لوحة الانقلاب العراقي

لوحة الانقلاب العراقي

422
بعيداً عن الذكرى الـ41 للحرب الأهلية اللبنانية (1975ـ 1990) التي حلّت في 13 إبريل /نيسان الحالي، وتداعياتها وسخافة المعالجة الفعلية لها، واقتصارها على بضعة مشاهد صورية لا أكثر، وبعيداً عن بدء الجولة الجديدة من المحادثات السورية في جنيف، بدا المشهد العراقي أكثر كثافة من غيره هذا الأسبوع.
في العراق، انقلاب فعلي بصورة سياسية. استلزم الأمر مصالحةً بين طرفين سياسيين، خارج البلاد، رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وزعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، في بيروت، برعاية حزب الله. تفاصيل الانقلاب السياسي اكتملت للانقضاض، برلمانياً، على الثلاثي الرئاسي: رؤساء البرلمان سليم الجبوري، والحكومة حيدر العبادي، والجمهورية فؤاد معصوم، في ظلّ انتشار مسلّحين موالين لقادة الانقلاب في بغداد. ظهر الأمر وكأن لوحة بيضاء أُخرجت منذ التظاهرات المطالبة بالإصلاح في العراق، الصيف الماضي، وبوشر رسمها بهدوء، إلى وقع الدخول الروسي وخروجه الجزئي من سورية، بين 30 سبتمبر/أيلول ومارس/آذار الماضيين.
لم تتكلّل تظاهرات الصيف والمطالبة في معالجة الفساد في بلاد الرافدين وأسبابه بالنجاح. سعى العبادي، جدّياً، إلى تحقيق وعوده للمتظاهرين. فشل، لأسباب كثيرة، وسط احتدام المعارك بين القوات العراقية و”الحشد الشعبي” والتحالف الدولي من جهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من جهة أخرى. وعلى الرغم من تحرير مدينتي الرمادي وهيت في محافظة الأنبار من التنظيم، إلا أن معركة الموصل ما زالت تتقدّم ببطء. ومن شأن الانقلاب السياسي، فرملة أو تأخير اندفاعة القوات المشتركة ضد التنظيم في الشمال العراقي، وربما قد تؤدي إلى تدهور الوضع الميداني في الشمال، ما قد يدفع رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، إلى محاولة تحقيق أحلامه الاستقلالية، على أنقاض ضجيج بغداد.

الرسام حرّ، حتى الآن، برسم اللوحة البيضاء. حضر الوحي، بعد فشل تطبيق الإصلاحات. كان “لا بدّ” من محاصرة المنطقة الخضراء في بغداد، ثم طرح حكومة تكنوقراط التي كان “طبيعياً” أن ترفضها بعض القوى السياسية، وتطالب بشروط إضافية، قبل أن تعلن أهدافها الأساسية: إطاحة الرؤساء الثلاثة من السلطة.
تبدو اللوحة واضحة المعالم، لكن بعضهم يرفض الاقتناع بأنها تكتمل. بغداد أساسية لطهران وكذلك للرياض. اليمن سيدخل عصر حروب التماس السياسية والميدانية. بالتالي، سيكون مصيره مجمّداً حتى إشعار آخر، باسم المفاوضات العائدة بين الأطراف اليمنية من الكويت، غداً الأحد.
سيكون العراق الأساس. لم يعد الاتفاق الضمني بين إيران والسعودية كفيلاً بضخّ الهواء في الحياة السياسية العراقية. المشهد أقرب إلى انكسار الـ”سين ـ سين” (السعودية وسورية) في لبنان، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، في عام 2005. تباعد الفريقان حتى في الأساسيات التي توافقا عليها سابقاً، ولو بحدّها الأدنى. الانقلاب السياسي يُترجم التباعد، مع أنه بوشر التمهيد له عبر غرفة “4+1” (روسيا، وإيران، والعراق، وسورية، وحزب الله). لا الأميركيون موجودون، ولا السعوديون. سلم الأميركيون أساساً للروس، في سورية أولاً، ويبدو أنهم يمرّرون ما يجري في العراق ثانياً، في ظلّ انكفائهم عن دعم “السلطات الدستورية”، فالانقلاب، وفق ما يحصل، “دستوري”، من وجهة النظر الأميركية.
ستكون اللوحة جاهزة قريباً، ما لم تتغيّر الموازين سريعاً، وليس الوقت لمصلحة الثلاثي الرئاسي. لوحة عبّر عنها علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، العام الماضي، بقوله إن “إيران عادت إلى وضع الإمبراطورية والعراق عاصمة لها”. صحيح أن المحكمة الخاصة بعلماء الدين في إيران طلبت، في حينه، توضيحات من يونسي، لكن الرجل ظلّ في منصبه بالقرب من روحاني.
تكمن أهمية اللوحة العراقية في أنها ستؤثر على مجمل الخريطة الجيوبوليتيكة في الشرق الأوسط. دائماً ما كان العراق حجر أساس في أي مفصل تاريخي، سياسي أو عسكري، لكن راسم اللوحة، هذه المرة، آتٍ من الشرق، لا من الغرب.

بيار العقيقي
صحيفة العربي الجديد