حرصت الولايات المتحدة على تحديد تدخّلها في سوريا من خلال تنفيذ هجمات جويّة منخفضة المخاطر وتجنيد حلفاء محلّيين لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») فضلاً عن الإطاحة بالنظام السوري، وهي ليست على استعداد لنشر قوّات بريّة لهزيمة هذين الخصمين. ولكن، عبر تنازلها عن مثل هذه الأدوار لجماعات محليّة أصغر حجماً تضم السكان الأصليين، سمحت واشنطن لجهات أخرى تحمل أهداف مختلفة، على غرار إيران وروسيا، بالسيطرة على الساحة.
عندما بدأت روسيا حملتها الجويّة في سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2015، استهدفت الثوّار المدعومين من الولايات المتّحدة الذين يحاربون النظام. ولكن، في تطوّر أحداث حصل مؤخّراً، قامت القوّات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب بمهاجمة هذه الجماعات نفسها في محافظة حلب الشمالية، علماً أنّ الطرفين يستخدمان أسلحة توفّرها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّ الأكراد أثبتوا أنّهم الحليف الأكثر فعالية في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلّا أنّ موقفهم المناهض للثوّار وعلاقتهم بالنظام السوري والروس قد أثارا مشاكل.
ويهدّد التوسّع الكردي بجر تركيا إلى اللعبة السورية الحامية، مانحاً تنظيم «داعش» متنفّساً تحتاجه الجماعة بشدة في أعقاب سلسلة الخسائر التي منيت بها مؤخراً. ولكي تتمكّن واشنطن من إبقاء تركيزها على تنظيم «الدولة الإسلامية»، عليها أن تدعم مباشرةً خصمه الأفضل حتى الآن، أي الأكراد السوريين. وقد يُفضي الدعم الناتج عن ذلك إلى تخفيف طموحات الأكراد بالحكم الذاتي فضلاً عن مواقفهم المضادة لتركيا، وبالتالي يمنع التدخل التركي غير المرحّب به في الحرب.
الخلفية
منذ عام 2013، كان البرنامج السري لـ “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية المعروف باسم “قيادة العمليات العسكرية” يزوّد الأسلحة والتمويل لألوية سورية تابعة لـ «الجيش السوري الحر». وكان هذا الدعم مخصص لمحاربة الرئيس السوري بشار الأسد و”الجيش العربي السوري” الذي يتزعمه.
ولكن، بعد أن سيطر تنظيم «داعش» على الموصل وقطع رأس صحفيين أمريكيين في عام 2014، وجّهت واشنطن جهودها نحو محاربة التنظيم. وتحقيقاً لهذه الغاية، بدأت وزارة الدفاع الأمريكية بدعم «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي وجناحه المسلّح المعروف بـ «وحدات حماية الشعب»، علماً أنّ «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني» – جماعة تركية تحارب أنقرة منذ عام 1984 – وهو مُدرج على لائحة وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب منذ عام 1997.
وفي عام 2014، ساعدت الهجمات الجوية الأمريكية «وحدات حماية الشعب» على طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» من كوباني وهي بلدة شمالية حدودية في سوريا. ومنذ ذلك الحين، نسق المقاتلون الأكراد بالتعاون مع واشنطن شن هجمات جوية أخرى في محافظتي الحسكة والرقّة في شمالي البلاد. ومع تحوّل «وحدات حماية الشعب» شيئاً فشيئاً إلى القوة المقاتلة الأكثر فعالية ضدّ الجهاديين، رفعت واشنطن سقف مساعادتها. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، ألقت الطائرات الأمريكية 50 طنّاً من الذخيرة بشكل 100 حزمة إلى جماعة سنّية عربية مدعومة من «وحدات حماية الشعب» تُعرف باسم «قوات سوريا الديمقراطية». وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، وصل خمسون عنصراً من “القوّات الخاصة الأمريكية” إلى منطقة يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي» لتدريب مقاتليه وتسليحهم. ومؤخراً قامت القوات الأمريكية بالسيطرة على مهبط طائرات موسع جنوب بلدة رُميلان التي يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي» لتوفير الإمدادات بطريقة أسهل لـ «قوات سوريا الديمقراطية» وتسليمها الأسلحة.
توصيات سياسية
في بعض الأحيان، يكون الدافع وراء سياسة واشنطن في سوريا كامناً في الفرص التكتيكية بدلاً من الاعتبارات الاستراتيجية. وتتوضّح هذه الحقيقة من خلال معركة كوباني والعلاقة التي أعقبت ذلك مع «حزب الاتحاد الديمقراطي». فمنذ وقت ليس بطويل، في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2014، رفض المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، الجنرال جون ألين، وصْف كوباني على أنها “هدف استراتيجي”، على الرغم من أن واشنطن كانت ترسل الموارد اللازمة على نحو متزايد إلى المدينة. واعترف المبعوث الرئاسي الأمريكي الحالي للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش»، بريت ماكغورك، قائلاً: “نحن لم نركّز قطّ على كوباني عندما حددنا الاستراتيجية، وبعد ذلك أصبحت كوباني فرصة لنا.”
لقد عبّرت واشنطن مراراً عن سياستها المضادة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، بما في ذلك شقّ العراق، والذي تعمل بموجبه جنباً إلى جنب مع الحكومة المركزية [في بغداد]. غير أنّ واشنطن وجدت هذه المهمة أصعب بكثير في سوريا نظراً إلى تنوّع الجماعات التي تحارب في الميدان، وانعدام دولة شريكة. لذا، يجب على واشنطن أن ترسم أهدافها بوضوح حول ما إذا كانت تريد إضعاف تنظيم «داعش» والقضاء عليه، أو إسقاط النظام، أو إنقاذ الدولة السورية من التفكك. وكما يتضح، تتعارض هذه الأهداف مع سياسات واشنطن الحالية في بعض الأحيان. فالترّكيز بشكل حصري على تنظيم «الدولة الإسلامية» يخاطر بعزل جماعات «الجيش السوري الحر» والسكان المحليين اللازمين لمقاتلة التنظيم الجهادي بشكل فعّال. وبالمثل، فإن تسليح ألوية «الجيش السوري الحر» لمحاربة النظام لا يعزز هدف القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية». ويهدّد العمل مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» بتكرار السياسة الأمريكية في العراق والتي وصفها ماكغورك والجنرال ألين بأنها ” ‘فيدرالية وظيفية’ تسعى إلى تفويض السلطة للمحافظين (حكام المحافظات)”. ومثل هذا النهج يضعف الحكومة المركزية من خلال إطلاق العنان لقوى مندفعة نحو المركز قد لا تكون الحكومات المستقبلية قادرة على السيطرة عليها.
وتبدو رغبة واشنطن في احترام وحدة الأراضي السورية خالية من أي معنى لأنّه لم تبقَ هناك أي دولة لكي تتم حمايتها. كما لن يسقط النظام أبداً في الوقت الحالي بعد أن دخلت روسيا في الصراع، بغض النظر عن ادّعاءاتها بأنها قد انسحبت. ونظراً إلى أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يشكل أكبر تهديد للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، يجب على سياسة واشنطن في سوريا أن تركّز على اجتثاث هذا السرطان من المنطقة. فهذا هو الهدف الأكثر منطقية والأكثر قابلية للتحقيق بالنظر إلى أن جميع جماعات الثوار تتفق على أنه لا بد من القضاء على التنظيم الجهادي. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على الولايات المتحدة زيادة دعمها لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وهو الكيان الوحيد الذي أثبت باستمرار أن بإمكانه الاستفادة من التدخل العسكري المحدود لواشنطن.
وغني عن القول، أنّ مثل هذه السياسة تغامر باستبعاد تركيا. فقد يؤدي تصاعد الصراع الكردي- التركي في النهاية إلى وضع واشنطن أمام معضلة، مرغماً إياها على الاختيار إما بين حليف أدّى إلى خيبة أملها مراراً وتكراراً في حملتها ضدّ تنظيم «داعش» أو حليف محتمل فاق كل التوقعات. وفي هذا الإطار، عملت تركيا عن كثب مع تنظيمين متطرفين مبغوضين من واشنطن هما «أحرار الشام» و «جبهة النصرة». وعلى وجه التحديد، سهّلت أنقرة قيام «جبهة النصرة» بهلاك جماعات تدعمها الولايات المتحدة، مثل «الفرقة 30» و«حركة حزم». وعلى الرغم من الهجمات التي شنّها تنظيم «الدولة الإسلامية» في تركيا، إلاّ أنّ الحكومة أحجمت عن قصف التنظيم. وغالباً ما يُعزى تسامح واشنطن مع تحركات تركيا إلى موقعها الجغرافي الحيوي، حيث أنّ الحدود التي تتقاسمها تركيا مع سوريا تسمح لها بالتحكم بتدفق المقاتلين والعتاد الحربي المدعوم من الولايات المتحدة. كما تستضيف تركيا «قاعدة إنجرليك الجوية» التي ترى فيها واشنطن أهمية بالغة في حملتها ضد تنظيم «داعش». وبعد أن سمحت تركيا للولايات المتحدة باستخدام هذه القاعدة الجوية في آب/أغسطس 2015، أشار المبعوث الرئاسي الأمريكي ماكغورك قائلاً: “هذه الخطوة تُغيّر فعلاً من قواعد اللعبة. فالرحلة من «قاعدة إنجرليك الجوية» إلى سوريا تستغرق حوالي 15 دقيقةً، في حين يستغرق الانتقال جواً من حاملة طائرات في الخليج أو من البحرين إلى سوريا حوالى ثلاث ساعات”. ووضّح المتحدث باسم عملية «العزم التام» العقيد ستيف وارن هذا الأمر قائلاً إنّه بإمكان الطائرات “أن تحلّق لعدد أكبر من الجولات وأن تحقق نتائج أسرع. وهي قادرة على أن تحوم لمدة أطول”. ومع ذلك، فإن استخدام القاعدة في الحقيقة يعمل فقط على تسهيل حالةٍ كانت صعبة في السابق، ولكنها لم تكن مستحيلةً.
وإذا تمكّن «حزب الاتحاد الديمقراطي» من الاستيلاء على “جيب منبج” الممتدّ حوالي 68 ميلاً [على طول الحدود التركية] وعمق 40 ميلاً [داخل الأراضي السورية]، فإنّه سيعزل بذلك تنظيم «الدولة الإسلامية» عن العالم الخارجي. غير أنّ سيطرة الأكراد على هذه المناطق العربيّة سوف تعزّز على الأرجح مزاعم التنظيم الجهادي بأنّه المدافع عن العرب السنّة، مما يزيد من دعم السكّان المحليّين له. ومثل هذه الخطوة ستثير أيضاً غضب تركيا من خلال ترك «حزب الاتحاد الديمقراطي» يسيطر على كامل حدود البلاد مع سوريا تقريباً. ولطالما اعتبرت أنقرة هذا الوضع خطاً أحمر يستدعي ردّاً. وقد أثبتت تركيا عبر التاريخ أنّها مستعدة لنقل المعركة ضد «حزب العمّال الكردستاني» خارج حدودها. ففي عام 1995، شنّت حملةً بريّة في شمال العراق وكثّفت الغارات الجوّيّة هناك منذ انهيار عمليّة السلام في العام الماضي.
وقد أثبتت مخاوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قيام «حزب العمال الكردستاني» باستخدام أراضي «حزب الاتحاد الديمقراطي» لشنّ هجمات على تركيا، بأنّها عارية عن الصحّة. لكنّ تركيّا قلقة أيضاً من تحرّك «وحدات حماية الشعب» ضد التركمان في حلب والذين تجمعهم بأنقرة روابط عرقيّة. وفي هذا الصدد فإن “لواء السلطان مراد”، وهو إحدى جماعات «الجيش السوري الحر» التي تم استهدافها من قبل «وحدات حماية الشعب»، مؤلفاً من التركمان. ووفقاً لقائد “لواء السلطان محمد الفاتح” من “كتائب التركمان السورية” (“الجيش السوري التركماني”)، هناك 500 ألف تركماني منتشرين في القرى في محافظة حلب. وحتى لو كان في ذلك مبالغة، لا يمكن إنكار التواجد الكبير للتركمان في حلب وبالتالي تشكّل حمايتهم ذريعة لتركيا لاجتياح سوريا. كما يمكن لأنقرة أن تعتبر وجود «حزب العمال الكردستاني» في سوريا انتهاكاً لـ “اتفاقيّة أضنة” التي وُقّعت بين الدولتين عام 1998. ومن شأن ذلك أن يسمح لتركيا بـ “ممارسة حقّها الشرعي في الدفاع عن النفس” ودخول سوريا كما هدّدت بالفعل قبل توقيع الاتفاقيّة. وقد صوّت البرلمان التركي بشكل مستمر على منح الحكومة أساساً قانونيّاً لمهاجمة قواعد «حزب العمال الكردستاني» في العراق، كما سعى مؤخّراً إلى توسيع هذا التفويض ليطال سوريا أيضاً. وفي هذا الإطار، أثبت أردوغان استعداده للعمل بما يراه مناسباً لمصلحة بلاده عندما أمر بتنفيذ عمليّة عسكريّة في سوريا لنقل ضريح جدّ مؤسس الإمبراطوريّة العثمانيّة إلى تركيا.
ولكن، حتّى يومنا هذا، لم تصل تركيا و«حزب الاتحاد الديمقراطي» بعد إلى شفير الهاوية. ويتيح ذلك فرصة لواشنطن لكي تدفع الجانبين للحدّ من التوتّر والعمل على إيجاد أرضيّة مشتركة بينهما. وتتضمن مثل هذه الخيارات حثّ «حزب الاتحاد الديمقراطي» على الامتناع عن إرسال الأسلحة إلى تركيا، والتعهّد بتجنب السماح لمقاتلي «حزب العمال الكردستاني» بدخول تركيا عبر أراضيه، وتعاون «حزب الاتحاد الديمقراطي» مع المعارضة السياسية السورية، وإعلاء الصرخة التي يوجّهها «حزب الاتحاد الديمقراطي» لعزل الأسد، وتجديد علاقات «حزب الاتحاد الديمقراطي» مع الزعيم الكردي العراقي مسعود البارزاني. وبما أنّ «حزب الاتحاد الديمقراطي» يعتبر معزولاً تقريباً عن العالم الخارجي بقدر عزلة تنظيم «داعش»، فسيضطر في النهاية إلى العمل مع جيرانه. لكنّ مثل هذا التعاون لن يحدث إلّا في إطار محادثات سلام بين تركيا و «حزب العمال الكردستاني» ، والتي قد تصبح أولويّة بالنسبة للولايات المتحدة.
ونظراً إلى هذا التقييم العام، يجب أن توسّع واشنطن علاقتها مع الأكراد من مجرّد التركيز على المسائل العسكريّة إلى حد كبير في الوقت الحالي، وإلى المسار السياسي. وبالرغم من أنّ رئيس «حزب الاتحاد الديمقراطي» صالح مسلم كان قد اجتمع بسفراء الولايات المتحدة منذ عام 2012، إلّا أنّه لم ينتج عن تلك اللقاءات سوى القليل من التقدم الملموس. ولم يتمكن مسلم ولا الرئيسة المشاركة آسيا عبدالله من الحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة. فمن خلال تأمين دخولهما إلى الولايات المتحدة سيتاح لهما شرح موقف «حزب الاتحاد الديمقراطي» لصناع القرار ووسائل الإعلام. على واشنطن أن ترحّب بمشاركة «حزب الاتحاد الديمقراطي» في محادثات السلام التي ستجري في جنيف بدلاً من أن تبني قراراتها بناء على رغبات أنقرة التي تعارض بشدّة هذه المشاركة.
وعلى الصعيد العسكري، يجب على واشنطن تزويد «وحدات حماية الشعب» بالأسلحة والتدريب بصورة مباشرةً. فـ «قوات سوريا الديمقراطية» المؤلفة من عرب سنّة ضعيفة جداً من أن تتمكن من السيطرة على أراضي دون دعم الجماعة الكرديّة. وقد اشتكى قادة «وحدات حماية الشعب» من افتقارهم للعتاد العسكري غير الفتّاك كنظارات الرؤية الليليّة وأجهزة الاتصالات الآمنة. فبإمكان الأقنعة الواقية من الغازات حماية المقاتلين من الاستخدام المتصاعد للأسلحة الكيميائيّة من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية». كما أن وسائل النقل، كناقلات الجند المدرّعة التي طلبتها «الوحدات» ستمنح دفعاً قوياً لها. يجب على واشنطن تزويد «وحدات حماية الشعب» بالمزيد من الأسلحة الثقيلة كصواريخ “جافلن” من دون أن تقدّم لها أسلحة مضادة للطائرات. أما بالنسبة إلى صواريخ “جافلن”، بإمكان واشنطن أن تحاول وضع قيود على استخدامها غرب الفرات، لكن من غير المرجّح أن تمتثل «وحدات حماية الشعب» لمثل هذه القيود في أي مكان تتحرّك فيه، مما قد يؤدّي إلى تصعيد عسكري ربما يكون غير محبّذ.
ومن المؤكّد أنّ تكثيف الدعم لـ «وحدات حماية الشعب» له مخاطره. فعلاقتها الحميمة مع النظام تعني أن الأكراد لن يساهموا أبداً في دعم جهود الثوار للإطاحة به. وأما الأتراك الذين يغيظهم أصلاً تفاني واشنطن الفاتر لهذه القضيّة، فسوف يزدادون غضباً من السياسة الداعمة لخصمهم الرئيسي في النزاع السوري والمهملة لخصمهم الثانوي في الوقت نفسه. وسيكون من الصعب إعادة دمج الأكراد في دولة سوريّة بعد انتهاء الحرب. وليس هناك شكّ في أنّ العداوة بين العرب والأكراد ستستمر في السياسة السوريّة لعقود، تماماً كما هي الحال في العراق، ولكن هذه الظاهرة تعكس أزمة أكبر في الشرق الأوسط وليس مجرد أزمة محلّية.
في أربعينيات القرن الماضي، أتى اشتراكي فرنسي بشعار، “لمَ الموت في سبيل دانزيغ؟”؛ وقد تم اعتماد هذا الشعار من قبل سياسيين مترددين في دخول صراعٍ بعيداً عن حدودهم. فقد كان القطاع الألماني في بولندا نقطة تجمّع للوحدويّة النازيّة. واليوم، أصبحت دانزيغ مدينةً بولندية بالكامل وعنواناً للأصالة العرقية كونها إحدى نتائج الحرب العالميّة الثانية. والآن يشهد الشرق الأوسط وضعاً مماثلاً: فالدول التي قُسّمت إلى أجزاء من الإمبراطوريّة العثمانيّة المنهارة فيما كانت هذه الأخيرة تحتضر في أواخر الحرب العالميّة الأولى تشهد تشنّجاً كبيراً. فمن لبنان إلى العراق، هرب المسيحيّون بينما قام الشيعة والسنّة بطرد قرىً مختلطة وحوّلوها إلى مقاطعات محصّنة. واليوم، أصبحت سوريا بجماعاتها العرقيّة وطوائفها الدينيّة التي لا تعدّ ولا تحصى بؤرة النزاع. فإذا كان الشيعة أرباء العالم العربي فالأكراد أيتامه. ويحاول الأكراد استعادة ما تمّ وعدهم به في “معاهدة سيفر” التي وقّعت بعد الحرب – في عام 1920 – والتي أبطلتها “معاهدة لوزان” عام 1923. ومع ذلك، فإن الرغبة في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية قويّة في منطقة بالكاد توجد فيها دولة قومية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت سوريا ستصبح الدولة العربيّة الأولى التي تنهار أم ستقصر عملياتها فقط على ترحيل السكان.
وفي هذا الإطار، من شأن قيام علاقة وثيقة مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» أن يمنح واشنطن بعض النفوذ على الجماعة. فـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» لن يقطع أبداً علاقاته مع «حزب العمال الكردستاني»، لكنّه قد يقتنع بالحد من التوتّرات مع تركيا واحترام مصالح أنقرة. ومن شأن مثل هذه النتيجة أن تساعد في تركيز جهود جميع الأطراف نحو هدفها المشترك المتمثل في إلحاق الهزيمة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية».
باراك بارفي
معهد واشنطن