“أنتم مثيرون للشفقة، أُناسٌ معزولون! أنتم مفلسون. دوركم انتهى. اذهبوا إلى حيث تنتمون منذ الآن فصاعداً -إلى مزبلة التاريخ!”. هكذا قال ليون تروتسكي في العام 1917 مودعاً المناشفة؛ الفصيل غير البلشفي في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، ليُسلمهم إلى النبذ السرمدي -ذلك القدر الذي لم يتعافوا منه أبداً. وقبل خمس سنوات فقط، بدا سقوط تنظيم القاعدة وشيكاً بطريقة مماثلة. فقد مات مؤسس المنظمة؛ وتم القضاء على خلافة مساعديه الرئيسيين؛ وشرعت المنطقة في اختبار تحولات بفعل الربيع العربي، وبدا أن الاحتجاجات المدنية حققت ما فشل الإرهاب بوضوح في تحقيقه -وكان “القاعدة” أكبر الخاسرين. وكما قال جون برنان، الذي كان في ذلك الحين نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب ومساعداً للرئيس الأميركي، أمام جمهور في مؤسسة فكرية في العاصمة، في نيسان (أبريل) 2012: “للمرة الأولى منذ بدأ القتال، نستطيع الآن أن ننظر قدماً، وأن نستشرف عالماً لم يعد فيه جوهر تنظيم القاعدة ذا صلة”. وقبل أقل من شهر لاحقاً، في الذكرى السنوي الأولى لمقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما بفخر أن “الهدف الذي وضعته -هزيمة القاعدة وحرمانها من فرصة إعادة بناء نفسها- أصبح الآن في متناول أيدينا”.
لكم يبدو كل هذا مختلفاً تماماً الآن! في شباط (فبراير)، رسم مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، صورة متفردة في قتامتها لـ”قاعدة” منبعثة مجدداً إلى جانب “دولة إسلامية” توسعية وطموحة، في سياق تقييمه السنوي للتهديدات العالمية. وقال كلابر للجنة الأجهزة المسلحة في مجلس الشيوخ إن منظمة القاعدة وفروعها “أثبتت مرونتها، وهي في موقف يمكنها من تحقيق مكاسب في العام 2016… سوف يستمرون في تشكيل تهديد على المصالح المحلية، والإقليمية، بل وربما العالمية…”. لكن الأكثر إثارة للقلق، مع ذلك، كان صعود فرع أكثر تطرفاً من المنظمة الأم نفسها. إن “داعش”، كما شرح كلابر، “أصبح التهديد الإرهابي الأبرز بسبب خلافته الموصوفة ذاتياً في سورية والعراق، وفروعها القائمة وفروعها الناشئة في البلدان الأخرى، وقدرتها المتزايدة على توجيه وإلهام الهجمات ضد مجموعة من الأهداف في كل أنحاء العالم”.
إذا كان الأسبوع فترة طويلة في السياسة، فإن فترة خمس سنوات هي أبدية كاملة. ومن السهل في فترة كهذه نسيان حقيقة أنه لم يكن هناك، حتى وقت قريب، “دولة إسلامية” يحكمها “داعش”؛ ولم تكن خلافة أبو بكر البغدادي المفترضة أكثر من فكرة خيالية منغمسة في الذاتية. وفي حقيقة الأمر، بدت حدود سايكس بيكو غير قابلة للانمحاء، وكان كل من أوباما ونائبه وبايدن يهللان لجلب الاستقرار والديمقراطية إلى العراق، والانسحاب المصاحب للقوات العسكرية الأميركية كدليل على أن “حرب أميركا في العراق” قد “انتهت”.
بالنظر إلى هذه السلسلة من التطورات المذهلة التي حدثت في مثل هذه الفترة القصيرة جداً من الوقت، فإن من المرجح أن المزيد من المفاجآت سوف تتلو. وفي الحقيقة، بحلول العام 2021، ربما يعود تنظيما “القاعدة” و”داعش” إلى التوحد -أو أنهما يكونان قد دخلا في نوع ما من التحالف أو التعاون التكتيكي. ومع أنه لا يبدو وارداً تماماً في المدى القريب، فإن مثل هذا التقارب سوف ينطوي على الكثير من المنطق لكلتا المجموعتين، وسوف يؤدي بلا شك، وفق محلل استخبارات أميركي مطلع بشكل مخصوص، كنت قد سألته عن مثل هذا الاحتمال، إلى نجوم تهديد “سيكون كارثة مطلقة ولم يسبق لها مثيل بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة وحلفائنا”.
تنبؤات بائسة
تعاني الولايات المتحدة من فقدان ذاكرة جماعي عندما يتعلق الأمر بالإرهاب ومكافحته. فبعد كل شيء، كان في وقت قريب فقط حين كانت الفكرة السائدة في مركز صنع القرار الأميركي هي أن الانقسام الدموي بين تنظيمي القاعدة و”داعش” سوف يستنفد، ويحيد، ويدمر كلتا المجموعتين في نهاية المطاف. وكانت الفكرة السائدة عن القاعدة بالكاد صحيحة على أي حال، ولذلك ليس من المفاجئ أن يبرهن هذا التوقع بالتحديد كونه مجرد ركون إلى منطقة الأمنيات. وهو سبب كاف لاستكشاف السبب في أن اندماجاً بين القاعدة-داعش ليس بعيد المنال كما يعتقد البعض من باب التمني أيضاً.
ثمة أربع حجج على الأقل، والتي تجعل من هذا السيناريو معقولاً وقابلاً للتحقق. أولاً، إن التشابهات الأيديولوجية بين “داعش” و”القاعدة” هي أكثر أهمية من الفروقات. فكلتا المجموعتين تعتنقان بشكل أساسي المبدأ الذي صاغه أول الأمر العضو المؤسس للقاعدة، عبد الله عزام، قبل ثلاثة عقود: إنه لزام على كل مسلم في كل مكان أن يأتي للدفاع عن إخواته حيثما يكونون مهددين وتحت الخطر. وفي اعتقاد عزام -كما في ذهن بن لادن وزعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري، وزعيم “داعش” البغدادي- فإن ثمة حرباً عدوانية شرسة يشنها أعداء الإسلام عليه. ويُفهم هؤلاء الأعداء على نطاق واسع بأنهم الكفار والملحدون والمشركون، بمن فيهم منظومة الدولة الغربية الديمقراطية الليبرالية، والمرتدُّون المحليون الفاسدون والقمعيون المدعومون من الغرب، والشيعة وغيرهم الأقليات المسلمة. وفي هذا الصراع الحتمي بين الحضارات، يتعين على جميع المسلمين أن يتداعوا للدفاع عن المجتمع المسلم في جميع أنحاء العالم. وبذلك تكون الحاجة إلى الجهاد العالمي من أجل هزيمة أعداء الإسلام المفترضين جزءا لا يتجزأ من أيديولوجية “القاعدة” و”داعش” معاً ومنظومتهما العقلية.
وبالإضافة إلى ذلك، تتقاسم كلتا الحركتين النظر إلى نظام الدولة الغربي على أنه عدو لتطبيق الشريعة الإسلامية. ويندد “داعش” على سبيل المثال، وباستمرار، بالديمقراطية باعتبارها تلك “المنهجية الشريرة”. وفي هذا الصدد، تعكس المجموعة نظرة تنظيم القاعدة القائمة منذ وقت طويل لهذا النظام للحكم. ومثل القاعدة، يشجب “داعش” سيطرة الغرب على أثمن الموارد الطبيعة للمسلمين -حقول النفط والغاز الطبيعي- ودوره في خلق النظام القائم ودعم الأنظمة المحلية المرتدة الفاسدة الخانعة التي تسهل استمرار هذا الاستغلال وهذه المصادرة.
مثل القاعدة في السنوات الخوالي، يقوم “داعش” أيضاً بدعوة التدخلات الغربية العسكرية إلى الأراضي الإسلامية، وهو ما يعتقد التنظيم أنه سوف يضعف جيوش الأنظمة المحلية واقتصاداتها. وقد أعلن “داعش” في العام 2014: “إذا قاتلتمونا، فإننا نصبح أقوى وأقسى. وإذا تركتمونا، فإننا سوف ننمو ونتوسع”.
ثانياً، الفروقات الموجودة فعلاً بين “داعش” و”القاعدة” تتجذر في تصادم “الأنا” ونغمة الغطرسة أكثر مما تتصل بالمضمون. وفي الوقت الحالي، يتمثل العائق الأبرز أمام المصالحة بين التنظيمين في المنافسة والعداوات الشخصية القوية بين البغدادي والظواهري. من الواضح تماماً أنهما يكرهان بعضهما بعضا تماماً. ومع ذلك، يبدو نزاعهما مرتكزاً في معظمه على التوقيت والإجراءات. وباختصار، ما يزال الظواهري يجادل بأنه يجب القضاء على العدو البعيد وتطهير الأراضي الإسلامية تماماً من الغربيين وتأثيراتهم المحلية الأخرى الفاسدة قبل أن تمكن إقامة الخلافة. لكن البغدادي، كما كشفت أحداث حزيران (يونيو) 2014، لم ير سبباً للانتظار، واختار بدلاً من ذلك جانب الهجوم عن طريق مهاجمة الأعداء القريبين في كل من سورية والعراق وإعلان نفسه خليفة.
كما تختلف أساليب الرجلين أيضاً. فقد أنشأ البغدادي عقيدة عبادة شخصية حول نفسه، والتي تتكاثر وتُثري بالموت وتقطيع الأوصال؛ وهو أكثر تذكيراً ببول بوت، قائد الخميري الحمر، أو فيلوبيلاي بارباكاران من نمور التاميل، مما يذكر بعبد الله عزام أو بن لادن أو الظواهري. وتساعد في تسويق جنون عظمة البغدادي ادعاءاته بوجود نسب عائلي يصله بالنبي محمد. وتجعل مكانته بهذه الصفة من الأصعب التعرف إلى خليفة موثوق له. ولذلك، يمكن أن يفضي القضاء على البغدادي إلى إلقاء “داعش” في فوضى كاملة، وأن يمنح القاعدة فرصة مثالية لإحداث توحيد تطوعي أو قسري للمنظمتين. وفي هذا الشأن، يمكن أن يمهد موت أي من البغدادي والظواهري الطريق أمام حدوث تقارب، سواء كان يتضمن توحيداً بالتراضي أو باستحواذ عدواني لإحدى المجموعتين على الأخرى. ومع ذلك، تقترح محاولة الانقلاب ضد البغدادي في كانون الأول (ديسمبر) 2014، والتي قام بها أعضاء مؤيدون للقاعدة، أن السيناريو الأكثر احتمالاً قد يكون امتصاص القاعدة لـ”داعش” بدلاً من العكس. لكن النتيجة ستكون -بغض النظر عن الطريقة- وجود قوة إرهابية موحَّدة وبأبعاد مرعبة.
الأطروحة الثالثة التي تدعم احتمال حدوث اندماج بين القاعدة و”داعش”، هي أن المجموعتين تتبنيان الاستراتيجية نفسها -ولو أنها واحدة يطبقها “داعش” بقدر أكبر من الإخلاص والشراسة. وفي الحقيقة، ربما يمكن القول إن التزام البغدادي بكتاب قواعد عمل القاعدة، هو الذي كان وراء اندفاعته في حزيران (يونيو) 2014 إلى إعلان انبعاث الخلافة، وتأسيس “الدولة الإسلامية”.
كان الرجل الذي وضع هذه الاستراتيجية هو قائد عمليات تنظيم القاعدة، سيف العدل، في العام 2005. ويقف “داعش” الآن عند الخطوة الخامسة من مسار الاستراتيجية المكون من سبع مراحل. وكانت الخطوة الأولى هي “الإفاقة” (2000-2003)، والتي تزامنت مع هجمات 11/9، ووصفت بأنها “إعادة إيقاظ الأمة عن طريق توجيه ضربة قوية إلى رأس الأفعى في الولايات المتحدة”. وأعقبت ذلك مرحلة “فتح العيون” (2003-2006)، التي تكشفت بعد الغزو الأميركي للعراق، والتي يُزعم أنها قصدت إلى إشغال الولايات المتحدة المستمر واستنزاف الغرب في سلسلة من المغامرات المطوَّلة في الخارج. وتضمن مرحلة “النهوض والوقوف على القدمين” (2007-2010) توسع تنظيم القاعدة الاستباقي إلى مسارح جديدة للعمليات، وهو ما فعله التنظيم في غرب أفريقيا وبلاد الشام.
أما المرحلة الرابعة “الشفاء” (2010-2013)، فكان القصد منها في الأساس هو السماح لتظيم القاعدة بتقوية مكتسباته السابقة والتقاط الأنفاس. وفي ضوء موت بن لادن والفرص الجديدة للإطاحة بالأنظمة المرتدة التي عرضها “الربيع العربي”، انتهى المطاف بهذه المرحلة إلى التعديل القسري. فعندما فقد التنظيم توازنه بعد أن فاجأته الانتفاضات التي اجتاحت شمال أفريقيا والشرق الأوسط، سارع “القاعدة” إلى الاستفادة من الفوضى السياسية وفراغ السلطة لإعادة تأسيس حضوره، واستغلال الاضطرابات الداخلية في دول المنطقة كفرص جديدة لإعادة التخندُق والتوسع. وقد ساعده في هذا المسعى تحرير آلاف السجناء الجهاديين وأشخاص كانوا يحتلون في السابق مراكز قيادية رئيسية في التنظيم. وسوف تعقب المرحلة الرابعة في استراتيجية العدل، مرحلة “إعلان الخلافة” (2013-2016) عندما تحقق “القاعدة” هدفها النهائي المتمثل في تأسيس حكم إسلامي عابر للحدود أو فوق وطني على مناطق واسعة من أراضي العالم المسلم. ومن الواضح أن “داعش” سرق خطوة زيادة على “القاعدة” في هذا المضمار. وكان المفروض أن تحصل الخطوة السادسة، مرحلة “المواجهة الشاملة” (2016-2020) بعد أن تكون الخلافة قد أقيمت وحيث يمكن أن يخوض جيش إسلامي المعركة النهائية “التي تقوم بين المؤمنين والكافرين”. ثم تأتي “دولة النصر المؤزر” أخيراً (2020-2022) عندما تتنصر الخلافة في نهاية المطاف على بقية العالم.
من المقلق رؤية أن الحركة، من وجهة نظر “داعش”، تسير تماماً وفق البرنامج الزمني. ومن المخيف بالمقدار نفسه حقيقة أن العناصر المروعة للمرحلة السابعة والأخيرة من المخطط تبدو حاضرة بوضوح في أيديولوجية “داعش” واستراتيجيته. ويترتب على رؤية التنظيم وقوع الصدام النهائي بين الإسلام والكفار، والمتنبأ بوقوعه في دابق السورية -وهو الاسم الذي اختارته المجموعة لمجلتها على الإنترنت. وبعبارات أخرى، لن تكون أهداف “داعش” محلية بشكل حصري أبداً، وإنما هي -مثل أهداف القاعدة- عالمية الطموح.
السبب الرابع الذي ربما يجعل منظمتي “القاعدة” و”داعش” تندمجان مؤخراً هو أن الجهود المبذولة لإعادة توحيد المجموعتين كانت سمة ملازمة لسلوك وخطاب كلا الجانبين. ويصور “داعش” نفسه على أنه أكثر التجسيدات إخلاصاً والوكيل الأكثر فعالية لرؤية بن لادن، ويؤكد أن القاعدة، تحت قيادة الظواهري، قد انحرفت عن مهمتها التاريخية وعن الطموحات الكبرى التي كانت ذات مرة على وشك التحقق. وفي هذا الصدد، من غير المفاجئ أن تكون دعاية “داعش” توقيرية لبن لادن إلى حد كبير ومنطوية على احترام كبير للقاعدة (ولو ليس للظواهري)، حيث تشير إلى جنودها، وأمرائها وشيوخها بطريقة إيجابية وتستمر في تمجيد منجزات بن لادن.
ومن جانبه، كان الظواهري بالغ الحذر في تصريحاته العلنية إزاء احتمال المصالحة. وفي تصريح له في أيلول (سبتمبر)، على سبيل المثال، عرَض التأكيد الآتي:
“وهنا أؤكد بوضوح وبما لا لبس فيه أنه إذا كان هناك قتال بين الصليبيين والصفويين والعلمانيين وبين مجموعة من المسلمين والمجاهدين، بمن فيهم مجموعة أبو بكر البغدادي والذين معهم، فإن خيارنا الوحيد عندئذٍ هو الوقوف مع المجاهدين المسلمين، حتى لو كانوا غير عادلين معنا وأنهم قرّعونا وكسروا العهود وسرقوا من الأمة والمجاهدين حقهم في التشاور واختيار خليفتهم، وتهربوا من الاحتكام إلى الشريعة في نزاعاتهم”.
هذه المبادرات ليست خطابية حصراً، كما توضح المحاولات السابقة الجادة لتحقيق بعض التسوية المؤقتة بين المجموعتين. وفي ثلاث مناسبات على الأقل في النصف الثاني من العام 2014، كادت النجوم تلتقي تقريباً: في أيلول (سبتمبر)، بعد وقت قصير من بدء ضربات الولايات المتحدة والتحالف الجوية بشكل جدي؛ وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد أن أصيب البغدادي في حملة قصف أميركية؛ وفي كانون الأول (ديسمبر)، في أعقاب محاولة الانقلاب في الرقة.
على مدى عقد ونصف تقريباً، تحدى تنظيم القاعدة والشبكة السلفية الإرهابية التي ولَّدها كل الجهود الغربية لجلب الصراع إلى أي نهاية ذات معنى. وقد شكل طول عمر هذه الجهود تاريخاً من الأخطاء الأميركية وإساءة لقراءة التهديد بقدر ما أظهر قدرة الخصوم الهائلة على التغير، والتكيف والتجدد. ويواجه الغرب الآن عدواً تجاوز التكتيكات الإرهابية إلى امتلاك قدرات عسكرية تقليدية موثوقة، وهو ما يدل على أن التحدي الإرهابي أصبح فقط أكثر تلوناً، وانتشاراً، وتوزعاً، وتطوراً، وبكل بساطة: أكثر صعوبة على الهزيمة إلى حد استثنائي.
دامت المزاعم المستمرة في السنوات الخمس الماضية بأن تنظيم القاعدة يقف على شفا التعرض لهزيمة استراتيجية لفترة أطول من الوقت الذي استغرقته الولايات المتحدة لهزيمة ألمانيا النازية واليابان الإمبراطورية. ومن الصعب تصور كوكبة متجمعة من التهديدات الإرهابية أسوأ من التي يشكلها “داعش” و”القاعدة” إلى جانب المنظمات التابعة والزميلة وصاحبة الامتياز والولايات الموزعة في كثير من الأماكن. وستكون لأي نوع من تنسيق العمليات الإرهابية، ناهيك عن تآلف أكثر رسمية بين هذه المجموعات، تداعيات وخيمة وبعيدة المدى على الأمن العالمي.
ليس هذا السيناريو أصعب على التحقق مما كانت عليه في العام 2014 إمكانية تمكن حركة سلفية من ممارسة السيادة على أجزاء من العراق، وليبيا وسورية، مع وجود بؤر أمامية في شمال وشرق وغرب أفريقيا، وسيناء وأفغانستان. كما أن تحقق هذا السيناريو يبدو منطقياً بالنظر إلى حقيقة تمكن هذه الحركة من الصمود في وجه هجوم منسق يقوده أكثر الجيوش تطوراً من الناحية التقنية والعقائدية في التاريخ. كما أن حقيقة تحطم كل توقعات الانتصار على صخرة المآسي الجديدة، مثل أحداث تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 في باريس، وهجمات آذار (مارس) 2016 في بروكسل، هي سبب كاف لأخذ إمكانية تحقق تحالف قادم بين تنظيمي “داعش” و”القاعدة” على محمل الجد.
ترجمة:علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد