تربط الرياض بالقاهرة علاقة خاصة ومختلفة، فالبلدان يحملان ثقلاً ووزناً وترابطاً تاريخياً وثيقاً، وحين تتبعثر أوراق وتتداخل ملفات يأتي الحديث دوماً عن علاقة مرتبكة بين هذين القطرين كي تنمو في الساحة حكايات وقصص وتخلق جملة من الأكاذيب، لا سيما أن أي اهتزاز بين الشقيقتين فذاك يعني أن ثمة صداعاً نصفياً يضرب الوطن العربي ويعمّق الجراح، إضافة إلى ما في هذا الوطن الكبير من الآلام والأسى.
بحضور العاهل السعودي الملك سلمان اليوم في القاهرة تأكيد متصل وظاهر على أن الحليفين الإقليميين على قدر عالٍ من التوافق والالتقاء والتقارب، وبرفقة الحضور رد طازج غير قابل للتكهنات ولا الدخول في تأويلات أو تفسيرات عن أن التواصل على ما يرام والعلاقات تسير بدفء وقوة، ونحو تعاطٍ شفاف وبزاوية رؤية دقيقة ووجهة نظر متحدة تجاه المهددات المحيطة كافة.
لا عيب في أن ينشأ اختلاف الى طاولة نقاش، لكن الاختلاف بين العقلاء والمدركين يثمر عن التوجه سريعاً لنقاط اتفاق هي حجر الزاوية من الحوار بالكامل، والمؤشر البارز في أن أي اختلاف عابر لن يفسد الود الكبير والخصوصية التي تتمتع بها علاقة استثنائية بين بلدين بحجم السعودية ومصر.
توقيت زيارة ملك السعودية توقيت مهم وستحمل الزيارة بلا شك تطلعات كُبرى ورسائل لازمة العرض والإيصال على الأصعدة الإقليمية والديبلوماسية والاقتصادية، ومعها كم كافٍ من الحرص المتبادل على تنسيق سعودي – مصري مشترك وتأكيد للتطابق في المواقف وما من شأنه أن يساهم أولاً في بقاء مصر قوية، ومن ثم التصدي للأزمات بيقظة، فضلاً عن المحــو العاجل لأي تداعيات سلبية طارئة يمكن أن تلد أو تنشأ.
الزيارة التاريخية للعاهل السعودي بالقراءة الهادئة للزمان وجملة المتغيرات الساخنة ستذهب بالعلاقات بين البلدين لما هو أقوى وأعمق، وستقف بثبات إزاء التغيرات المتجددة حول الطاولة العربية والإسلامية، فهناك ما يكفي من محاولات التمدد والعبث والسياسات العدائية التي تستهدف البلدين، ولا يمكن التصدي لها وقطع أوصالها وإيقافها عند الحد الذي يجب أن تقف عنده إلا بركل التخمينات السياسية والمضي نحو المستقبل بصحبة مبادرات ورؤى متقاربة واتفاقات لا تريح الحاضر فقط بل تعطي المستقبل تطمينات كافية وتعزز ثقل البلدين وقدرتهما على الالتقاء بوجهات النظر المركزة في أي وقت، والتكامل بالممكن من القوى تجاه أي خطر ونشر مسيس للفوضى، سيكون باب الرهان مفتوحاً في زيارة ملكية تسكت الأفواه الراغبة في أن تصطاد بأي ماء عكر، وتمرر ما رخص من العبارات وجمل التوتر، وكأن الملك سلمان بن عبدالعزيز يقول لمصر قيادة وشعباً: «يحدث ألا نلتقي – موقتاً – في حراك السياسة، لكننا نلتقي على الدوام ومع أوراق التاريخ ونبض القلوب وعند علاقات المودة والاحترام وتعزيزاً للصلات المتينة في الماضي والحاضر»، ويكفي السعودية ومصر قول المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود: «لا غنى لنا عن مصر ولا لمصر غنى عنا».
علي القاسمي
صحيفة الحياة اللندنية