جنيف3: الوقت لم يحن بعد لحل الأزمة السورية

جنيف3: الوقت لم يحن بعد لحل الأزمة السورية

_78281_62

لم يكن أمرا مفاجئا أن تتعطل مفاوضات مؤتمر جنيف الثالث، بشأن الأزمة السورية، فقد احتجّت المعارضة على عدم جدّية وفد النظام السوري وعدم قبوله مناقشة الانتقال السياسي وهو المبدأ الذي عُقد المؤتمر من أجله، كذلك على عدم التزام النظام بالبنود التمهيدية المتعلقة بالمسائل الإنسانية وعدم احترامه الهدنة، واعترضت على عدم إطلاق قوات الأسد سراح المعتقلين لديه وعلى تدخل إيران العسكري في سوريا. من جهته ركّز وفد النظام على رفض المساس بدور بشار الأسد “كرئيس منتخب”، وشدّد على أولوية مكافحة الإرهاب كما فعل في مفاوضات مؤتمر جنيف الثاني الذي فشل لنفس السبب.

اللافت في بداية الجولة الثالثة، التي استمرت يوما واحدا، هو طرح المبعوث الأممي والروس لمبادرات تقع جميعها خارج سياق بيان جنيف وبيان فيينا والقرار الدولي 2254، وجميعها تميل لصالح النظام بشكل واضح، ما سرّع في اتخاذ المعارضة قرار تأجيل المفاوضات.

وبشكل خارج عن المتوقع تقدّم المبعوث الأممي باقتراح تعيين ثلاثة نواب للرئيس السوري من المعارضة، يمنحهم الرئيس بعض الصلاحيات، يليه تشكيل حكومة موسّعة تحت الدستور الحالي.

وهذا يعني أن الدستور الحالي الذي يمنح الأسد صلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة جدا هو الذي سيحكم عمل هؤلاء، كما ستبقى بيد الأسد صلاحيات لا يعرف أحد حجمها ولا حدودها، وهو اقتراح جدير بأن يُدمّر المفاوضات من أساسها.

سرعان ما تسرّب للمجتمعين اقتراح روسي يقضي بتعيين خمسة نواب للرئيس السوري من شخصيات من المعارضة والنظام، يكونون بمثابة مجلس رئاسي، ويكون بيد هذا المجلس كل السلطات، لكن المشكلة بالنسبة للمعارضة أن الرئيس هو الذي سيقود هذا المجلس، وسيبقى متحكما به ولا ضمانة من أن ينقلب عليه بعد ترويض المعارضة.

وتم كذلك تسريب أنباء عن اجتماعات سرّية على هامش المؤتمر بين مسؤولين روس وأميركيين، قيل إنهم يضعون إعلان مبادئ دستورية مؤقتة، يليها توزيع السلطات في سوريا على مبدأ المحاصصة السياسية وفق النموذج العراقي واللبناني، وهذا المبدأ مرفوض من المعارضة لأن هذه النماذج التي يتم بحثها ولّدت دولا شبه فاشلة تعيش حربا أهلية أو على حافة حرب أهلية.

خيارات المعارضة

قرّرت المعارضة تأجيل المفاوضات إلى حين تنفيذ النظام للشروط الإنسانية التمهيدية الإلزامية ومن بينها الالتزام بالهدنة، وشدّدت على ضرورة التزام المبعوث الأممي ووفد النظام بما عُقد المؤتمر على أساسه وهو تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة، وأضافت شرط ألّا يكون للأسد أّي دور فيها ولا بعدها.

ولقي قرار المعارضة تأجيل المفاوضات تأييدا من القوى المسلحة والسياسية، التي شددت على أن الحل في سوريا لا يقوم على تقاسم السلطة وإنما بالانتقال الجذري إلى نظام سياسي ديمقراطي جديد. ويرى المعارض السوري منذر آقبيق أن المعارضة لا تمتلك خيارات كثيرة، قائلا في تصريحات لـ”العرب” إنه “في الحقيقة لا توجد بدائل لدى المعارضة، الرعاة الدوليون وعلى الأخص موسكو وواشنطن سوف يستمرون بالضغط من أجل استمرار العملية السياسية في جنيف، حتى لو طال أمدها، والضغط سوف يكون على رعاة المعارضة الإقليميين أيضا لإقناعهم بعدم انسحاب وفد المعارضة”.

المعارض لؤي صافي يرى أن خيارات المعارضة تكمن في استمرار تداعيات الصراع على المنظومة الإقليمية والدولية، وقال لـ”العرب” مبينا “يترك الموقف الدولي المعارضة السورية والممثلة على المستوى الدولي بالهيئة العليا للمفاوضات أمام الخيار الصعب والوحيد وهو الإصرار على رحيل الأسد في ظروف دولية وإقليمية غير مواتية، هذا بطبيعة الحال لا يعني أن خيار المعارضة غير مؤثر على الحالة السورية، ولكنه يعني بالتأكيد استمرار الحرب التي أعلنها النظام وحلفاؤه على الشعب السوري”.

في ظل هذا التعقيد، يعقد البعض من السوريين أملا على مباحثات تجري بعيدا عن الإعلام بين المسؤولين الأميركيين والروس، فإن نجحت واشنطن في إعطاء صلاحيات واسعة لهيئة الحكم الانتقالية وعلى رأسها صلاحيات الجيش والأمن، فإن هذا قد يكون مدخلا لحل الأزمة السورية، أما إن أصرّت روسيا على إبقاء هذين الجهازين العسكريين ضمن صلاحيات الأسد فإن الأزمة لن تجد لها حلا مهما كانت الصلاحيات الأخرى الممنوحة لهيئة الحكم الانتقالية.

الأمل بتوافق روسي أميركي

رغم قناعته بأن روسيا تطرح حلولا ترضي النظام إلا أن منذر آقبيق يعتقد بأنها قد توافق على حلول غير تلك في ما لو كانت الولايات المتحدة جدّية في موقفها، وقال “تحاول روسيا طرح حلول أقل بكثير من تغيير النظام، أو الانتقال السياسي نحو هيئة حاكمة انتقالية تُمارس صلاحيات تنفيذية كاملة دون الأسد وأعوانه. أما إذا كان الأسد جزءا من الهيئة الانتقالية، كرئيس بصلاحيات محدودة مثلا، فإن روسيا سوف توافق على مثل ذلك الطرح”.

لكنه يضيف مؤكّدا أن “المعارضة لن توافق عليه، أما الولايات المتحدة فلديها الرغبة في استمرار المفاوضات في جنيف، تزامنا مع استمرار مشاوراتها مع موسكو ومحاولة الوصول إلى تفاهمات وتوافقات لم يتمّ الوصول إليها حتى الآن حول تفاصيل الانتقال السياسي ودور الأسد فيه”.

لؤي صافي كان أكثر تشاؤما وأكّد أن موقف الولايات المتحدة الأميركية بات أكثر قربا من موقف روسيا، وقال لـ”العرب” إن “مواقف وتصريحات دي مستورا تعكس الموقف الدولي وتدور حول نقاط الإجماع للقوى الدولية المؤثرة في الملف السوري.

الموقف الأميركي تغير بالتدريج من موقف داعم للعملية الانتقالية إلى آخر أقرب للموقف الروسي الداعم للنظام، وهذا التغيير يتعلق شكليا بتزايد نفوذ داعش، ولكنه يرتبط بالدرجة الأولى برفض الغرب لأي تغيير سياسي لا يلتزم بقواعد الليبرالية الحاكمة في الدول الغربية”.

لا أحد يعرف إن كانت كل المقترحات المفاجئة المتتالية التي شهدتها الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف هي خطط جدّية بالفعل أم مجرد جسّ نبض لأطراف الصراع في سوريا، لكن في حال كانت جدّية، فإن تمريرها يتوقف على قدرة موسكو وواشنطن على الضغط على طرفي الصراع في سوريا لقبولها، وعلى قدرتهما على إقناع الأطراف الإقليمية بأن الحد الأدنى من مصالحها سيؤمّن.

لكن يبقى السؤال الأساسي قائما لدى السوريين وهو هل روسيا والولايات المتحدة الأميركية تريدان بالفعل إنهاء الأزمة السورية أم لا؟

باسم العودات

صحيفة العرب اللندنية