أكثر الدول حماسا لتجميد الإنتاج مثل فنزويلا والجزائر وسلطنة عمان، تطمح من خلال الاتفاق إلى الاستفادة من تضحيات المنتجين الآخرين، لأنها غير قادرة في كل الأحوال على زيادة الإنتاج.
العرب سلام سرحان [نُشر في 30/03/2016، العدد: 10230، ص(11)]
يشير السطح الخارجي للتعاملات في أسواق النفط، إلى أن شرارة اقتراح تثبيت الإنتاج في الشهر الماضي، هي التي أطلقت موجة ارتفاع الأسعار عن أدنى مستوياتها منذ 12 عاما، لتبتعد بنحو 50 بالمئة عن المستويات المتدنية المقلقة، حين بلغ سعر مزيج برنت في يناير نحو 27 دولارا للبرميل.
أهمية ذلك الاقتراح جاءت من أن السعودية وروسيا، أكبر منتجين ومصدرين للنفط في العالم، كانتا ضمن الدول الأربع التي قدمت الاقتراح، لكن التدقيق في ثنايا المشهد تكشف أن ارتفاع الأسعار تزامن فقط مع إعلان ذلك الاقتراح، ولم يكن سببه.
فوكالة الطاقة الدولية تقول إن الدول المتحمسة لتثبيت الإنتاج عند مستويات يناير، والتي يصل عددها إلى 15 دولة، تنتج بالفعل عند أقصى طاقتها، أي أن تثبيت إنتاجها سيكون “بلا معنى” على حد تعبير الوكالة، باستثناء السعودية، التي هي الوحيدة، التي تملك القدرة على زيادة الإنتاج.
بعبارة أخرى فإن أكثر الدول حماسا لتجميد الإنتاج مثل فنزويلا والجزائر وسلطنة عمان، تطمح من خلال الاتفاق إلى الاستفادة من تضحيات المنتجين الآخرين، لأنها غير قادرة في كل الأحوال على زيادة الإنتاج. بل إن بعضها مثل عمان، كانت على مدى عقود ترفض سياسات أوبك وتدعو لحرية إنتاج الدول، إلى أن مست أزمة الأسعار توازناتها المالية.
هناك أيضا شكوك في إمكانية التحقق من التزام الدول بالاتفاق المتوقع إبرامه في الدوحة في 17 أبريل، فبيانات الشحن تؤكد أن صادرات روسيا ستصل في أبريل إلى أعلى مستوياتها في 4 سنوات.
وقد أعلنت موسكو صراحة أن الاتفاق لن يناقش الصادرات، في وقت يؤكد فيه الخبراء إمكانية التلاعب بمستوى الإنتاج والصادرات. أما الدول التي يمكنها فعلا زيادة الإنتاج مثل إيران وليبيا ونيجيريا، فقد أعلنت رفضها تجميد الإنتاج، في حين يعلم الجميع أن العراق المندفع لزيادة الإنتاج بأي ثمن، لن يلتزم بالاتفاق، حتى لو وقع عليه.
لذلك فإن أي تأثير ضئيل لتثبيت الإنتاج، سوف تلتهمه زيادة إنتاج تلك الدول. وقد أكدت إيران إصرارها على مواصلة زيادة الإنتاج لحين بلوغ المستويات التي كان عليها قبل تشديد العقوبات في عام 2012.
الغريب أن موسكو ومسقط، المستعدتان لتجميد الإنتاج، تطوعتا للدفاع عن “حق” إيران بمواصلة زيادة الإنتاج، بل إن مسقط، طالبت أوبك بإعفاء إيران من الالتزام بحصص الإنتاج، رغم أن عمان ليست عضوا في المنظمة.
ولا يمكن لأحد أن يلوم ليبيا، التي رفضت حضور الاجتماع من زيادة الإنتاج، إذا ما استقرت أوضاعها السياسية والأمنية، بعد أن تعطل معظم إنتاجها منذ علم 2011.
أكبر المستفيدين من أي تأثير لتجميد الإنتاج هي شركات النفط الصخري، التي أعلنت أنها سوف تستأنف زيادة الإنتاج إذا استقرت الأسعار فوق 40 دولارا للبرميل، بعد أن مكنتها التطورات التكنولوجية من خفض تكاليف الإنتاج، إضافة إلى المنتجين غير المشاركين في الاجتماع مثل المكسيك وبعض دول أميركا اللاتينية.
التقارير والبيانات الدولية تؤكد أن ارتفاع الأسعار لم يكن له علاقة بالاتفاق المتوقع، وأنها ارتدت من القاع، حين أصبحت تقل عن تكلفة إنتاج معظم النفط الصخري وحقول المياه العميقة، بل وحتى إنتاج بعض دول أوبك والكثير من حقول روسيا.
فالإنتاج الأميركي سجل تراجعات شهرية متتالية منذ نحو 6 أشهر، والبيانات الرسمية ترجح أن يسجل انخفاضا كبيرا في الشهر المقبل، إضافة إلى الانخفاض الكبير في الاستثمارت في تطوير الحقول، والذي كان سيؤدي لعودة الأسعار للارتفاع في النصف الثاني من العام.
كل ذلك يؤكد أن الاتفاق سيكون بلا جدوى، وكان على كبار منتجي أوبك أن يواصلوا إصرارهم على سياسة ترك السوق لعوامل العرض والطلب، التي كانت قد بدأت تؤتي ثمارها.
الاتفاق سيكون في أفضل الأحوال علاجا بالمسكنات، لتأجيل دورة الأزمة الحتمية، وسيحرم المنتجين الكبار الأكثر كفاءة والأقل تكلفة من فرصة زيادة حصتهم في الأسواق وإخراج المنتجين الأقل كفاءة من الأسواق.
سلام سرحان
العرب اللندنية