الديمقراطيون الأميركيون والتنكر للحقوق الفلسطينية

الديمقراطيون الأميركيون والتنكر للحقوق الفلسطينية

091203-N-0696M-239
Secretary of State Hillary Rodham Clinton testifies before the Senate Foreign Relations Committee at the Hart Senate Office Building in Washington, D.C., Dec. 3, 2009. The testimony focused on President Barack Obama's decision to send an additional 30,000 troops to the war in Afghanistan. (DoD photo by Mass Communication Specialist 1st Class Chad J. McNeeley/Released)

في أوائل آذار (مارس)، كتب البروفيسور ريتشارد فولك، المقرر الخاص السابق للأراضي الفلسطينية في الأمم المتحدة، مقالة يبين فيها أن السياسة الأميركية الخارجية التي وضعها الرؤساء الأميركيون من الحزب الديمقراطي كانت مسؤولة إلى حد كبير عن المصير الكارثي الذي يواجهه الفلسطينيون.
وسمح الديمقراطيون للمصالح الصهيونية الخاصة بأن تغويهم لأسباب سنعرضها أدناه. وكان المسؤولون الديمقراطيون أيضاً هم الذين يهاجمون لفظياً أي أميركي يدافع عن حقوق الفلسطينيين، وهم يفعلون ذلك بطريقة أكثر شراسة من منافسيهم الجمهوريين.
عمل فولك بلا كلل في الفترة ما بين 2008 و2014 من أجل تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني -وهو شيء كان من شأنه، لو تحقق، أن يرفع منسوب احترام الملايين من العرب لكل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة. لكن المسؤولين الذين عينهم الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، بمن فيهم مستشارة الأمن القومي سوزان رايس والسفيرة الحالية إلى الأمم المتحدة، سمانثا باور، كافأوا فولك على جهوده بالتصريحات المهينة والهجمات الشرسة.
وعلى سبيل المثال، احتلفت السفيرة باور بمغادرة فولك منصبه في الأمم المتحدة، بتأكيدها أن “نشره المقالات الغريبة والمهينة لطخ سمعة الأمم المتحدة وقوض فعالية مجلس حقوق الإنسان. إن الولايات المتحدة ترحب برحيل السيد فولك، الذي كان مستحقاً منذ فترة طويلة”.
وتجدر هنا ملاحظة أن البروفيسور فولك لم يصدر أي تقرير، أو حتى يدلي ببيان علني، والذي لم يكن مستنداً إلى حقائق موثقة وفهم واضح للقانون الدولي. ويعتقد المرء أن السفيرة باور كانت تعرف ذلك، وأن نقدها اللاذع لفولك كان صادراً عن وكيل سياسي غير أخلاقي لحكومة غير أخلاقية.
يرى البروفيسور فولك الكثير من سياسة حكومة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على أنه جاء نتيجة لإقامة الصهاينة الطويلة في وزارة الخارجية، إلى جانب قوة ونفوذ كتلة المصالح الخاصة التي تديرها إسرائيل في البلد.
بدأت جهود الرئيس أوباما الخاصة في صياغة سياسة الشرق الأوسط، وفقاً لفولك، بتأكيده الخطابي على أن الولايات المتحدة “مختلفة، لأننا نلتزم بسيادة القانون ونتصرف وفقاً لقيمنا في السياسة الخارجية”. ومع ذلك، كان هذا الزعم زائفاً على الدوام، وفقدت كلمات الرئيس معناها بسرعة كبيرة بينما أخضع ضغط اللوبي الإسرائيلي السياسة الخارجية الأميركية (مع الاستثناء الوحيد المتعلق بالاتفاق النووي الإيراني) لإرادة القضية الصهيونية.

هيلاري كلينتون
أظهر خنوع المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون المؤسف أواخر الشهر الماضي لذلك اللوبي كيف أن ريتشارد فولك كان محقاً بطريقة يتعذر إنكارها. ففي خطابها الذي ألقته في اجتماع لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية “إيباك”، وهي منظمة تعمل في الولايات المتحدة في الحقيقة كعميل لقوة أجنبية (إسرائيل)، أعلنت كلينتون ما يلي:
قالت إنها -كرئيسة- ستأخذ العلاقات الأميركية-الإسرائيلية “إلى المستوى التالي”، وهو ما يعني الإغداق على تلك الدولة بأكثر الأسلحة الهجومية والدفاعية الأميركية حداثة، والتفاوض على اتفاقية دفاع أخرى -“مذكرة تفاهم دفاعي لمدة عشر سنوات”.
وهو أمر ضروري، كما تزعم، لأن إسرائيل “تواجه ثلاثة تهديدات مستمرة -اعتداء إيران المستمر؛ وموجة متصاعدة من التطرف عبر قوس واسع من عدم الاستقرار؛ والجهود التنامية لنزع الشرعية عن إسرائيل في المسرح العالمي”. وهي تشير هنا إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات. وتجعل هذه التهديدات من “التحالف الأميركي-الإسرائيلي لا غنى عنه أكثر من أي وقت مضى”.
كان رد الكاتب خوان كول على تأكيدات كلينتون جيداً بشكل خاص. ويشير كول إلى أن النظر إلى الوضع بتعقل، سيكشف أن إسرائيل لا تعاني من أي تهديدات أمنية تقليدية، بما في ذلك من إيران، والتي تتطلب مليارات الدولارات من الأسلحة الأميركية وتوقيع مذكرة تفاهم دفاعية ملزمة. ويشير كول بعناية إلى أن “الموجة المتصاعدة من التطرف”، هي إلى حد كبير نتيجة لغزو الولايات المتحدة للعراق (الذي دعمته كلينتون وإسرائيل على حد سواء)، وتفكيك سورية (الذي أصبح هدفاً للأمن القومي الإسرائيلي). وأخيراً، وبوصفها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات على أنها حركة يجب قمعها، فإن كلينتون تهدد الحقوق الدستورية الأميركية.
تمجد كلينتون التحالف الأميركي-الإسرائيلي باعتباره واحداً قائماً على “القيم المشتركة”. وهي تصف إسرائيل بأنها “معقل الحرية”. وهذه ضرورات دعائية، والتي ليست لها بالنسبة للفلسطينيين أي صلة بالواقع.
وبعد ذلك، تحاول كلينتون تأهيل تأكيدها المشكوك فيه بالتساؤل: “هل نبقى، كأميركيين وكإسرائيليين، أوفياء للقيم الديمقراطية المشتركة التي كانت دائماً في القلب من علاقتنا”؟ ويبدو أنها تُضمِّن “أميركا” في هذا السؤال بلا شك كنوع من الإشارة إلى السلوك الإشكالي لدونالد ترامب وأنصاره. ومع ذلك، فإن سؤالها، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، أجيب عنه مسبقاً.

جدعون ليفي
كان الصحفي الإسرائيلي المعروف، جدعون ليفي، متواجداً في واشنطن العاصمة في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وأجرى ماكس بلومينتال مقابلة معه. وحذر ليفي في المقابلة من مدى انحراف إسرائيل عن “القيم الديمقراطية”، ومن مدى تورط الليبراليين الأميركيين المتواطئين، من أمثال هيلاري كلينتون، في فساد إسرائيل الأخلاقي والسياسي.
وقال لنا ليفي: “يجب أن يعرف الليبراليون الأميركيون… أنهم يدعمون العلامة الأولى للفاشية في إسرائيل. أنا لا أسميها فاشية بعد، لكن العلامات الأولى للفاشية واضحة جداً… وأميركا تستمر في تمويلها. يجب أن يعرف هذا ويميزه أي أميركي، وخاصة الليبراليون، الذي يجب أن يهتموا بأين تذهب نقود دافعي ضرائبهم -والكثير جداً منها في الحقيقة.
“أعني، ليس هناك مصدر للأمل في هذا الوقت. ليس هناك بديل عن نتنياهو…. ويصبح المناخ، كما قلتُ، أقل تسامحاً باطراد، وموقف الديمقراطية في حده الأدنى ومنحرف كثيراً في الكثير من الأحيان”.
ثم يشير ليفي بشكل خاص إلى الدعم الأميركي الكبير والاستثنائي، ولو أنه غير رسمي، لاحتلال إسرائيل غير القانوني للضفة الغربية، وغزة، ومرتفعات الجولان: “هل الاحتلال قيم أميركية؟ هل يخدم الاحتلال المصالح الأميركية؟ ألا ترى أميركا أنها تدفع ثمناً باهظاً لهذا الدعم الهائل والأعمى لإسرائيل ولمشروع الاحتلال؟ هل من المعقول أن تقوم أميركا، في القرن الحادي والعشرين، بتمويل نظام فصل عنصري في المناطق المحتلة؟ يجب أن تثار كل هذه الأسئلة”.
ليس ليفي بأي حال وحيداً في دق ناقوس الخطر حول أين قادت الصهيونة المجتمع الإسرائيلي. فقد أشار البروفيسور الإسرائيلي، ديفيد شولمان، أيضاً إلى التعصب والفاشية الوليدة في إسرائيل في مقالة حديثة له بعنوان “إسرائيل: كسر الصمت”. ويخلص شولمان في مقالته إلى أن “اليمين المتطرف في إسرائيل يختار عن قناعة شديدة اعتناق الاستبدادية والشمولية في التفكير والعمل، ومن غير الواضح مَن بقي ليوقف ذلك”. من المؤكد أنه لن يكون هيلاري كلينتون.
مَن يثير الاعتراضات على تداعيات التواطؤ الأميركي في كارثة إسرائيل السياسية؟ ثمة أناس يفعلون، مثل ريتشارد فولك وليفي جدعون، بحيث يحافظون بذلك على بقاء بعض مظاهر الخطاب العقلاني حول مكان القيم الديمقراطية في معادلة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ومع ذلك، وعلى الرغم من شعاراتهم الخطابية، يبدو أن الساسة الديمقراطيين مثل هيلاري كلينتون يتخلون بوضوح عن هذه القيم عندما يأتي الأمر إلى أي إحالة إلى إسرائيل وسلوكها.
وما يعنيه ذلك هو أن جوهر خطاب هيلاري كلينتون في اجتماع “إيباك” كان مجرد دعاية -محاولة لترشيد، أو ربما لمجرد التستر ببساطة على دوافع أعمق وأكثر دناءة. وإذن، إذا لم يكن دعم “القيم الديمقراطية المشتركة” هو الدافع وراء خنوع كلينتون، فما هو ذلك الدافع؟
الإجابة هي، الانتهازية السياسية العارية. وهذه هي المعادلة: (1) تعمل السياسة الأميركية على حصد المال محلياً، والكثير منه: فالترشح لمنصب، أي منصب من مربي كلاب الصيد إلى الرئيس، يتطلب دفقاً مالياً مستمراً؛ (2) المصالح الخاصة، سواء كانت اهتمامات اقتصادية، أو منظمات مهنية، أو جماعات مدفوعة إيديولوجياً، هي مصدر رئيسي لهذه الأموال؛ (3) في مقابل سخائها، تطلب هذه المصالح الدعم السياسي لقضاياها.
وهنا تدخل الصهيونية، بين آخرين، والتي لا تخفى علينا جيوبها الممتلئة العميقة، وقدرتها على تشكيل الرسائل الإعلامية وتحشيد الناخبين، سواء من اليهود أو المسيحيين. وسيكون التحالف مع الصهاينة مربحاً سياسياً، في حين يتم تجنب غضبهم الذي يكون قاتلاً سياسياً في بعض الأحيان.
بطبيعة الحال، سوف يعني مثل هذا التحالف تجاهل أي تفكير موضوعي -أو حتى منطقي- في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والكثير من بقية أنحاء الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك، يجري القذف بالمصلحة الوطنية المتصلة بهذا الجزء الذي لا يني يزداد خطورة من العالم من على متن السفينة. ويتم استبدال هذه المصلحة بالمصالح الضيقة للمنظرين الأثرياء وحسني التنظيم والنافذين.

علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد الأردنية