في منتصف ليل العاشر من أبريل من المقرر أن يبدأ سريان وقف إطلاق للنار في اليمن، تمهيدا لبدء مرحلة جديدة من المفاوضات بين أطراف النزاع هناك، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، تعيد لليمن استقراراه وتفتح أمامه أبواب مرحلة جديدة من التطور، تبدأ بإقامة سلطة سياسية جديدة (انتقالية)، وتنفيذ برنامج لإعادة بناء ما خربته الحرب. ويعتبر وقف إطلاق النار هذه المرة جزءا من إجراءات لبناء الثقة بين أطراف النزاع تشارك فيها السعودية والحكومة اليمنية (الشرعية) في عدن والحكومة اليمنية في صنعاء التي يقودها الحوثيون بالتحالف مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبد اللـه صالح. ومن الضروري أن يصمد وقف إطلاق النار لمدة أسبوع على الأقل تمهيدا لبدء مفاوضات سياسية في الكويت برعاية الأمم المتحدة، على أساس قرار مجلس الأمن 2216 ومخرجات الحوار الوطني اليمني والمبادرة الخليجية. وتأمل الأطراف السياسية أن تكون المفاوضات هذه المرة خطوة إيجابية على الطريق لإنهاء النزاع ووضع أسس السلام والاستقرار في “اليمن السعيد” الذي فقد سعادته تماما خلال السنوات الأخيرة، وتحول إلى ساحة قتال مفتوحة سالت فيها الكثير من الدماء وراح فيها الآلاف من الأبرياء وعم فيها الخراب أنحاء كثيرة خصوصا في عدن وتعز وصعده وصنعاء وغيرها من المدن اليمنية.
ويبدو المشهد السياسي في اليمن حاليا أكثر عقلانية وأكثر اعتدالا، مما يبعث على الكثير من التفاؤل، خصوصا بعد ظهور مؤشرات قوية في الرياض وصعدة وعدن في اتجاه الميل إلى تسوية تنهي الحرب الدائرة في اليمن. ولكن ذلك لا ينفي وجود عدد من علامات الاستفهام بخصوص مواقف بعض الأطراف المؤثرة في الوضع الحالي في اليمن. ومن أهم علامات الاستفهام التي من المرجح أن تترك تأثيرها على الوضع الحالي وكذلك على التسوية السياسية المرتقبة في اليمن ما يلي: علامة الاستفهام الأولى تتعلق بالرئيس اليمني المخلوع علي عبد اللـه صالح، فلا أحد يعرف على وجه الدقة حتى الآن ما هو موقف علي عبد اللـه صالح والقوات الموالية له من المفاوضات والتسوية السياسية. وتجب الإشارة هنا إلى أن خريطة أطراف المفاوضات في الكويت لم تتضح بعد. وليس من الواضح حتى الآن كيف سيشارك صالح أو ممثلون عنه في المفاوضات. ومن المرجح أن تلقي السعودية بكل ثقلها من أجل إبعاد صالح عن التسوية وعن أي دور في مستقبل اليمن، في مقابل تقديم إغراءات إلى الحوثيين وإلى قيادات حزب المؤتمر الشعبي اليمني المنشقين عن علي صالح.
أما علامة الاستفهام الثانية فتتعلق بالحوثيين أنفسهم. وليس واضحا حتى الآن ما إذا كانت جماعة عبد الملك الحوثي بأجمعها على قلب رجل واحد فيما يتعلق بالمفاوضات، أم أن هناك انقساما في أوساط الحوثيين. ويبدو من بعض التعليقات الصادرة من طهران أن بعض الحوثيين (الموالين لإيران) يميلون إلى التشدد، في حين أن بعضا آخر يقيم تقريبا في الرياض منذ أواخر فبراير الماضي ويشترك في مفاوضات مع مسئولين سعوديين تتعلق بإجراءات لبناء الثقة والاتفاق على مقومات لضمان نجاح مفاوضات الكويت. وقد تلجأ طهران إلى دعم الجناح المتشدد من الحوثيين بغرض تعطيل أو إفشال المفاوضات التي ستجري قريبا في الكويت، ذلك لأن استمرار الصراع ضد السعودية هو أحد الأهداف الإستراتيجية للمتشددين من أنصار تيار الثورة في إيران ومنهم على وجه الخصوص قيادات الحرس الثوري الإيراني.
وتتعلق علامة الاستفهام الثالثة بموقف الإمارات العربية المتحدة من المفاوضات، خصوصا بعد إبعاد نائب الرئيس ورئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح الذي كان محسوبا بقوة على الإمارات، وكان يحصل على كثير من الدعم العيني والمعنوي لتطوير الأوضاع إلى الأفضل في عدن، خصوصا فيما يتعلق بتشغيل الكهرباء وميناء ومصفاة عدن وإصلاح البنية الأساسية المهدمة بسبب الحرب، إضافة إلى الكثير من المساعدات الطبية والغذائية التي كانت تأتي معظمها من أبوظبي. وقد تضمن قرار إقالة بحاح الكثير من الاتهامات مما قد يجعل قضية بحاح موضوعا قائما بذاته في الأيام المقبلة خصوصا بعد ترديد اتهامات موجهة ضد جلال إبن الرئيس عبدربه منصور هادي واتهامات مقابلها إلى بحاح.
أما علامة الاستفهام الأخيرة فإنها تتعلق بالدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه تنظيمات القاعدة وداعش في اليمن، خصوصا في الجنوب، في إفشال جهود وقف إطلاق النار ومحاولة هذه الجماعات إشعال الوضع في اليمن شمالا وجنوبا، بوصف ذلك هو المناخ الملائم لاستمرار وتوسيع نفوذ القاعدة وداعش في اليمن وفي مناطق جنوب شبه الجزيرة العربية بشكل عام.
أن التغييرات التي أعلنها الرئيس اليمني في الرياض تصب في مصلحة إعداد المسرح الداخلي لتسوية سياسية ناجحة في مفاوضات الكويت مع الحوثيين
أولا: السعودية مشغولة بإنهاء الحرب
تعرضت السياسة الخارجية السعودية منذ أواخر العام الماضي (2015) لعدد من الانتكاسات التي أدت على الأرجح إلى محاولة إعادة النظر في الحرب الدائرة في اليمن، بعد أن تحولت هذه الحرب إلى قناة واسعة ومؤلمة تنزف منها السعودية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا. ومن أهم الإنتكاسات التي تعرضت لها السياسة الخارجية السعودية فشل الدعوة إلى تشكيل “قوة إسلامية مشتركة”، وفشل الدعوة إلى “التدخل البري في سوريا” إضافة إلى تعرض السعودية لحملات “إدانة عالمية رسمية وشعبية” بسبب الغارات الجوية على اليمن التي أصابت الكثير من المرافق المدنية، وأدت إلى جرح وقتل الآلاف من اليمنيين الأبرياء. وقد جاءت هذه الانتكاسات في وقت غير ملائم تماما من الناحية الاقتصادية، حيث ينزف الاقتصاد السعودي ما يزيد على مليار دولار يوميا بسبب هبوط أسعار النفط.
ولهذه الأسباب فقد بدت السياسة الخارجية السعودية منذ الأيام الأولى في العام الحالي (2016) مشغولة بإقامة ترتيبات تمهد المسرح لإنهاء الحرب في اليمن والبحث بجدية عن مخرج لتحقيق ذلك. وأدركت السعودية بعد ما يقرب من عام على بدء الحرب المعروفة باسم “عاصفة الحزم” إستحالة تحقيق نصر عسكري مطلق يحسم الصراع في اليمن بين الحوثيين المسيطرين على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر 2014 وبين قوات الحكومة الشرعية التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومن هنا جاءت محاولات البحث عن مخرج من خلال إعلان هدنة لأغراض إنسانية يمكن تمديدها، وإجراء اتصالات مع الحوثيين لإطلاق سراح بعض الأسرى، وفي هذا السياق فإن الحكومة السعودية وجهت دعوة لعدد من قيادات جماعة عبد الملك الحوثي أو ما يعرف بتنظيم “أنصار اللـه” في اليمن لاستضافتهم في الرياض بغرض التشاور حول طريق لإنهاء الأزمة في اليمن.
وفي الأسبوع الأول من مارس 2016 أثمرت المفاوضات السرية بين السعوديين والحوثيين مبادرة لوقف القتال على الشريط الحدودي بين السعودية واليمن تم إعلانها في 9 مارس بواسطة قوات التحالف العربي في اليمن حيث رحبت قيادة التحالف بالهدنة على الحدود اليمنية للوصول لحل سياسي. وقد جاءت هذه الهدنة بوساطة قبلية على الحدود السعودية وتضمنت في بدايتها مبادلة ضابط سعودي أسير بسبعة أسرى من جماعة الحوثي، وتم البدء في وقف القتال وإدخال مواد غذائية إلى المناطق اليمنية الحدودية تمهيدا للوصول لحل سياسى وفق قرار مجلس الأمن 2216.
وقد برهنت هذه الوساطة على نجاح المدخل السعودي الجديد في التعامل مع الأزمة اليمنية. وكان من أبرز النتائج التي ترتبت على المفاوضات السرية بين الحوثيين والسعوديين في الرياض الإعلان عن عملية كبيرة لتبادل الأسرى من الجانبين، حيث استعادت السعودية 9 من أسراها في مقابل تحرير 109 من الأسرى الحوثيين. ففي 26 مارس 2016 تم الإعلان عن عملية تبادل الأسرى، على أن تستمر المفاوضات بين الجانبين (الحوثي والسعودي) حول تبادل رفات القتلى والبحث عن المفقودين، وفتح المعبر الحدودي بين صعده والسعودية (منفذ علب) وتثبيت وقف القتال على طول الشريط الحدودي بيين الجانبين، وإمداد المناطق الحوثية بقوافل غذائية من السعودية. ويتم على التوازي مع ذلك دراسة كل ما من شأنه إعداد المسرح السياسي بشكل جيد لتسوية سياسية، تبدأ بإجراءات لبناء الثقة ووقف العمليات القتالية إعتبارا من منتصف ليل 10 إبريل، على أن يتم إعلان مبادرة تسوية شاملة في نهاية المفاوضات التي ستبدأ في الكويت في 18 إبريل، طبقا لدعوة كويتية مستندة إلى المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2216 ومخرجات الحوار الوطني اليمني الذي جرى من قبل برعاية الأمم المتحدة.
ثانيا: تصريحات محمد بن سلمان
وقد عبر عن هذه السياسة السعودية تجاه الأزمة اليمنية الأمير محمد بن سلمان نائب ولي العهد وصانع السياسة الرئيسي في الرياض في حواره مع وكالة بلومبرج الإخبارية، الذي جرى يوم الجمعة الأول من أبريل 2016 وتم نشره على أجزاء متفرقة حتى يوم الأحد 3 أبريل. وفي هذا الحوار قال الأمير محمد بن سلمان “هناك تقدم كبير في المفاوضات، ولدينا اتصالات جيدة مع الحوثيين، وهناك حاليا وفد منهم في الرياض”. وأضاف: ” ندفع في اتجاه تجسد الفرصة على أرض الواقع لإنهاء الصراع, ولكن إذا حدث انتكاس، نحن مستعدون”. وكان الحوثيون قد أعلنوا يوم السبت 20 فبراير أن وفدا يمثلهم سيتوجه إلى الرياض، يضم قياديين من أعضاء اللجنة الإدارية التي تدير المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين بقيادة محمد عبد السلام المتحدث الرسمي الرئيسي باسم الجماعة والمستشار السياسي لزعيمها عبد الملك الحوثي. وكان عبد السلام قد ترأس من قبل وفودا للحوثيين في محادثات أجريت في مسقط مهدت الطريق للمحادثات التي أجريت برعاية الأمم المتحدة في سويسرا العام الماضي. وقد وصل الوفد الحوثي إلى العاصمة السعودية يوم الإثنين بعد أسبوع من المفاوضات السرية التي جرت تمهيدا لمفاوضات ستجري في الرياض بغرض التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن.
بدت السياسة الخارجية السعودية منذ الأيام الأولى في العام الحالي (2016) مشغولة بإقامة ترتيبات تمهد المسرح لإنهاء الحرب في اليمن والبحث بجدية عن مخرج لتحقيق ذلك
ثالثا: إعداد المسرح السياسي في اليمن
وفي هذا السياق جاءت التغييرات التي أعلنها الرئيس اليمني في الرياض لتصب في مصلحة إعداد المسرح الداخلي في اليمن لتسوية سياسية ناجحة في المفاوضات التي ستجري في الكويت مع الحوثيين. وقد جاءت هذه التغييرات التي تم إعلانها مساء يوم الأحد 3 أبريل 2016 على النحو التالي:
1- قرار تعيين الفريق علي محسن الأحمر نائبا لرئيس الجمهورية. وجاء على النحو التالي: “القرار الجمهوري رقم 48 لسنة 2016م بتعيين الفريق الركن علي محسن الأحمر نائباً لرئيس الجمهورية.
رئيس الجمهورية بعد الاطلاع على دستور الجمهورية اليمنية وعلى القانون رقم 19 لسنة 1991م بشأن الخدمة المدنية وعلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي والياتها التنفيذية الموقعتين بتاريخ 23نوفمبر2011 ولما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد .
قرر // يعين الفريق الركن علي محسن صالح الأحمر نائبًا لرئيس الجمهورية، ويعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية .
صدر برئاسة الجمهورية بتاريخ 25 جمادي الاخر 1437هـ الموافق 3 ابريل 2016م.” وكان الرئيس اليمني قد أصدر قرارا جمهوريا في 22 فبرايرر 2016 بتعيين اللواء الركن علي محسن صالح الأحمر نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية. وكان علي محسن الأحمر حتى العام 2014 قائدا للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية وللفرقة الأولى مدرع، حيث يتركز نفوذ جماعة عبد الملك الحوثي، وهو الذي قاد الحملات العسكرية ضد الحوثيين خلال الحروب الست التي امتدت بين عامي 2004 وحتى 2011 (يونيو-سبتمبر 2004) و (مارس- مايو 2005) و (ديسمبر 2005- فبراير 2006) و (فبراير—مايو 2007) و (مارس-يوليو 2008) و (أغسطس 2009- ). وكان الأحمر يعتبر الرجل الثاني في اليمن بعد الرئيس السابق علي عبد اللـه صالح، ويتمتع بنفوذ قوي بين القبائل وداخل القوات المسلحة اليمنية. لكن الخلاف بين الرجلين اشتد في عام 2011 وخاض الأحمر الذي انحازت قواته للثورة معارك كثيرة ضد الحرس الجمهوري التابع للرئيس انتهت بتوقيع المبادرة الخليجية عام 2012 التي قضت بإقالة علي عبد اللـه صالح وتسليم سلطة الرئاسة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي. وبعد ذلك عين الأحمر لاحقا مستشارا للرئيس عبد ربه منصور هادي.
2- قرار إقالة رئيس الحكومة وتعيين الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وجاء على النحو التالي: “قرار رئيس الجمهورية رقم 49 لسنة 2016م بشأن تعيين رئيس للحكومة: رئيس الجمهورية بعد الاطلاع على دستور الجمهورية اليمنية وعلى القانون رقم 19 لسنة 1991م بشأن الخدمة المدنية وعلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلياتها التنفيذية الموقعتين بتاريخ 23 نوفمبر 2011م ، ونتيجة للاخفاق الذي رافق اداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية والامنية وتعثر الاداء الحكومي في تخفيف معاناة ابناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته وخصوصًا دمج المقاومة وعلاج الجرحى ورعاية الشهداء ولعدم توفر الادارة الحكومية الرشيدة للدعم اللا محدود الذي قدمه الأشقاء في التحالف العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية بقيادة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولتحقيق مايصبوا اليه شعبنا من استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار وللمصلحة الوطنية العليا للبلاد.
قرر//
مادة 1 يعين الاخ الدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيسًا لمجلس الوزراء
مادة 2 يستمر أعضاء الحكومة في أداء مهامهم وفقًا لقرار تعيينهم
مادة3 يعمل بهذا القرار من تاريخ صدورة وينشر في الجريدة الرسمية
صدر برئاسة الجمهورية بتاريخ 25 جمادي الآخرة 1437هـ الموافق 3 أبريل 2016م.”
3- قرار تعيين المهندس خالد بحاح مستشارا لرئيس الجمهورية، الذي حمل الرقم (50) لسنة 2016م وقضى بتعيين المهندس خالد محفوظ بحاح مستشارًا لرئيس الجمهورية. وقضت المادة الثانية من القرار العمل به من تأريخ صدوره ونشره في الجريدة الرسمية.
أبرز النتائج التي ترتبت على المفاوضات السرية بين الجانبين الإعلان عن عملية كبيرة لتبادل الأسرى من الجانبين، حيث استعادت السعودية 9 من أسراها في مقابل تحرير 109 من الحوثيين
رابعا: موقف الولايات المتحدة
احتفظت الولايات المتحدة لنفسها بموقف نقدي من الحرب في اليمن وقيام السعودية وحلفائها بشن ما تمت تسميته “عاصفة الحزم” ضد صنعاء في مارس 2015. وقد تعرضت الرياض لانتقادات كثيرة بسبب عدم التشاور مسبقا مع الولايات المتحدة في هذا الخصوص. ومع ذلك فإن واشنطن استمرت في دعم المملكة العربية السعودية بالأسلحة والذخائر والمعلومات والإمدادات اللوجيستية منذ بدء الحرب. وكانت الولايات المتحدة في كل مناسبة ممكنة تنتهز الفرصة للدعوة إلى وقف إطلاق النار في اليمن، والبدء في إجراء مفاوضات بغرض التوصل إلى تسوية سياسية على غرار الحال في سوريا، مع الاستمرار في التركيز على ضرب مجموعات القاعدة وداعش في اليمن. وقد تمت مناقشة موضوع اليمن تفصيلا خلال الإجتماعات التي عقدها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في حفر الباطن شمال شرقي السعودية، والتي ترافقت مع المناورات العسكرية الضخمة التي جرت هناك بمشاركة قوات سعودية وعربية وإسلامية.
وطبقا لبيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية (السبت 12 مارس 2016)
فإن جون كيري ناقش مع المسئولين السعوديين إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن على غرار الترتيبات التي طبقت في سوريا. وقال كيري إنه أثار الأمر مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وإن الجانبين الأمريكي والسعودي اتفقا على العمل معا في الأيام القادمة “لاستكشاف سبل التوصل إلى حل سياسي.” وأضاف كيري “اتفقنا على أنه سيكون من المحبذ أن نرى إن كان بوسعنا إيجاد نهج مشابه مثلما فعلنا في سوريا بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار.” وتابع “لذا فسوف نواصل العمل في هذا الشأن بهدوء ولدينا فريق من الأشخاص الذين سيواصلون العمل سويا من أجل هذا الغرض.”
وفي السياق نفسه قال الجبير: إن السعودية تعتقد أن أي تسوية سياسية تضمن التزام الحوثيين بالتفاهمات المشتركة التي تم التوصل إليها قبل سيطرتهم على صنعاء ستمهد الطريق لإيجاد حل. وأضاف الجبير “أكدنا مجددا لوزير الخارجية الأمريكي تعهداتنا التي عبر عنها زعماء دول مجلس التعاون الخليجي للبدء في عملية إعادة إعمار طويلة المدى، وخطة للتنمية فور انتهاء العمليات القتالية.” وقال “نحن مصممون على حماية الشرعية في اليمن وملتزمون أيضا بعملية سياسية في اليمن.” ومن الواضح هنا أن كلا من الجانبين الأمريكي والسعودي اتفقا على ضرورة إيجاد أرضية مشتركة تسمح لأطراف الأزمة اليمنية بالتفاوض من أجل التوصل إلى حل سياسي، باعتبار أن ذلك هو الطريق الأفضل إلى المستقبل.
الأمير محمد بن سلمان “هناك تقدم كبير في المفاوضات، ولدينا اتصالات جيدة مع الحوثيين، …ندفع في اتجاه تجسد الفرصة على أرض الواقع لإنهاء الصراع, ولكن إذا حدث انتكاس، نحن مستعدون”
خامسًا: موقف الحوثيين
تظهر التطورات في أوساط الحوثيين منذ بداية العام الحالي حتى الآن سرعة تبلور تيار مهم يدعم التسوية السياسية والسلام في اليمن على حساب تيار آخر يعتبر الحرب مهمة مقدسة في إطار الصراع التاريخي ضد السعودية وما تمثله من تطرف تحت نفوذ رجال الدين الوهابيين. وقد دعم هذا التيار المعتدل في أوساط الحوثيين عملية الوساطة القبلية مع السعوديين على طول الشريط الحدودي، وفي المقابل حصل ذلك التيار على دعم مادي ومعنوي من الإنجازات التي تحققت بفضل الوساطة خلال شهري فبراير ومارس حيث تم وقف إطلاق النار مؤقتا، و إبرام صفقة تبادل الأسرى، وفتح المنفذ الحدودي مع السعودية، وإدخال مساعدات إنسانية سعودية إلى القرى والمدن اليمنية الحدودية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والمساعدة على خلق أجواء معتدلة في العلاقات على جانبي الحدود.
والحقيقة أن العلاقات التاريخية في اليمن بين الزيود الشيعة وبين الشوافع السنة قامت على أساس التعايش المشترك والاعتدال السياسي والإعتداد بالروابط والعلاقات والمصالح القبلية فوق الاعتبارات المذهبية. وقد يؤدي نجاح مبادرة الكويت إلى إعادة هذا التعايش السياسي بعيدا عن التطرف المذهبي، وبعيدا عن وضع الاعتبارات المذهبية فوق المصالح القبلية والسياسية.
عبد الملك الحوثي: نأمل في السلام لكن سنواجه أي عدوان
وقد جاءت الذكرى الأولى لانطلاق عمليات “عاصفة الحزم” لكي تفتح نافذة للتعبير عن مواقف مختلفة داخل معسكر الحوثي- صالح. ففي يوم الجمعة 18 مارس 2016 نظم “أنصار اللـه” في صنعاء مسيرة حاشدة، للإحتفال بصمود صنعاء ضد “العدوان” السعودي والحرب التي تشنها قوات التحالف العربي. وفي هذه المناسبة وجه عبد الملك الحوثي كلمة إلى أنصاره قال فيها إنه “يريد النجاح لجهود إنهاء الحرب المستمرة منذ عام لكن جماعته مستعدة لمواجهة أعدائها إذا استمر العنف.” وهي رسالة تكاد تتطابق مع ما تردده السعودية في السياق نفسه، وما صرح به الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، وصاحب فكرة شن الحرب على اليمن.
وقال عبد الملك الحوثي في كلمته التي بثها التليفزيون اليمني “نأمل أن تنجح المساعي لوقف العدوان فهو المصلحة للجميع والمطلب لشعبنا، وإذا لم تنجح تلك المساعي فنحن ثابتون بالتضحية، ومن المهم الانتباه والحذر لمواجهة العدوان فيما إذا استمر.” وفي تلك الكلمة فإنه دعا “أنصار اللـه” للاحتشاد في اليوم التالي في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون لإحياء ذكرى مرور عام على بدء الحملة التي تقودها السعودية على اليمن. وفي مليونية السبت ظهر الرئيس المخلوع علي عبد اللـه صالح وألقى كلمة مليئة بعبارات الهجوم على السعودية، كانت أقرب ما تكون إلى الدعوة لاستمرار القتال والتقليل من شأن جهود محاولة إحلال السلام.
وعلى الرغم من أن رسالة عبد الملك الحوثي إلى “أنصار اللـه” في 18 مارس كانت تميل إلى إنهاء الحرب، فإن بعض القيادات السياسية والعسكرية في طهران تميل على العكس من ذلك إلى تعزيز التيار المتشدد بين الحوثيين وتقديم عروض لدعم هذا التيار. ويبدو أن بعض التصريحات التي صدرت من إيران في هذا الاتجاه دفعت بواحد من قيادات الحوثيين إلى توجيه رسالة إلى طهران بضرورة الكف عن محاولة تأجيج الوضع في اليمن. ففي 9 مارس 2016 أذاعت وكالة رويترز خبرا مفاده أن أحد قيادات جماعة الحوثي يطالب إيران بالبقاء بعيدا عن أزمة اليمن. وقالت الوكالة إن يوسف الفيشي عضو اللجنة الثورية للحوثيين نشر رسالة على صفحته على ” فيسبوك” في اليوم نفسه يطالب فيها المسئولين الإيرانيين بالبقاء بعيدا عن الصراع اليمني. وقال الفيشي في رسالته “كفى مزايدات واستغلال. على المسئولين في الجمهورية الإسلامية في إيران السكوت وترك الاستغلال والمزايدات بملف اليمن.” وهذه كانت المرة الأولى منذ بداية حرب اليمن التي يوجه فيها قياديا حوثيا تصريحا علنيا ضد المسئولين الإيرانيين. وجاءت رسالة الفيشي ذلك بعد يوم واحد من نصريح جنرال إيراني (مسعود جزائري نائب رئيس الأركان الإيراني) لوكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية إن طهران قد ترسل مستشارين عسكريين لمساعدة قوات الحوثيين الذين يقاتلون قوات الحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية.
الجبير: إن السعودية تعتقد أن أي تسوية سياسية تضمن التزام الحوثيين بالتفاهمات المشتركة التي تم التوصل إليها قبل سيطرتهم على صنعاء ستمهد الطريق لإيجاد حل
سادسا: تيار تصدير الثورة الإيراني يعيد حساباته
وربما لاحظ اليمنيون في الشمال وفي الجنوب على السواء أن نتائج انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة في إيران قد تركت أثرها على الأوضاع في اليمن، فقد حلت حالة من التفاؤل الحذر تدريجيا مكان حالة الإستنفار واتسع نطاق الحديث عن “الهدنة” على حساب الحديث عن التصعيد العسكري. إن الهزيمة التي مني بها تيار أنصار تصدير الثورة في إيران ربما جعل أقطاب هذا التيار يعيدون حساباتهم بالنسبة للتورط في الصراع اليمني. إن استمرار تورط إيران في اليمن هو أقصر الطرق لاستنزاف إمكانات إيران العسكرية والاقتصادية، بحيث تتحول اليمن إلى “فيتنام الإيرانيين” ويصبح التورط الإيراني هناك وصمة عار في تاريخ الثورة الإيرانية التي تتباهي بنصرة المستضعفين.
إن اليمن ليست العراق وليست سوريا وليست لبنان، حيث خطوط الإمدادات بين طهران وهذه الدول قصيرة ومفتوحة على عكس الحال بالنسبة لخطوط الإمدادات الإيرانية مع اليمن التي تتسم بطول المسافة وتعقد المسارات البحرية والجوية وانقطاع الاتصال الأرضي. وأظن أن تيار تصدير الثورة في إيران يعيد حساباته بالنسبة للوضع في اليمن خصوصا بعد نتائج الإنتخابات الإيرانية التي أظهرت تراجعا مخجلا لشعبية رموز هذا التيار. وسوف تترك المراجعة أثرها على القوة التفاوضية للحوثيين.
ومن المتوقع أن يشهد الأسبوع الثاني من شهر أبريل وحتى بداية المفاوضات في الكويت (18 أبريل) الكثير من الشد والجذب بين القوى المختلفة في معسكرات أطراف الأزمة اليمنية جميعا وليس في داخل جماعة الحوثي فقط، بل إن ذلك قد يستمر بشكل أو بآخر خلال فترة المفاوضات، التي كلما طالت كلما أطلت عليها المزيد من الخلافات بين الأطراف الساعية إلى وقف الحرب وتلك التي لها مصلحة في تأجيجها.
عبد الملك الحوثي: “نأمل أن تنجح المساعي لوقف العدوان فهو المصلحة للجميع والمطلب لشعبنا، وإذا لم تنجح تلك المساعي فنحن ثابتون بالتضحية، ومن المهم الانتباه والحذر لمواجهة العدوان فيم
سابعًا: مفاوضات صعبة في الكويت
لن تكون مفاوضات الكويت سهلة بكل المقاييس، فالدماء التي سالت والخراب الذي حل نتيجة للقتال وانعدام الثقة بين كثير من الأطراف هي جميعا عوامل من شأنها أن تزيد صعوبة التفاوض. وسوف تبدأ الصعوبات قبل بدء المفاوضات بتحديد من سيكون لهم حق التفاوض. وهنا فإن الأمم المتحدة سوف يتعين عليها أن تجيب عن أسئلة تتعلق بتمثيل الرئيس المخلوع علي عبد اللـه صالح، كما سيتعين عليها أن تجيب عن مطالب الحراك الجنوبي بحق مكوناته في التمثيل على مائدة المفاوضات. ومن الصعب أن تجري المفاوضات في الكويت مع إهمال تمثيل بعض الشخصيات التي برزت خلال فترة المقاومة في الجنوب مثل شلال علي شايع مدير الأمن في عدن إلى جانب محافظ عدن الحالي عيدروس الزبيدي.
وربما تلجأ إيران إلى التفارب مع نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابق خالد بحاح، والعمل على بناء جسور للتقريب بينه وبين علي صالح بغرض إفشال المفاوضات.
وفي حال التغلب على صعوبات التمثيل فإن الأمم المتحدة ستواجه صعوبات تتعلق بموضوعات وشروط “المرحلة الانتقالية” من النواحي السياسية والعسكرية والإقتصادية والإنسانية. ومن المرجح أن تكون مسألة تقاسم السلطة في صنعاء شديدة الصعوبة إلا في حال الإتفاق على تغيير شكل نظام الحكم وتقسيم اليمن إلى أقاليم سياسية شبه مستقلة تجمعها وحدة فيدرالية. وعند هذه النقطة فإن الجنوبيين سوف يطالبون بضمان حقهم في الانفصال أو سيطالبون به منذ البداية على أساس تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب مرة أخرى.
وبسبب المجازر التي وقعت في تعز فإن ضم هذه المدينة (ثاني أكبر المدن اليمنية) إلى أي من الشمال أو الجنوب سيتضمن قدرا هائلا من الصعوبة التي قد تصل إلى حد الاستحالة. وعند هذه النقطة فربما تطرح بعض الأطراف تقسيم اليمن إلى ثلاثة أقاليم وليس خمسة، وأن تتكون هذه الأقاليم الثلاثة من إقليم للشمال وإقليم للوسط وإقليم للجنوب. وعلى ضوء هذه الخريطة المحتملة فسيكون أمامنا: إقليم أزال، ويضم صنعاء- ذمار- الحديدة- صعده عمران- حجة. وتكون السيطرة السياسية فيه للحوثيين. ثم إقليم سبأ، ويضم تعز- إب- مأرب- البيضاء- الجوف (جزء كبير من الحدود المشتركة مع السعودية). وأخيرا إقليم الجنوب، ويضم عدن- لحج- الضالع- أبين- شبوه- حضرموت- المهرة- جزيرة سقطرى.
ومن الصعب التنبؤ بما ستنتهي إليه مفاوضات الكويت. لكن أهم الأهداف هو أن تنتهي المفاوضات بإنهاء الحرب والبدء في وضع ترتيبات إقامة المرحلة الانتقالية بكل محتوياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والعمرانية والإنسانية. هذا سيكون في حد ذاته النجاح الحقيقي لمفاوضات الكويت. ومن الضروري في كل الأحوال توفير عدد من المتطلبات الأولية لضمان استقرار المفاوضات وإبعاد احتمالات فشلها. ومن أهم هذه المتطلبات:
– العمل على استيعاب الحوثيين وتعزيز إعادة تأسيس الدولة على مقومات التعايش التاريخي والتفاعل الديمقراطي على أسس سياسية وليس دينية بين الشوافع السنة والزيود الشيعة اليمنيين.
– عزل علي عبد اللـه صالح وإخراجه من معادلة الحياة السياسية بواسطة فتح الطريق أمام قيادات يمنية شابة بعيدة عن كل من صالح ومن الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح)، وتوسيع نطاق المشاركة القبلية داخل حزب المؤتمر الشعبي العام تحت قيادة سياسية معتدلة بعيدة عن التطرف والاستبداد. ومنح قيادات المقاومة اليمنية في الجنوب وفي تعز دورا مهما في العملية التفاوضية.
– الإصلاح السياسي، ووضع خريطة واضحة لمؤسسات سياسية ديمقراطية في المرحلة الإنتقالية يتم تطويرها فيما بعد.
– إعادة البناء الاقتصادي والعمراني، ووضع برنامج مالي وزمني لإعادة البناء.
– إنجاز ما تم الفشل في تحقيقه خلال الفترة الماضية خصوصا فيما يتعلق بدمج شباب المقاومة اليمنية في تعز والضالع ومأرب وعدن في أجهزة الدولة اليمنية.
– تنمية المناطق الشمالية ووضع خطة بعيدة المدى لاستئصال التطرف المذهبي والعودة إلى روح التسامح بين اليمنيين.
– توحيد أجهزة الدولة، بما في ذلك الأجهزة العسكرية والإعلامية والإدارية.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى ضرورتيين إضافيتين لضمان نجاح المفاوضات بشأن إنهاء الحرب اليمنية. الضرورة الأولى، تتعلق بأهمية توحيد الموقف التفاوضي لكل من السعودية والإمارات وعدم السماح بظهور شروخ بينهما، لأن مثل هذه الشروخ ستنعكس لا محالة على موقف المفاوضين اليمنيين. أما الضرورة الثانية، فإنها تتعلق بأهمية التجاوب مع دعوات إيرانية حكومية للتعاون الإقليمي وتخفيف حدة العداء العربي الإيراني، وفتح جسور للحوار بين قنوات الحكومة الإيرانية وقنوات سياسية ودبلوماسية عربية بعيدة عن التطرف المذهبي. إن قوى التطرف في السعودية وفي إيران لن ترحب أبدا بإنهاء الحرب في اليمن، وسوف تظل هذه القوى على أهبة الاستعداد للعمل على تقويض أي اتفاق جدي لإحلال السلام في المنطقة.
لقد بلغت الحرب في اليمن مرحلة الذروة، واستخدمت كل الأطراف أقصى ما تستطيع توظيفه من إمكانات، ولم يثمر ذلك عن تحقيق تغير جوهري في ميزان القوى الإستراتيجي بين الأطراف المتصارعة. ومع استبعاد حدوث مواجهة مباشرة بين السعودية وإيران في اليمن، فليس أمام الجميع الآن سوى الجلوس إلى مائدة المفاوضات، والعمل بجدية من أجل التوصل إلى حل سياسي مستقر يضمن لليمنيين حقوقهم في السلام والتنمية.
إبراهيم نوار
المركز العربي للبحوث والدراسات