العملية السياسية في العراق تحتضر

العملية السياسية في العراق تحتضر

_76637_iraq3

منذ دبج الحاكم الأميركي للعراق، بول بريمر، أول سطر في سفر العملية السياسية في العراق، وهي تعاني من أزماتٍ متعاقبة، لم تترك لهذا البلد من تاريخه وحاضره، وحتى مستقبله، شيئاً، بل الأكثر من ذلك إن هذه العملية السياسية التي ولدت مشوهة ومعاقة أسهمت، بشكل كبير، في تمزيق النسيج الاجتماعي لمجتمعٍ لم تعرف عنه نزعة الطائفية أو العرقية، حتى في أشد فترات تاريخه حلكةً.
ومع دخول ذكرى الاحتلال الأميركي للعراق عامها الثالث عشر، بدت علامات احتضار هذه العملية السياسية واضحة، وصارت صرخات المنهكين والمتعبين والمهمشين والفقراء أعلى، بدأت مع تظاهرات التيار المدني التي انطلقت في يوليو/ تموز الماضي، لتصل إلى أعتاب المنطقة الخضراء، بعد أن حشد مقتدى الصدر تياره الديني، ليركب الموجة، ويقف معتصماً مع جمهوره مطالباً بالإصلاح، إصلاح لا يبدو أنه يُراد منه، فعلاً، إصلاح للعملية السياسية المشوهة، بقدر ما هي محاولة من أطراف اللاعبين في داخل منظومة العملية السياسية لإعادة ترميمها وتسويقها بوجه آخر للعراقيين، بعد أن أدرك الجميع أنه ما عاد في قوس الصبر منزع، وبعد أن استشعر الجميع أن الجماهير الغاضبة التي كان مسيطراً عليها بالفتاوى قد تنفلت من عقالها، ولات ساعة مندم.
ومع شجون ذكريات الغزو الأميركي عام 2003، ومع تسليط الإعلام الضوء على هذه الذكرى، جاءت تحليلات (وأحاديث) من ساهموا في صناعة حاضر العراق، من كبار ساسة واشنطن، صادمة، ومتناقضة في أحيان أخرى، فبينما قال بول بريمر إنه لم يأمر بحل الجيش العراقي السابق، جاء سفير واشنطن في بغداد عقب الغزو، زلماي خليلزاده ليؤكد العكس، وقال إن بريمر هو من أمر بحل هذا الجيش، وأدخل العراق في فوضى السلاح والمليشيات.
وبغض النظر عن المتسبب في حل الجيش العراقي، فالأكيد أن هذا القرار يبقى أميركياً بامتياز، وبدفع إسرائيلي بطبيعة الحال، وتبقى أميركا مسؤولةً ليس عنه فقط، وإنما عن كارثة تشكيل مجلس الحكم الانتقالي التي أسهمت في تقسيم العراقيين إلى مكونات، ما كان كثير منهم يعرف عنها شيئاً.

ولأنها عملية سياسية لم تُبن على أسسٍ تراعي عروبة العراق وتنوعه، ولأنها عملية سياسية أريد لها أن تزوّق وجه المحتل، لم تجد أميركا أفضل من أدلائها العراقيين، أي شخوص ما كانت تسمى المعارضة العراقية، ليتربعوا على عرش السياسة، ولأنهم دخلوا البلاد غرباء على ظهور دبابات غريبة، ما كان المرجو منهم إلا أن يكونوا خدماً للسيد الذي نصبهم، وهو سيد أميركي تارة، وآخر إيراني تارة أخرى، فضاع العراق وضاعت ثرواته، وبات من أكثر بلدان العالم فساداً وضياعاً وفشلاً.
لم تكتف أميركا بهذا الأمر، فلقد تحالفت ضمناً مع إيران، وتارة علناً، من أجل إرساء أسس لعبة سياسية جديدة في العراق، تقوم على المكون والأحزاب الطائفية، لعبة بنت بدل الدولة دولاً، فهناك دولة المليشيات، وهناك دولة المال والفساد، وهناك دولة الولاء للخارج، وهناك دولة المكونات، حتى أفرغ العراق من مفهوم الدولة لصالح هذه الدول التي باتت تحكمه.
فشلت العملية السياسية طوال ثلاثة عشر عاماً في احتواء حتى المعارضين لها من داخلها، فلا صوت يعلو فوق صوت دولة المليشيات التي تحكم هذه العملية السياسية، بل إنها قتلت واعتقلت ونفت كل من وقف بوجه ممارسات سلطةٍ باغيةٍ، تريد العراق رهينةً بيد الخارج، ولنا في عبد الناصر الجنابي ورافع العيساوي وطارق الهاشمي أمثلة حية. أما معارضو هذه العملية السياسية، والذين انتقدوا تفاصيلها منذ يومها الأول، فلم يكن لهم مكان، ليس في داخل منظومة الدولة، وإنما حتى على تراب العراق، بل امتدت يد السلطة الحاكمة لتلاحقهم في المنافي، بإصدار مذكرات الاعتقال والتضييق على وجودهم.
فهل يعقل، اليوم، أن تقود الوجوه الفاسدة التي تسلطت على البلاد والعباد ثلاثة عشر عاماً تيار الإصلاح، وتطالب بمحاكمة الفاسدين، وإجراء تغييرات على الحكومة العراقية، لتكون حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة؟ لا يمكن ذلك، خصوصاً وأن هذه الوجوه التي نطالعها يوميا على شاشات التلفاز متورطة بالقتل والفساد، ولا يمكن أن نبرئ واحداً منها، لأن هذه العملية السياسية ملوثة منذ ولادتها، فحتى من دخلها نظيف اليد واللسان خرج وقد أخذ من تلوثها ما أخذ.
ما يجري اليوم ليست سوى عملية من اللصوص لإعادة تسويق أنفسهم، وإعادة إنتاج فسادهم. ما يجري اليوم في العراق محاولة لإطالة عمر عمليتهم السياسية النافقة، ليتسنى لهم البقاء مدةً أطول، علهم يحصلون على مزيدٍ من المكاسب.
بات لزاماً على القوى الوطنية العراقية في الداخل والخارج توحيد صفوفها، والإسراع بإعلان كيان جامع لها، يمكن أن يكون بديلاً للعملية السياسية الجارية حالياً.

إياد الدليمي

صحيفة العربي الجديد