تحسباً من تطور السلبي للأزمة السياسية في العراق على خلفية تداعيات التي شهدها العراق من جراء طلب رئيس الوزراء حيدر العبادي من مجلس النواب بتفويضه في تشكيل حكومة تكنوقراط، إذ أصدر السيد مقتدى الصدر اليوم الأربعاء، بياناً لاحتواء الأزمة السياسية، أمر في الفقرة الثالثة من البيان كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري في الآتي:” انسحاب النواب الوطنيين الأخيار من الاعتصام داخل البرلمان وعدم انخراطهم بالمهاترات السياسية بل وتجميد كتلة الأحرار لحين انعقاد جلسة للتصويت على الكابينة الوزارية الموسومة بالتكنوقراط المستقل وباقي الدرجات الوظيفية الأخرى”. وبمجرد صدور هذا البيان انسحب نواب كتلة الأحرار من قبة مجلس النواب العراقي، ولم يتبق سوى أعضاء كتلة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وعدد من النواب المنفردين،وبانسحاب الصدريين من الاعتصام سيغدو من المستحيل على المعتصمين تحقيق النصاب الذي يطمحون من خلاله لانتخاب رئيس مجلس النواب العراقي بدلا من سليم الجبوري، وعقد جلسة يتم خلالها التصويت على حكومة تكنوقراط بالشكل الذي يرتضيه عدد من قادة التيارات السياسية الواقفة خلف الاعتصام.
وبهذا الانهاء للاعتصام، سيتفرّغ السيد مقتدى الصدر مجدّدا لتطويق الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في الشارع. فقد طالب السيد مقتدى الصدر في الفقرة الأولى من البيان أنصاره “الاستمرار بالاحتجاجات السلمية وبنفس عنفوانها بل ما يزيد عن ذلك لكي تكون ورقة ضاغطة على السياسيين ومحبي الفساد والمحاصصة الطائفية والسياسية البغيضة وبصورة منظمة وبأوامر مركزية”. مشدداً على أنه “لا يحق لأي جهة منع ذلك. وإلا فإن الثورة ستتحول إلى وجه آخر”. كما دعا السيد مقتدى الصدر في هذا البيان في الفقرة الثانية منه إلى تشكيل ائتلاف شعبي موحد من الوطنيين العراقيين بينما دعا في الفقرة الرابعة من البيان إلى عدم الاعتداء على سفارات الدول المتواجدة على أرض العراق، وطالب منظمة المؤتمر الإسلامي وهيئة الأمم المتحدة التدخل من أجل إخراج الشعب العراقي من محنته وتصحيح العملية السياسية في العراق.
وتكمن دوافع السيد مقتدى الصدر في اصدار هذا البيان وفق منطوقه أولاً: الحفاظ على الثورة الشعبية العراقية وربيعها العراقي العربي الاسلامي الوضاء إذ يرى أن هناك الكثير من السياسيين يحاولون أن يحرفوا الورة الشعبية العراقية الأصيلة عن مسارها الذي خط لها. وتحويلها بشتى الطرق إلى نزاعات سياسية برلمانية من أجل الإبقاء على مكتسباتهم الضيقة. ثانيا: يأتي هذا البيان في هذا التوقيت لقطع الطريق على محاولات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الانتقام ممن أزالوا “الولاية الثالثة” وهي إشارة إلى نوري المالكي الذي كان يسعى في الحفاظ على منصبه كرئيس مجلس الوزراء العراقي للمرة الثالثة لكن ظهور المفاجيء لتنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش” في حزيران/يونيو عام 2014م، عجّل من رحيله بناءا على تفاهمات أمريكية إيرانية بهذا الصدد والاتفاق بينهما على شخصية حيدر العبادي كخلفاً له.
إذ يمثّل إفشال اعتصام مجلس النواب ضربة مباشرة لزعيم حزب الدعوة جناح نوري المالكي الذي برز نواب من كتلته دولة القانون وأقارب له في قيادة الاعتصام المذكور، في ظاهرة فسّرت برغبة نوري المالكي في الاستيلاء على مجلس النواب بالكامل واستخدامه منصّة للإطاحة بخلفه على رأس الحكومة حيدر العبادي وتعيين بديل عنه، ومن ثمّ تنصيب كابينة وزارية موالية له تضمن مكانته في السلطة وتحميه من المحاسبة في قضايا فساد كبيرة متراكمة على مدى فترتيه على رأس الحكومة بين سنتي 2006 و2014.
ونظراً لأهمية هذا البيان الذي عمل على احتواء الأزمة داخل مجلس النواب العراقي التي كان من شأنها أن تتمدد خارجه، سارع مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية إلى استطلاع آراء النخبة الأكاديمية والمثقفة العراقية للوقوف على رأيها خاصة فيما يتعلق بالأمر الذي أصدره السيد مقتدى الصدر لكتلة الأحرار النيابية بفض اعتصامها داخل مجلس النواب، إذ انقسمت هذه النخبة من زاوية النظر إليه إلى رأيان:
الأول: يرى بأمر فض الاعتصام بأنها مسألة وطنية إذ غلّب السيد مقتدى الصدر المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة، وأنه قرار عراقي خالص لا وجود لأي تأثير خارجي عليه. فأنصار هذا الرأي يرون بأمر فض الاعتصام جاء بالوقت المناسب خشية من تفجر الأوضاع في العراق. كما لا يعتبرون فضه إحراجاً لكتلة الأحرار النيابية التي أكدت على عدم فض اعتصامها قبل الوصول إلى أهدافها، فهم يرون بهذا الموقف قمة الإيثار من قبل كتلة الأحرار.
الثاني: يرى بأمر فض الاعتصام جاء استجابة للضغوط التي مورست على السيد مقتدى الصدر من قبل بعض الدول الإقليمية، خشية أن بؤدي هذا الاعتصام إلى تفجر الصراعات السياسية والطائفية والقومية داخل المجتمع العراقي، لذلك ضغطت تلك الدول في اتجاه فض الاعتصام.
في الختام لا يكمن حل الأزمة السياسية الراهنة في العراق على فض اعتصام هذا التكتل أو ذاك، كما لا يمكن بمجرد تشكيل حكومة تكنوقراط من عدمها، فالأزمة في العراق عميقة جدا، وما فض الاعتصام إلا مُسكن لمرض مستعصي اسمه المحاصصه الطائفية والقومية. وبعد فض الاعتصام يمكن القول أن مجلس النواب العراقي انقسم بين كتلتين الأولى تمثل الشرعية السياسية وتضم ما يقرب من 200 نائب عراقي، أما الثانية وتمثل كتلة المعتصمين الذين يبلغ عددهم 80 نائب تضم جناح نوري المالكي من حزب الدعوة وكتلة إياد علاوي وبعض النواب المستقلين. بحيث لن تؤثر هذه الكتلة على قوة كتلة الشرعية السياسية. وأمام هذا الانقسام يبدو أن تحالفات داخل مجلس النواب العراقي ستبنى على اعتبارات مصلحية ولن تبنى على حسابات ضيقة، وهذا ما سوف تبرهن المرحلة القادمة عليه، فأيام العراق حُبلى بالأحداث.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية