كشف التحقيق الاستقصائي الذي أجرته مؤسساتٌ إعلامية غربية عن جانبٍ من الفساد في وزارة النفط العراقية، وكيف أن هذه الوزارة المهمة التي تدير عصب الثروة العراقية تتعرّض لأكبر فضائح الفساد في العالم. وقد بيّن التحقيق أن ثروات العراق تعرّضت منذ العام 2003 لأبشع عملية سرقةٍ، أدت إلى أن يتحوّل العراق، صاحب أكبر احتياطي نفطي، دولةً عاجزة مالياً قد تواجه خطر عدم القدرة حتى على دفع رواتب نحو سبعة ملايين موظف حكومي في الأشهر القليلة المقبلة.
لا تجد قضايا الفساد التي تكشف عنها وسائل الإعلام، أو الوثائق التي يتم تسريبها بين وقت وآخر، أي ردة فعل من الحكومة العراقية، ما يبدو أمراً يعود إلى أن الشخصيات التي غالباً ما تكون متورطةً بمثل هذه الفضائح هي التي تدير البلاد منذ 2003.
وقد كشف، أخيراً، التحقيق عن الفساد في عقود النفط العراقية عن أسماء كبيرة ورفيعة المستوى، لعل أبرزها وزير النفط في حكومة نوري المالكي الأولى (2006-2010) ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة من 2010-2014 ووزير التعليم العالي في حكومة حيدر العبادي الحالية، حسين الشهرستاني. ووردت أسماء أخرى، منها وزير النفط السابق، ثامر الغضبان، وأيضاً مدير عام شركة نفط الجنوب (أكبر مؤسسة تُعنى بشؤون النفط). ولهذه الأسماء دلالتها، فهي تؤكد أن الفساد الذي يلتهم العراق يأتي من أكبر رؤوسه، وأنه محمي بقوة هذه الرؤوس وأحزابها، وبعد ذلك بقوة القضاء العراقي الذي تحوّل أكبر حام لهذه الطبقة الفاسدة.
وتفيد تقديرات البنك الدولي بأن العراق بدأ، وفي ظل أزمة انخفاض أسعار النفط، السحب من احتياطاته المالية، والتي تناقصت في العام 2015 بنحو 30%، محذراً من أن هذا السحب الكبير، والتناقص الكبير في الاحتياطات المالية للعراق، يمكن أن يعرّضه لهزةٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ، ويجبره على تسريح موظفين، وتقليص رواتب، وإجراءاتٍ مالية أخرى، تهدّد البنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه، توضح التقديرات أن مجمل ميزانيات العراق السنوية، منذ العام 2004 وحتى 2015، وصلت إلى نحو 800 مليار دولار، ولم يتمكّن من الاستفادة منها بالشكل الصحيح، بل إن تلك الثروات توزّع بين رؤوس الفساد وحيتانه، الأمر الذي حوّل العراق دولة تتسوّل المال، لتدفع رواتب موظفيها.
تستدعي الحرب التي يدّعي العراق، وحكومة المنطقة الخضراء، شنها على الإرهاب، أولاً، شن حربٍ على الفساد الذي يعتبر البوابة الأساسية لأي إرهاب، ولعلكم تتذكّرون الأحاديث عن كيفية وصول الأموال والأسلحة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، فقد ثبت بالدليل أن الفساد الذي يضرب المؤسسات العراقية أحد الأسباب التي تجعل الأموال (والأسلحة) تصل إلى هذا التنظيم. وتحدثت مصادر أن التنظيم، وبسبب الفساد والرشاوى المنتشرة في جسد الدولة العراقية عقب 2003، تمكن حتى من اختراق المؤسسة العسكرية العراقية، بل إن صفقاتٍ مالية كبيرة داخل أروقة الوزارة كانت بيع أسلحة لجهاتٍ مجهولة، تبيّن أنها تابعة لتنظيم الدولة.
وهناك جهات عراقية تابعة لأحزاب ووزارات، ولديها مليشيات مسلحة، تقوم بعمليات بيع نفط عراقي خارج إطار الدولة، حتى أن وسائل إعلام عراقية تحدثت عن أنابيب نفطية تصل إلى البصرة، بعضها معروف أنه للجهة الفلانية أو الحزب الفلاني أو حتى السياسي الفلاني.
يقول رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق، موسى فرج، إن قادة الفساد هم الساسة والحكوميون الكبار، وإن هذا الفساد كان في مقدمة الأسباب التي أفضت إلى سقوط ثلث العراق بيد داعش، وإن الساسة اختزلوا الشعب العراقي بالمكونات، والمكوّن بالأحزاب، والحزب بالمقربين، والمقربين بالبطانة.
وتأتي هذه الحقائق المؤلمة التي يعيشها العراق في خضم أزمة سياسية متصاعدة، بعد أن خرجت تظاهرات عدة وسط بغداد، للمطالبة بالإصلاح، سارع بعدها مقتدى الصدر ليتصدّر المشهد، ويقود اعتصاماً استمر أياماً، قبل أن يعلن العبادي عن تشكيلة “تكنوقراط”، بديلة للحكومة الحالية، لينتهي مشهد الاعتصام والتظاهر، وكأن العراق حقق إصلاحاته المشهودة.
عراق اليوم لا يمكن أن تنقذه إصلاحات، حتى وإن وجدت، لأن أساس أي إصلاحاتٍ حقيقية يجب أن تبدأ بمحاكمة حيتان الفساد واسترداد الأموال العراقية المنهوبة التي جعلت من هذه الرؤوس الفاسدة أثرياء. لا أمل بإنقاذ باقي العراق إلا بحملة تطهير لهذه الرؤوس الفاسدة، حملة لا يبدو أيٌّ من أحزاب السلطة مرحِّباً بها، لأنها تعرف أنها ستقتلعها هي قبل غيرها، ليبقى الأمل بثورة شعبية تجبر الفاسدين على الهرب، وترك ما تبقى من العراق للعراقيين.
لا تجد قضايا الفساد التي تكشف عنها وسائل الإعلام، أو الوثائق التي يتم تسريبها بين وقت وآخر، أي ردة فعل من الحكومة العراقية، ما يبدو أمراً يعود إلى أن الشخصيات التي غالباً ما تكون متورطةً بمثل هذه الفضائح هي التي تدير البلاد منذ 2003.
وقد كشف، أخيراً، التحقيق عن الفساد في عقود النفط العراقية عن أسماء كبيرة ورفيعة المستوى، لعل أبرزها وزير النفط في حكومة نوري المالكي الأولى (2006-2010) ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة من 2010-2014 ووزير التعليم العالي في حكومة حيدر العبادي الحالية، حسين الشهرستاني. ووردت أسماء أخرى، منها وزير النفط السابق، ثامر الغضبان، وأيضاً مدير عام شركة نفط الجنوب (أكبر مؤسسة تُعنى بشؤون النفط). ولهذه الأسماء دلالتها، فهي تؤكد أن الفساد الذي يلتهم العراق يأتي من أكبر رؤوسه، وأنه محمي بقوة هذه الرؤوس وأحزابها، وبعد ذلك بقوة القضاء العراقي الذي تحوّل أكبر حام لهذه الطبقة الفاسدة.
وتفيد تقديرات البنك الدولي بأن العراق بدأ، وفي ظل أزمة انخفاض أسعار النفط، السحب من احتياطاته المالية، والتي تناقصت في العام 2015 بنحو 30%، محذراً من أن هذا السحب الكبير، والتناقص الكبير في الاحتياطات المالية للعراق، يمكن أن يعرّضه لهزةٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ، ويجبره على تسريح موظفين، وتقليص رواتب، وإجراءاتٍ مالية أخرى، تهدّد البنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه، توضح التقديرات أن مجمل ميزانيات العراق السنوية، منذ العام 2004 وحتى 2015، وصلت إلى نحو 800 مليار دولار، ولم يتمكّن من الاستفادة منها بالشكل الصحيح، بل إن تلك الثروات توزّع بين رؤوس الفساد وحيتانه، الأمر الذي حوّل العراق دولة تتسوّل المال، لتدفع رواتب موظفيها.
تستدعي الحرب التي يدّعي العراق، وحكومة المنطقة الخضراء، شنها على الإرهاب، أولاً، شن حربٍ على الفساد الذي يعتبر البوابة الأساسية لأي إرهاب، ولعلكم تتذكّرون الأحاديث عن كيفية وصول الأموال والأسلحة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، فقد ثبت بالدليل أن الفساد الذي يضرب المؤسسات العراقية أحد الأسباب التي تجعل الأموال (والأسلحة) تصل إلى هذا التنظيم. وتحدثت مصادر أن التنظيم، وبسبب الفساد والرشاوى المنتشرة في جسد الدولة العراقية عقب 2003، تمكن حتى من اختراق المؤسسة العسكرية العراقية، بل إن صفقاتٍ مالية كبيرة داخل أروقة الوزارة كانت بيع أسلحة لجهاتٍ مجهولة، تبيّن أنها تابعة لتنظيم الدولة.
وهناك جهات عراقية تابعة لأحزاب ووزارات، ولديها مليشيات مسلحة، تقوم بعمليات بيع نفط عراقي خارج إطار الدولة، حتى أن وسائل إعلام عراقية تحدثت عن أنابيب نفطية تصل إلى البصرة، بعضها معروف أنه للجهة الفلانية أو الحزب الفلاني أو حتى السياسي الفلاني.
يقول رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق، موسى فرج، إن قادة الفساد هم الساسة والحكوميون الكبار، وإن هذا الفساد كان في مقدمة الأسباب التي أفضت إلى سقوط ثلث العراق بيد داعش، وإن الساسة اختزلوا الشعب العراقي بالمكونات، والمكوّن بالأحزاب، والحزب بالمقربين، والمقربين بالبطانة.
وتأتي هذه الحقائق المؤلمة التي يعيشها العراق في خضم أزمة سياسية متصاعدة، بعد أن خرجت تظاهرات عدة وسط بغداد، للمطالبة بالإصلاح، سارع بعدها مقتدى الصدر ليتصدّر المشهد، ويقود اعتصاماً استمر أياماً، قبل أن يعلن العبادي عن تشكيلة “تكنوقراط”، بديلة للحكومة الحالية، لينتهي مشهد الاعتصام والتظاهر، وكأن العراق حقق إصلاحاته المشهودة.
عراق اليوم لا يمكن أن تنقذه إصلاحات، حتى وإن وجدت، لأن أساس أي إصلاحاتٍ حقيقية يجب أن تبدأ بمحاكمة حيتان الفساد واسترداد الأموال العراقية المنهوبة التي جعلت من هذه الرؤوس الفاسدة أثرياء. لا أمل بإنقاذ باقي العراق إلا بحملة تطهير لهذه الرؤوس الفاسدة، حملة لا يبدو أيٌّ من أحزاب السلطة مرحِّباً بها، لأنها تعرف أنها ستقتلعها هي قبل غيرها، ليبقى الأمل بثورة شعبية تجبر الفاسدين على الهرب، وترك ما تبقى من العراق للعراقيين.
إياد الدليمي
صحيفة العربي الجديد