دفعت هجمات بروكسل الأخيرة قضايا السياسة الخارجية ومكافحة الإرهاب إلى واجهة الأحداث في حملات الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية، فضلا عن إلقاء الضوء على اختلاف القدرات ووجهات النظر حول القضايا العالمية بين المرشحين.
وأظهرت ردود الأفعال في أعقاب العمليات الإرهابية التي ضربت العاصمة البلجيكية بروكسل حجم الاختلافات داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في اللهجة والمضمون.
كما أنها كشفت بوضوح الإنقسام ما بين نزعات الإنعزال والإنغلاق للمرشحين الجمهوريين المتمردين وبين عقيدة الحزب الجمهوري تجاه السياسة الخارجية التي استمرت لعقود.
وشجع الجمهوريون الساعون للترشح عن حزبهم نزعات الخوف والتخندق لدى مؤيديهم، إذ قال سيناتور تكساس تيد كروز :”نحتاج إلى تعزيز قدرات إنفاذ القانون ودوريات الشرطة وعمليات تأمين أحياء المسلمين قبل أن تتحول إلى مناطق متطرفة”، كما طالب بإغلاق الحدود لمنع “تسلل الإرهابيين.”
بينما كرر دونالد ترامب دعواته إلى حد “منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة”، وقال “ينبغي ان نغلق حدودنا حتى نقرر ما سنفعل.”
وفي لقائه مع مجلس تحرير صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قبيل يوم واحد من هجمات بروكسل شكك ترامب في جدوى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقال :”أعلم بوجود العالم الخارجي وأنا أدرك هذا جدا. لكن في الوقت ذاته فإن بلدنا يتفكك، في قطاعات كبيرة منه، خاصة في الاحياء الفقيرة.”
وبعض النظر عن التغريدات وعناوين الأخبار والتسجيلات الصوتية، فإن المرشحين الجمهوريين قدموا القليل من المادة حتى رغم كشف ترامب وكروز عن فريق كل منهما للسياسة الخارجية هذا الأسبوع.
أما في المعسكر الديمقراطي فقد تبنى المرشحان نبرة هادئة، في الحديث عن التحالفات مع البلدان الأوروبية وتعزيز مشاركة المعلومات الاستخباراتية والعمل مع الحلفاء العرب واحتواء الأمريكيين المسلمين.
ربما لا تتفق هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز على أمور السياسة الخارجية لكنهما وجها لوما لتيد كروز على اقتراحه تسيير دوريات شرطة في أحياء المسلمين. وهو ما فعله الرئيس الأمريكي باراك أوباما أيضا في نهاية زيارته التاريخية لكوبا.
وقال أوباما :”فيما يتعلق باقتراح مراقبة أحياء المسلمين، فلقد غادرت للتو بلداً يمارس هذا النوع من مراقبة الأحياء، والذي بالمناسبة هو نفس البلد (في إشارة إلى كوبا) الذي هرب منه والد السيناتور كروز ليذهب إلى أرض الحرية (أمريكا).”
بينما قال ساندرز :”هناك الكثير من العمل يجب إنجازه لحماية بلدنا، بالإضافة إلى حماية حلفاءنا في أوروبا وأي مكان آخر”.
لكنه ظل غامضا فيما يتعلق بالتفاصيل بما في ذلك التحالف مع الدول العربية لمحاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأضاف “أيا منها لن يكون سهلا.”
يأتي هذا بينما استفادت هيلاري كلينتون من عملها السابق كوزيرة للخارجية في تقديم رد شامل حول الأحداث، في خطابها حول هجمات بروكسل بجامعة ستانفورد.
وخصصت جانبا كبيرا من خطابها لانتقاد المرشحين الجمهوريين وقالت :”إذا مضى السيد ترامب في طريقه، فسيكون بمثابة عيد بالنسبة للكرملين”، وأعلنت رفضها مقترحات كروز واعتبرتها أنها جاءت من “شخص لا يفقه ما يقول”.
وقدمت كلينتون شرحا تفصيليا حول أهمية حلف الناتو والحاجة إلى “تعزيز التعاون الاستخباراتي” لكنها قدمت القليل حول ملامح سياسة جديدة.
وكانت حريصة على أن لا تتخذ نهجا مغايرا للرئيس أوباما الذي مازال يحظى بشعبية بين الديمقراطيين.
كما جددت دعوتها إنشاء منطقة آمنة في سوريا، والتي تمثل نقطة الخلاف الوحيدة بينها وبين أوباما، كما أنها المرشحة الوحيدة التي تربط بين نهاية الصراع في سوريا ووجود نهج أوسع لمواجهة التهديد في أوروبا.
وفور انتهاء خطاب كلينتون غرد ترامب معلقا :”شاهدت للتو هيلاري كلينتون تلقي خطابا حول الإرهاب، كانت في السلطة تحارب الإرهاب طوال 20 عاما، وانظروا إلى أين وصلنا !”
وسريعا ردت حملة كلينتون برفض هذا التبجح.
وقال نيكولاس بيرنز، الأستاذ بجامعة هارفارد ومسؤول سابق بالإدارة الأمريكية ومستشار كلينتون حاليا :”الأيام القليلة الأخيرة كانت اختبارا. السباق لن يكون لاختيار قائد للتسلية لكن لاختيار قائد ليقود البلاد.”
ولفت إلى أن ترامب “فقد إتزانه عندما شكك في دور حلف الناتو قبل يوم من هجمات بروكسل.”
وأضاف :”لا يمكن النجاح في القتال بدون تحالف من 20 أو 30 دولة، فهل يريد ترامب الانتصار بمفرده؟”
وفي ظل عام انتخابات يشهد انقسامات وخلافات وتبادل الاتهامات والشتائم، اتفق أعضاء المؤسسة الديمقراطية والجمهورية على شيء واحد، أن كلاهما يشعر بالذعر من الإنعزال الذي يروج له كلا من ترامب وكروز.
كما أن النقاشات الداخلية في الحزب الجمهوري حول السياسة الخارجية من أكثر الأشياء جذبا للانتباه واستحقاقا للمتابعة.
وأصدر 121 من المتخصصين في السياسة الخارجية بالحزب الجمهوري خطابا مفتوحا يدين رؤية ترامب حول النفوذ والقوة الأمريكية فى العالم، “وكيف أنها غير متسقة وتتأرجح ما بين الإنعزالية والمغامرة العسكرية فى الجملة الواحدة.”
ولم يكن أداء تيد كروز أفضل من ترامب.
فهو يعتمد على قائمة من مستشاري السياسة الخارجية تضم فرانك جافني، أحد المروجين لأفكار معاداة الاسلام، واللبناني الأصل وليد فارس، مسيحي من اليمين المتطرف ولديه علاقات مع إحدى المليشيات المسيحية المسلحة في لبنان وقت الحرب الأهلية.
إذا فإن السؤال الحالي هو كيف أثرت فوضى هجمات بروكسل فعليا على الحملة الانتخابية؟ من غير الضروري قول أن كل طرف يعتقد أنها ساهمت في تعزيز موقفه، خاصة أن كل حملة تدعي قدرتها الرد على المخاوف الأمنية والتحديات السياسية على المدى الطويل.
وقال بيرنز إن رد فعل كلينتون “الهادئ والحاسم” أظهر قيادتها وخبرتها.
وتوصف وزيرة الخارجية السابقة غالبا بأنها من الصقور، وهو ما جعل بعض أعضاء الحزب الجمهوري الموقعين على الخطاب المفتوح ضد ترامب يشيرون إلى احتمالية التصويت لصالحها إذا ما فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري.
لكن منسق الخطاب، إليوت أبرامز، مستشار كروز الحالي وعضو مجلس العلاقات الخارجية ومستشار جورج بوش الابن للأمن القومي في فترة رئاسته، يرى أن المزاج العام في أمريكا حاليا مازال يصب في صالح المرشح الجمهوري سواء كان كروز أو ترامب.
ويحافظ الجمهوريون على أفضليتهم فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي، خاصة أنهم يظهرون بمظهر قوي.
وارتفعت شعبية كروز وترامب بضع نقاط بعد هجمات باريس وسان بيرناردينو، على الرغم من أن كلينتون لا تزال تسيطر على الموقف بهامش كبير، خاصة عند سؤال الأمريكيين عن المرشح الذي يثقون فيه للتعامل مع الإرهاب أو أزمة دولية.
وهذا هو المجال الذي قد تصبح فيه دعوات ترمب وكروز للإنغلاق والإنعزالية في غير صالحهما، فكلما تصبح الأزمات أكثر تعقيدا من اوروبا الى ليبيا مصر، سيصبح من الاصعب عليهما اقناع الناس بأن الحل يكمن في الانعزال عن العالم الخارجي.
كيم غطاس
بي بي سي العربية