مكافحة الإبادة الجماعية: إعادة تقييم الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية»

مكافحة الإبادة الجماعية: إعادة تقييم الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية»

IraqISISexecutionMassacre-639x405

“في 5 نيسان/أبريل، خاطب ماثيو ليفيت، نعومي كيكولر، وجيمس جيفري منتدى سياسي في معهد واشنطن. وكيكولر هي نائبة مدير “مركز سيمون سكجوت لمنع الإبادة الجماعية” التابع لـ “متحف الولايات المتحدة لإحياء ذكرى المحرقة”. وليفيت هو زميل “فرومر- ويكسلر” ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المعهد. وجيفري هو زميل متميز في زمالة “فيليب سولوندز” في المعهد وسفير الولايات المتحدة السابق في تركيا والعراق، وألبانيا. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.

ماثيو ليفيت

يلتزم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») بأيديولوجيا سلفية جهادية متشددة تغلفها نظرة مروّعة إلى العالم، تحرّض أولئك الذين يعتبرهم التنظيم مؤمنين حقيقيين ضد المرتدين وغير المؤمنين. وفي هذه العقلية التي تقوم على مبدأ “نحن ضدهم”، يشكّل العنف جزءاً أساسياً من الحمض النووي للتنظيم، فلا يجوز فقط قتل الأعداء وغير المؤمنين، بل إن الأمر هو واجب ديني.

ووفقاً لمجلة “دابق” التي تصدر باللغة الإنجليزية، ينفي تنظيم «الدولة الإسلامية» أي فرصة للتعايش السلمي مع الأشخاص الذين يتمتعون بمعتقدات مختلفة عنه، بمن فيهم المسيحيين واليزيديين وغيرهم. وبالتالي، تشمل استراتيجية التنظيم القضاء على ما يسميه “المنطقة الرمادية”، الأمر الذي يُجبر المسلمين على الانضمام إلى الخلافة أو يتم تصنيفهم كمرتدين. ويهدف تنظيم «داعش» إلى إقناع المسلمين بأن الغرب لن يتقبلهم أبداً، وكل عمل ينطوي على عنف يرتكز على هذا الهدف.

وقبل وصولهم إلى سوريا والعراق، يتمتع المجندون المحتملون بمعرفة واسعة عن نزعة تنظيم «الدولة الإسلامية» للعنف. فوفقاً لتقرير للاستخبارات الهولندية، فإن “أي شخص يسافر بغرض الانضمام إلى ما يسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، يعلم أنه يختار الانضمام إلى تنظيم إرهابي يعتبر جميع الغرباء على أنهم ‘كفار’ ويستخدم العنف المفرط بشكل يومي”. وفي حين يدعي تنظيم «داعش» أنه يدافع عن أراضيه، يضيف التقرير أن “مفهومه للـ ‘دفاع’ يشمل الهجوم أو القتل أو الاغتصاب أو استعباد السوريين والعراقيين الذين لا يتفقون مع معتقداته، أو الذين يقاومونه بأي شكل من الأشكال”.

ويعتمد التنظيم هذه الوحشية والعنف الهمجي كوسيلة لغرس الخوف في قلوب السكان وإخضاعهم. أضف إلى ذلك أن العنف الشديد يجذب الانتباه إلى حملة الدعاية التي يبثها تنظيم «الدولة الإسلامية» ويسهّل جهود تجنيد المقاتلين وجمع الأموال. وتندرج الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وأعمال الإبادة الجماعية ضمن رؤية التنظيم الشاملة والمروّعة للعالم. على سبيل المثال، يحتفل تنظيم «داعش» بالعبودية على أنها “من علامات يوم القيامة”.

وحيث يُعرف أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يستخدم العنف الشديد بصورة متعمدة، ونظراً إلى أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية حماية المدنيين، لا بد من إعطاء أولوية أكبر للاعتبارات الإنسانية من تلك التي مُنحت لها حتى الآن. إذ يجب على الفور إرسال فرق جمع الأدلة إلى الأراضي المحررة من أجل توثيق الفظائع المرتكبة. كما يجب على فرق الحماية المدنية متابعة عمل الجيش لتلبية احتياجات الأفراد الذين رزحوا تحت نير حكم تنظيم «داعش». من جهة ثانية، على المخططين العسكريين دمج عملية حماية المدنيين ضمن استراتيجيتهم لهزيمة التنظيم. وفيما يقوم التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بتمهيد الطريق لجهود استعادة السيطرة على الموصل، فالآن هو الوقت المناسب لاستخدام الاستراتيجيات العسكرية وغير العسكرية التي يمكن أن تساعد على فرض الاستقرار في المناطق المحررة حديثاً.

نعومي كيكولر

توضح المقابلات التي أجراها “متحف الولايات المتحدة لإحياء ذكرى المحرقة” أن الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت ضد الأقليات السكانية في العراق، وأن “«الدولة الإسلامية»” تنظيم إرهابي يقوم بعمليات إبادة جماعية أيضاً. فهو يرتكب الجرائم الوحشية لغرض استراتيجي يقوم على فرض سيطرته أو طرد السكان أو إبادتهم. من هنا، تحتاج أي استراتيجية لمكافحة التنظيم إلى معالجة هذا الاستهداف الاستراتيجي للمدنيين.

إلى جانب ذلك، تُظهر المقابلات التي تُجرى مع الناجين أن مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في العراق متنوعين، ويشملون أفراد تنظيم «داعش» والمقاتلين المحليين والأجانب، فضلاً عن الجيران المتواطئين أو الانتهازيين. وبالتالي، فإن وضع استراتيجيات لمنع ارتكاب المزيد من الفظائع يتطلب تشريح الديناميكيات المعقدة والمتنوعة التي تمكّن مرتكبيها وتحفزهم. على سبيل المثال، تم تأخير مجزرة وشيكة في الموصل لعدة أيام بسبب العلاقات الرئيسية بين قادة المجتمع ومسؤولي حزب “البعث” السابقين.

وبناءً على ذلك، يُعتبر جمع المعلومات الاستخبارية ومشاركتها أمراً بالغ الأهمية لمكافحة التنظيم وتحديد نقاط الضعف في المجتمعات المحلية. ينبغي مشاركة المعلومات مع مختلف الجهات المعنية للمساعدة في تحديد نقاط الضعف وتطوير استراتيجيات لحماية الفئات الضعيفة من السكان.

ويُعتبر توثيق الفظائع المرتكبة أمراً حيوياً أيضاً، وينبغي استخدام صور الأقمار الصناعية لتسجيل المقابر الجماعية في الوقت المناسب. وحتى الآن، لم تُبذل جهود واسعة في هذا الصدد، كما أن هجرة الناجين تعقّد التحقيقات. وستكون الجهود الدولية لجمع الأدلة والحفاظ عليها من أجل المحاكمات المستقبلية والعمليات الانتقالية مؤشراً للأقليات بأن مخاوفهم تؤخذ على محمل الجد.

وفيما يتعلق بالمحاكمة، فإن الإحالة إلى “المحكمة الجنائية الدولية” للجرائم المتعلقة بالنزاعات المختلفة حفزت أحياناً قيام احتجاجات من الصين وروسيا، وحتى الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك، فإن العراق ليس طرفاً في “نظام روما الأساسي”، وهي المعاهدة التي أُنشأت المحكمة. بيد أن تنظيم «الدولة الإسلامية» ليس دولة ولا يرغب أحد في حمايته. كما أن هناك مجال للمحاكمات المحلية في العراق وفي منطقة «حكومة إقليم كردستان»، وربما لمحاكمات حالات الإبادة الجماعية في الولايات المتحدة وألمانيا وغيرها من الدول التي جاء منها المقاتلون الأجانب.

وحتى الآن، فشلت الحكومة العراقية والمجتمع الدولي في منع الجرائم التي يرتكبها تنظيم «داعش». إذ لم يتم إدراج حماية الأقليات ضمن الأولويات على الرغم من المخاطر الموثقة بوضوح على مدى السنوات العشر الماضية. ففي نينوى على سبيل المثال، يمكن للمرء العثور على سجل طويل من تزايد الهجمات ضد الأقليات، وتزايد التطرف، وتوسع وجود تنظيم «الدولة الإسلامية». بيد، لم يقم أياً من «حكومة إقليم كردستان» أو الحكومة في بغداد أوالمجتمع الدولي بوضع استراتيجية حماية استجابة لهذه العلامات التحذيرية.

وبالتالي، فإن حماية الأقليات والمدنيين تشكل جزءاً لا يتجزأ من مصداقية أي استراتيجية لمكافحة تنظيم «داعش» وفعاليته. وفي غياب ذلك، سيؤدي استمرار الفظائع إلى وجود عراق من دون أقليات في المستقبل. إن اعتراف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالإبادة الجماعية أمر هام ويتطلب اتخاذ الإجراءات المناسبة، من بينها التحضيرات لإرساء الاستقرار في المناطق المحررة من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي الواقع، يجب أن يكون منع الأعمال الوحشية من مكونات أي محادثة تتمحور حول الأمن القومي. ويتطلب ذلك الابتكار والقيادة، ولا يتطلب بالضرورة موارد جديدة.

وأخيراً، من المحتمل أن يؤدي تحرير الموصل إلى تشريد حوالي 600 ألف شخص من منازلهم، كما سيكونون بحاجة إلى الحماية الجسدية. ومن المرجح أن يتم استخدام العديد من النساء والأطفال المحتجزين لدى تنظيم «داعش» حالياً كدروع بشرية خلال جهود التحرير. كما يبرز خطر كبير يتجلى في عمليات القتل الانتقامية بعد إنهاء العمليات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك ستحتاج المجتمعات التي تسعى إلى العودة إلى منازلها إلى الحماية، ويفضَّل من قِبل القوات الدولية، رغم توفر سبل لإدراج بغداد و«حكومة إقليم كردستان» في هذه العملية. وبالتالي، ستتطلب أي قوى محلية تدريباً على الالتزام السليم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

جيمس جيفري

هناك ازدواجية بين التدخلات الإنسانية الهادفة إلى حماية السكان المعرضين للخطر وبين التدخلات الواقعية السياسية. وحتى التدخلات الجيوسياسية البحتة، مثل تحرير الكويت، تشمل دائماً سكاناً معرضين للخطر، في حين أن التدخلات الإنسانية مثل عملية ليبيا تكون ذات أبعاد جيوسياسية مختلفة.

ويتمتع الغرب بموارد استثنائية، ولكنه يغرق في كثير من الأحيان في الجدل حول التدخلات لأن العديد من الأمثلة الماضية لم تكن ناجحة، مثل بيروت في عام 1983 والصومال في أوائل التسعينيات وأفغانستان وليبيا في الآونة الأخيرة. فعند انتهاء العمليات الأولية، غالباً ما تكون الولايات المتحدة وشركاؤها عرضة لخطر فقدان الدعم والتضامن بسبب المخاوف من الغرق في مستنقع الوضع المتردي وتوسع حجم المهمة والإصابات. بيد، هناك أمثلة عن تدخلات ناجحة. فقد حققت العمليات في البوسنة وكوسوفو أهدافها. وفي العراق، منع عدد قليل من الجنود على طول “الخط الأخضر” دون نشوب القتال بين القوات الكردية والقوات العراقية، في حين أن عوامل أخرى سمحت للولايات المتحدة تمكين بعض السكان المحليين قتال أسلاف تنظيم «الدولة الإسلامية».

وبشكل عام، إن الدعم الدولي المعزز يزيد من شرعية التدخل ومن احتمالات نجاحه. كما أن احتكار القوة أمراً بالغ الأهمية، إلا أن جهود حماية السكان لابد أن تكون متكاملة مع غيرها من الجهود، ومن الضروري أيضاً تمكين السكان المحليين.

إن أخذ المرحلة النهائية بعين الاعتبار أمر بالغ الأهمية، ولكن لا بد من أن تكون الأهداف مختلفة عن الجهود والعملية. فكلما كان الخاسرون في صراع معين  قادرين ومستعدين للرد بالعنف، كلما كان بإمكانهم إعادة إطلاق دورة إراقة الدماء التي دفعت إلى التدخل في المقام الأول. فقد تدخلت الولايات المتحدة في الصومال وبيروت، لأغراض إنسانية ولكن أنشأت مرحلة نهائية جيوسياسية خلقت أعداء جدد. وفي خضمّ الجهود التي بذلها “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”) في البوسنة في عام 1994، كان السفير الأمريكي ريتشارد هولبروك متردداً في إعطاء الأولوية للمحاسبة على جرائم الحرب فوق الاعتبارات الأخرى، معتبراً أن أولئك الذين ستُطلب محاكمتهم سينظرون إلى الأمر على أنه يشكل تحدياً سياسياً ويردوا على ذلك بعداء صريح. إن المحاسبة على جرائم الحرب ضرورية، ولكن يجب فصلها عن المرحلة الأولى من إنشاء احتكار القوة وحماية المدنيين وإتباعها بهما.

وفي العراق وسوريا، تظهر العديد من الصراعات المنفصلة التي تستهدف المدنيين حالياً. فبالإضافة إلى الفظائع التي يرتكبها تنظيم «داعش»، يواجه العديد من المدنيين تهديداً أكبر من النظام السوري ومؤيديه. وفي العراق، إن الصراعات الأهلية التي تفاقمت بسبب وجود الميليشيات الشيعية في المناطق السنية، مستمرة في مجموعات باقية صغيرة ولكن هامة، وكذلك الأمر بالنسبة للصراعات بين الأكراد والعرب.

أمام هذا الواقع، يواجه المدنيون في الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات الاضطهاد. وهناك أسباب أخرى لاستهداف التنظيم، ولكن تحرير الملايين الخاضعين لسيطرته هدف نبيل في حد ذاته. ومع ذلك، حالما يتم تحرير هذه المناطق، سيبقى تنظيم «داعش» قادراً على التسلل والهجوم واستعادة الأراضي، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى احتكار القوة. وبينما يُنظر عادة إلى القوات الأمريكية على أنها قوة موضوعية موازنة في حالات ما بعد الأزمات، فإن الحفاظ على الوجود الأمريكي على المدى الطويل في ظل غياب القوى المحلية غالباً ما يولّد عداءً جيوسياسياً.

إن عملية التخطيط للمرحلة التي تلي تحرير الأراضي من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية» تشكل دائماً تحدياً كبيراً، لذلك يتوجب على البيت الأبيض تحديد صاحب الصلاجية والاختصاص للقيام بهذه الجهود. فالقوات المسلحة تستخدم عقيدة إرساء الاستقرار كجزء من الجهود العسكرية، لكنها لم تتلقَ أوامر واضحة في هذا الصدد في العراق. بالإضافة إلى ذلك، تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً هاماً في جهود الإغاثة.

باتريك سميث

معهد واشنطن