تعتبر منظمة التعاون الإسلامي التي أسست عام 1969، رداً على إحراق المسجد الأقصى، أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة إذ تضم 57 دولة عضواً، تمثل ربع البشرية بعدد سكان يصل 1,7 مليار نسمة. ويقول منتقدون إن حالها ظل كحال الجامعة العربية، وقد بقيت عاجزة عن لعب دور يُحصّن المسلمين ويحولهم إلى قوة مؤثرة في النظام العالمي. بل ازدادت الأزمات والتحديات وزاد تهميش المسلمين، وباتت عواصف الطائفية والصراع المذهبي تنخر العالم الإسلامي، مما يزيد فرقته وتشتته ويزيد من وهَنه. وصار الإسلام والمسلمون في أذهان بعض الغربيين وكأنهما مرادفان للإرهاب والتطرف والعنف! ولذا ترتفع وتيرة «الإسلاموفوبيا». ونشهد استهدافاً وارتفاعاً حاداً في «جرائم الكراهية» ضد الجاليات المسلمة والمسلمين كأفراد في الغرب على رغم كونهم مواطنين، ولا صلة لهم بما وقع في باريس وبروكسل، وسان برناردينو في أميركا.
ولذلك، باتت كل قمة إسلامية، كما كل قمة عربية، تُعقد في ظل إرهاصات وتهديدات وتحديات أصعب من سابقتها، وخاصة مع زيادة خطر وتمدد الفتنة المذهبية بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية، وتفاقم الصراعات الإقليمية وفي مقدمتها أزمة سوريا -الجرح الدامي، واليمن والعراق وليبيا، وأخيراً انضم الصراع الذي بقي تحت الرماد لأكثر من عقدين في ناغورنو كارباخ إلى القائمة.
وهناك أيضاً الحملة المعادية للإسلام، وتفاقم الإساءة للمسلمين كأقليات في بورما -ميانمار- وأفريقيا الوسطى، وفي الغرب أيضاً بشكل عام، وخاصة بعد كل عملية إرهابية. ولذلك سلطت القمة الإسلامية الضوء على هذه التحديات، واهتمت بملفات مواجهة الإرهاب والتطرف و«الإسلاموفوبيا». وتصدّرت القضية الفلسطينية جدول أعمال القمة ودعت إلى «عقد مؤتمر دولي للسلام لوضع الآليّات المناسبة لتقرير الحماية للشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي». ولكن هذا غيض من فيض من التحديات التي تدفع للسؤال عن مدى قدرة منظمة التعاون الإسلامي على مجابهتها في المستقبل.
وكان يُؤمل أن تشكل قمة منظمة التعاون الإسلامي الثالثة عشرة التي استضافتها مدينة إسطنبول بارقة أمل تساعد على لمِّ شتات العرب والمسلمين وإخراجهم من حال الصراع والخلافات والفتنة. ولكن منذ البداية بدا الارتباك وطفت على السطح الخلافات التي باتت واضحة وظاهرة ولا تخطئها العين.
وللأسف عكست قمة التضامن الإسلامي في إسطنبول الحالة العربية الإسلامية من الصراعات والخلافات والحرب الباردة بين الأعضاء وخاصة القوى الكبيرة والفاعلة داخل المنظمة سواء الخلافات السياسية (مصر وتركيا) والخلافات الاستراتيجية والسياسية وحتى الطائفية (السعودية وإيران).
وفي إظهار واضح لعمق الخلافات، وحالة الحرب الباردة بين مصر وتركيا، لم يصافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الدورة الحالية لمنظمة التعاون الإسلامي، وزير الخارجية المصري سامح شكري، ممثل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي قاطع القمة بسبب الخلافات مع الرئيس التركي لتدخله في الشأن المصري الداخلي. ولاشك أن أي احتقان في العلاقات من شأنه أن يُحبط المساعي الرامية للتقريب بين هاتين الدولتين المسلمتين الرئيستين في المنطقة، ويُبقي الخلافات قائمة ومتجذرة. كما أن لغة الجسد بين الملك سلمان والرئيس الإيراني والفتور الواضح بعد التقاط الصورة الجماعية عكست إلى حد كبير حالة الصراع والخلافات وغياب الثقة واستمرار الحرب الباردة وحروب الوكالة بين الأطراف المتصارعة في المنطقة.
وصدرت قرارات غير مسبوقة حسب ما ورد في البيان الختامي للقمة الإسلامية، انتقدت وبإدانة واضحة إيران، متّهمة إيّاها بـ«الاستمرار في دعم الإرهاب والتدخّل في الشؤون الداخليّة لدول المنطقة، وبينها سوريا واليمن والبحرين والصومال». كما أدانت القمة الإسلامية اعتداءات إيران على البعثات الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية في إيران مطلع العام. وأدان البيان الختامي للقمّة أيضاً «أعمال حزب الله الإرهابية في سوريا والبحرين والكويت واليمن»، فيما تحفّظ لبنان وبعض الدول على البيان وقاطع الجلسة الختامية منسحباً الرئيس الإيراني حسن روحاني.
والراهن أن قرار قمة منظمة التعاون الإسلامي بإدانة إيران و«حزب الله» وحلفائهم على تدخلهم في الشؤون العربية، هو قرار غير مسبوق في العمل الإسلامي بإدانة دولة عضو مؤسس بهذا الإجماع الكاسح، وهو ما يشكل صفعة قوية ورفضاً إسلامياً لتدخلات إيران ومشروعها للهيمنة على المنطقة. ويُنهي دور ومسرحية طهران مع حلفائها وتقديم أنفسهم كقادة لمحور المقاومة والممانعة، ويظهرهم مؤججين للإرهاب والعنف، ويحرمهم فرصة لعب دور الضحية. ويزيد من عزلة وحصار إيران وتعرية حلفائها بعد أن تم عزلهم ومحاصرتهم خليجياً وعربياً بسحب وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، وطرد السفراء الإيرانيين من نصف الدول العربية.
وكان مثيراً للاستغراب أن ينسحب رئيس إيران من الجلسة الختامية. ومن ينسحب من أكبر تجمع إسلامي يعني ذلك أنه قد خسر النقاش ولم يقنع الآخرين بوجهة نظره. وهذا يشكل قمة العزلة! ويشير بأصابع الاتهام من أكبر تجمع إسلامي إلى إيران وإلى دورها الذي يقترب من الدولة المارقة التي تؤجج الفتنة والطائفية وتهدد الأمن والاستقرار وبالتالي تغذي الإرهاب. وهي الملفات الثلاثة التي أشار الرئيس التركي أردوغان إلى أن القمة الإسلامية عالجتها وناقشتها.
وأمام هذا الموقف الحازم الذي خطف منها زمام المبادرة وفرص التحكم في مفاصل المنطقة، بات على القيادة الإيرانية، التي تُعرف بالبراغماتية والدهاء السياسي، أن تعيد النظر في حصاد سياساتها وحساباتها مع حلفائها وتدخلاتها في شؤون المنطقة، التي أوصلتهم إلى حالة عزلة خليجية وعربية وإسلامية ولا تزيدهم سوى خسارة وحصاراً! وسنرى.
عبدالله خليفة الشايجي
صحيفة الاتحاد