغم من الاتفاق النووي الإيراني، أو ربما بسببه، لا يزال «حزب الله» يشكل تهديداً كبيراً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وفي الدول المجاورة للولايات المتحدة أيضاً، كما تشير الأحداث في أوروبا وأمريكا الجنوبية. فإيران هي الممول الرئيسي لـ «حزب الله»، إذ تقدم للحزب السياسي والجماعة المتشددة في لبنان نحو 200 مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى الأسلحة والتدريب والاستخبارات ومساعدة لوجستية. لكن على مدى ثمانية عشر شهراً قبل التوقيع على الاتفاق النووي، كانت إيران قد خفضت من دعمها المالي لـلحزب، وهي فائدة جانبية لنظام العقوبات الدولية الذي لم يسبق له مثيل ويستهدف البرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن انخفاض أسعار النفط.
وقد أدى هذا التخفيض إلى الحد على الأغلب من معظم الأنشطة السياسية والاجتماعية والعسكرية لـ «حزب الله» في الداخل اللبناني. إذ توجب على مؤسساته التي تقدم الخدمات الاجتماعية خفض التكاليف، كما تلقى الموظفون رواتبهم في وقت متأخر أو سُرحوا من عملهم، كما انخفض تمويل المنظمات المدنية، مثل المحطة التلفزيونية الفضائية، “المنار”، التابعة للحزب. وعلى النقيض من ذلك، لم تبرز أي علامات تشير إلى أن قيادة «حزب الله» في سوريا، التي كانت تمثل أولوية بالنسبة إلى طهران نظراً إلى التزامها بالدفاع عن نظام بشار الأسد، تعاني من أي ضائقة مالية.
ومن المرجح أن تستفيد العمليات الإقليمية والدولية لـ «حزب الله» أيضاً من زيادة الإنفاق الإيراني في أعقاب الاتفاق مع إيران. فلم تعد أنشطة الحزب تقتصر على التنافس على السلطة السياسية في لبنان ومحاربة إسرائيل. فمع حصول الحزب على المزيد من المال، من المتوقع أن يكثف من مساعداته للميليشيات الشيعية في العراق واليمن بالتعاون مع إيران، ويرسل أعداد صغيرة من المقاتلين المدربين ذوي المهارات لدعم القوات المحلية، وفي بعض الحالات، المحاربة معهم. ففي العراق، يقوم «حزب الله» بتدريب الميليشيات الشيعية والمشاركة معها في القتال، ومن المرجح أن تتوسع هذه العمليات. وعلى الرغم من أنها تقاتل نيابة عن الحكومة، إلا أن تكتيكاتها تفاقم التوترات الطائفية. أما في اليمن، فبصمة «حزب الله» صغيرة، ولكن يمكن أن تتوسع من خلال موارد إضافية. ويحاول الحزب بالفعل إيجاد دعم طويل الأجل لهذه العمليات، مثل الاستثمارات في مؤسسات الواجهة التجارية في العراق.
وأخيراً، يمكن لزيادة التمويل أن تساعد «حزب الله» على إعادة تشكيل قدراته خارج نطاق الشرق الأوسط أيضاً. فالحزب أكثر انشغالاً من أي وقت مضى، وخاصة في سوريا، حيث يشارك في عمليات مسلحة وأنشطة دعم مكلفة. في الوقت نفسه، وسّع الحزب أنشطته الإقليمية أبعد من ذلك، وأنهك خزينته حيث كان عليه أن يقلّص أنشطته في لبنان. كما أن «حزب الله» المدعّم حديثاً، من المتوقع أن يعمل بقوة أكبر في الداخل والخارج، ويشكل تحدياً للأحزاب الأقل تسلحاً عبر الطيف السياسي اللبناني ويعزز أنشطته المزعزعة للاستقرار خارج لبنان. وفي الوقت الذي قد لا ترغب فيه إيران أن يُشاهدها العالم تنخرط مباشرة في الأنشطة التي يمكن أن تقوض الاتفاق النووي، يزيد احتمال اعتمادها بصورة أكبر على الأنشطة التي يمكن إنكارها بشكل معقول من حزبها الإرهابي الأساسي العميل، أي «حزب الله».
والخبر السار في هذا الإطار هو أن سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة تستهدف بشكل استباقي الأنشطة الإجرامية لـ «حزب الله» في جميع أنحاء العالم. فعبر العمل بشكل وثيق مع وكالات إنفاذ القانون، لم تسرّع وزارة الخزانة الأمريكية من وتيرة تسميات «حزب الله» وتصنيفه [كمنظمة إرهابية] فحسب، بل نقلت الصراع المالي إلى بيروت، حيث وضع «حزب الله» أمواله حتى وقت قريب في المصارف مع إفلاته من العقاب. ومع تسلحها الآن بـ “قانون منع التمويل الدولي عن «حزب الله»”، فإن الوكالات الأمريكية مخولة حقاً بـ “إحباط شبكة” الحزب “على كل منعطف” من خلال فرض عقوبات على المؤسسات المالية التي تتعامل مع «حزب الله» أو محطة تلفزيون “المنار” التابعة له.
وفي الوقت نفسه، ومن خلال “صندوق الشراكة لمكافحة الإرهاب”، أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية مبادرة دولية لرفع مستوى الوعي حول النطاق الواسع لأنشطة إيران و «حزب الله» الإرهابية والإجرامية في جميع أنحاء العالم، وزيادة التعاون في مجال إنفاذ القانون والتنسيق بين مجموعة واسعة من الدول لمواجهة هذه الأنشطة. فقد شاركت الولايات المتحدة في “القيادة المشتركة لمجموعة تنسيق إنفاذ القانون” مع “وكالة تطبيق القانون الأوربية”، “يوروبول”، حول أنشطة «حزب الله» غير المشروعة، وعُقدت ورشات عمل إقليمية لبناء القدرات في أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية وغرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا، ركزت جميعها على تحسين قدرة الدول المحلية على كشف الأنشطة الإرهابية والإجرامية للحزب في مناطقها وملاحقتها.
وقد أدرك «حزب الله» ذلك. لذا ألقى الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، خطابات تلفزيونية مطولة في تموز/ يوليو وكانون الأول/ ديسمبر 2015، لا تركز على خسائر المعركة في سوريا، بل على إنكار أن «حزب الله» يشارك في الأنشطة التجارية والإعلان عن تهم “غير عادلة” بأن له علاقات بالاتجار بالمخدرات وغسل الأموال. وقد أتت هذه الإنكارات الشديدة رداً على تكثيف جهود الولايات المتحدة والحلفاء الرئيسيين لاستهداف أنشطة الحزب الدولية الإجرامية المنظمة الواسعة النطاق.
وقد اشتكى نصر الله من أنه عندما تتهم الولايات المتحدة الأشخاص أو الشركات عن وجود علاقات بينهم وبين «حزب الله»، تتخذ المصارف اللبنانية في الواقع “اجراءات” ضد هؤلاء الأشخاص أو حسابات كياناتهم. وقد تابع المحققون العديد من القضايا المتعلقة بـ «حزب الله» على مدى السنوات الأخيرة لدرجة أن الحزب لم يعد قادراً على التظاهر بتجاهلهم. وقد أدى ذلك إلى الوصول إلى الدائرة المقربة من قيادة «حزب الله»، بمن فيهم عبد الله صفي الدين، ممثل الحزب في إيران وابن عم نصر الله.
وفي الخطاب الذي أدلاه في كانون الثاني/ ديسمبر، تحدى نصر الله متهميه قائلاً: “أحضروا لي دليلاً!”. وبالتالي، تقوم الولايات المتحدة وشركاؤها بذلك على وجه التحديد، ومع تأثير كبير.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن