التنسيق الأمني، بين الرغبة في وقفه والحاجة إلى مواصلته

التنسيق الأمني، بين الرغبة في وقفه والحاجة إلى مواصلته

AbbasPalestinianCabinetRTX122IV-639x405

نظراً لانسداد الأفق السياسي للعملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي انتهت قبل عامين تقريباً – بغض النظر عن المفاوضات السريّة – ولعدم تجاوب إسرائيل لأي من استحقاقات السلام، وعدم كفّها لممارساتها الاحتلالية ضد الفلسطينيين سواء الاستيطانيّة منها أم الممارسات التضييقيّة الأخرى، اضطرّت السلطة الفلسطينية إلى إبلاغها عن استعدادها لإعادة النظر في علاقاتها معها وبالعملية السياسية ككل، وحذّرتها في الوقت نفسه، بعدم التزامها بأي بنود اتفاقات سابقة، ما لم تتعهد إسرائيل باحترام تلك الاتفاقات، وتنفيذ كافّة استحقاقات السلام المترتبة عليها.

وفي خطوة متقدمة، كلّفت السلطة الفلسطينية أجهزتها الأمنيّة، مهمّة البتّ فيما إذا كانت قد وصلت الأمور إلى المرحلة التي تستوجب التخلّي عن المساهمة في التنسيق الأمني – الذي لا يزال قائماً بين الجانبين – وذلك استناداً لقرار “المجلس المركزي” لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي صدر قبل عامٍ واحدٍ، والذي يهدف إلى تحسين سياسة السلطة الفلسطينية تجاه الفلسطينيين، ووضع المزيد من الضغوط على إسرائيل كي تقوم بتعديل سياستها باتجاه حل الصراع.

ومن المؤكد أن السلطة الفلسطينية قد توصلت إلى نتيجة بأنه ليست هناك فائدة من المفاوضات مع إسرائيل، حتى لو جاءت حكومة يسارية إلى الحكم في إسرائيل، وفي ضوء تقارب اليسار إلى اليمين أكثر من أي وقتٍ مضى. وبالتالي تؤمن السلطة الفلسطينية بضرورة وقف التنسيق، برغم عِلمها بأن إقدامها على إنهائه ليس سهلاً بسبب تجذرها في أعماقه وإدمانها عليه. بالإضافة إلى ذلك، فمثل هذه الخطوة ستجعل التفكير بشأن التحوّل إلى دولة أكثر صعوبة.

وعلى الرغم من الإجراءات الإسرائيلية المحتملة، يبدو أن السلطة الفلسطينية عازمة على تنفيذ قرارها بإنهاء التنسيق الأمني. ويستند ذلك على العديد من الخيارات الاستراتيجية المهمة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية لتحسين إدارة حل الصراع مع إسرائيل، وأهمّها: الاتجاه نحو بناء مُقاومة شعبيّة على الأرض، وتكثيف الأنشطة الرامية إلى تدويل الصراع، وتمهيد الطريق لعقد مؤتمر دولي للخروج من المأزق، وفقاً للاقتراح الفرنسي.  وتعتبر السلطة الفلسطينية جميع هذه الخيارات قابلة للتطبيق ومن شأنها أن تؤدي إلى التوصل إلى حلول.

وتختلف وجهات النظر الإسرائيلية بشكل صارخ. فانعدام التنسيق الأمني، يعني بالنسبة لإسرائيل انعدام العملية السياسية. وكانت إسرائيل قد توقعت منذ فترة طويلة نهاية السلطة الفلسطينية، وتنبأت بانهيارها، وألقت باللائمة عليها، مؤكدة أن حاجة السلطة الفلسطينية إلى التنسيق الأمني ​​لا تقل عن جاحة إسرائيل، وأن السلطة الفلسطينية هي التي تتخذ خطوات بعيداً عن السلام. وحتى وقت قريب، كثفت اسرائيل من حديثها عن انهيار السلطة الفلسطينية، معتبرة أن سقوط حكومتها هي مسألة وقت فقط. ويرى سياسيون وعسكريون إسرائيليون أن اختيار السلطة الفلسطينية وقف التنسيق، يُعتبر بمثابة وضع نهاية مأساوية لها، ولحركة «فتح» أيضاً. وهذا صحيح بشكل خاص نظراً للحاجة إلى استمرار هذا التنسيق، سواء من أجل إبقاء الباب موارباً أمام استئناف المفاوضات، أو لتفادي تصعيد العنف الإسرائيلي الفلسطيني ووقوع أضرار قد تصل إلى ما لانهاية.

يجب الاعتراف بأن لإسرائيل مصلحة كبيرة في صمود السلطة الفلسطينية، على الأقل لفترة أطول. وإذا ما انهارت السلطة، ستكون لذلك تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية عميقة على إسرائيل، وخاصةً إذا برزت هذه الأخيرة وكأنها السبب الوحيد لذلك الانحلال. ومع ذلك، قد يحظى الموضوع باهتمام أقل من جانب إسرائيل، إذا ما أدرك المجتمع الدولي أن السلطة الفلسطينية هي التي تسببت في انهيارها الذاتي – ولكن هذا السيناريو أقل احتمالاً.

وإذا ما اتخذت السلطة الفلسطينية قرار وقف التنسيق، فسيتعيّن عليها مواجهة تدهورات خطيرة في موقفها، فيما يتعلق بإسرائيل أو على الصعيد الدولي على حد سواء. أو، بإمكان السلطة الفلسطينية اختيار مواصلة التنسيق مع إسرائيل لفترة إضافية محددة، لأنها كانت قد دافعت عن هذا التنسيق مُسبقاً باعتباره “مقدّساً” وأنها ستواصل هذا المسار إما بذريعة الحاجة الماسة للحفاظ على المنجزات الفلسطينية، أو لإعطاء إسرائيل فرصة أخرى، كي تتحسس رأسها وتعود إلى الطريق الصحيح.

 د.عادل محمد عايش الأسطل

معهد واشنطن