بعد أن ظهر أن المفاوضات السورية تتقدّم، لأن روسيا باتت معنية بالوصول إلى حل، بعد أن سرّبت إمكانية التخلي عن بشار الأسد، وسحب جزء من قواتها، وأن أميركا باتت تشدّد على تحقيق الحل على ضوء أزمة اللاجئين التي أوجدت مشكلة في أوروبا. الأمر الذي كان يشير إلى توافق أميركي روسي، ينطلق من تشكيل “هيئة حكم انتقالي” من دون بشار الأسد، حيث باتت المسألة الأولى في المفاوضات. بعد ذلك، وصلنا إلى وضعٍ يشير إلى تراجع المفاوضات، واحتمالات العودة إلى الحرب، على الرغم من أن أشكالاً من الحرب ظلت قائمة من النظام وروسيا. فقد أرسل النظام الإيراني قوات من جيشه علناً، ليعزز جبهة حلب، كما جرت الإشارة، وتحدث النظام عن حسم السيطرة على حلب، مؤكداً أن ذلك تمّ بالتوافق مع روسيا. وأصبح الأمر يتعلق بقضم المناطق واحدة وأخرى، تحت مسمى وقف إطلاق النار الذي لم يتوقف أبداً. وهذا يشير إلى أن الحسم العسكري ما يزال هدف النظام وإيران، وأن المفاوضات هي فقط لاستقطاع الوقت والتغطية على الدور العسكري.
كما عادت روسيا تماطل، وتصرّ على “انتقال شرعي” في السلطة، أي أن يتحقق ذلك من خلال الدستور الحالي. وبهذا، وجدت أن في الدستور ليس هناك نص يقول بتأسيس “هيئة حكم انتقالية”. بالتالي، لا بد من البدء بالدستور. وأخذت تميل إلى تشكيل “حكومة وحدة وطنية”، كما كانت تكرّر منذ البدء، وهدّدت باستجلاب وفد تفاوضي، يمثل “المعارضة”، صنعته في قاعدة حميميم العسكرية، وبإعادة إحياء الحديث عن دور مؤتمري موسكو والقاهرة بوصفهما يمثلان معارضة.
يعني ذلك كله أن المسألة الجوهرية لم تُلمس بعد، فروسيا تنطلق من “شرعية النظام”، وتُقرّ بأنه “منتخب شعبياً”، وأن الدستور القائم أُقرّ في انتخابات “شرعية”. وهي، بالطبع، ترفض أن ثورة نشبت، وأن “الشعب يريد إسقاط النظام”، فهي ترتعد من ثورةٍ في روسيا، وككل إمبريالية ترفض حق الشعوب في الثورة. لكن، حدثت في سورية ثورة، أسقطت شرعية النظام. بالتالي، لم يعد ممكناً استمراره. وأنهت الثورة شرعية كل النظم التي حدثت فيها، وحتى النظم العربية التي لم تشهد ثوراتٍ، حيث ظهر أن الشعب يريد التغيير. ولا يغيّر في ذلك كل مواقف النظم الإقليمية والدول الإمبريالية.
فـ “شرعية” النظام قامت على القوة، من خلال السطوة الأمنية والسيطرة على كل مجالات المجتمع. وإذا كان ذلك مقبولاً شعبياً، في الفترة الأولى من حكم البعث، نتيجة ما حقق من تغييرات، فقد أدى النهب المتسارع للمجتمع إلى أن تصبح القوة “الأساس الشرعي” للنظام، بعد أن أقامت السلطة قوة أمنية كبيرة، وسيطرت على الجيش والنقابات والهيئات والمدارس والجامعات. ولم تكن هذه “الشرعية” نابعةً من دستور أو انتخابات، التي كانت النتيجة المنطقية للسطوة الأمنية، والشكل الذي تظهر السلطة فيه، ربما لكي تخفي السطوة الأمنية. وكان الحزب الذي “يقود الدولة والمجتمع” الشكل الذي يُراد منه إخفاء ذلك كله.
فالانتخابات هي الإطار الصوري لأشخاص معينين مسبقاً من الأجهزة الأمنية، فالأمن هو الذي يختار أعضاء “مجلس الشعب”، وكانت نسبة المشاركة في التصويت هزيلة دائماً، وهذا ما أشارت إليه جريدة الأخبار التابعة للنظام في الانتخابات أخيراً، وفي انتخابات سابقة. وأشارت جريدة الأخبار كذلك إلى نسبة التصويت على تعديل الدستور سنة 2012، حيث كانت المشاركة هزيلة. يعني أن نسبة من يشارك في التصويت هامشية لا تسمح بإعطاء شرعية للنظام. بالتالي، لا الدستور الذي يكرّس سلطة مطلقة لـ “الرئيس”، ولا مجلس الشعب، يعطيان شرعية للنظام الذي يقيم شرعيته على القوة، القوة فقط هي أساس شرعيته.
لهذا، حين تراجعت قوته نتيجة الثورة، استعان بحزب الله والمليشيا الطائفية العراقية وغيرها، وعلى الحرس الثوري الإيراني، ثم على الجيش الإيراني، وكذلك على القوة الروسية. لكن ذلك كله من دون جدوى، فسيسقط. لم تكن الثورة قادرة على إسقاط النظام، نتيجة عفويتها وكل التدخلات الإقليمية والعالمية، لكنها لا تسمح بالوصول إلى حلٍّ يبقي بشار الأسد ومجموعته. هذا أساس كل تفاوض.
كما عادت روسيا تماطل، وتصرّ على “انتقال شرعي” في السلطة، أي أن يتحقق ذلك من خلال الدستور الحالي. وبهذا، وجدت أن في الدستور ليس هناك نص يقول بتأسيس “هيئة حكم انتقالية”. بالتالي، لا بد من البدء بالدستور. وأخذت تميل إلى تشكيل “حكومة وحدة وطنية”، كما كانت تكرّر منذ البدء، وهدّدت باستجلاب وفد تفاوضي، يمثل “المعارضة”، صنعته في قاعدة حميميم العسكرية، وبإعادة إحياء الحديث عن دور مؤتمري موسكو والقاهرة بوصفهما يمثلان معارضة.
يعني ذلك كله أن المسألة الجوهرية لم تُلمس بعد، فروسيا تنطلق من “شرعية النظام”، وتُقرّ بأنه “منتخب شعبياً”، وأن الدستور القائم أُقرّ في انتخابات “شرعية”. وهي، بالطبع، ترفض أن ثورة نشبت، وأن “الشعب يريد إسقاط النظام”، فهي ترتعد من ثورةٍ في روسيا، وككل إمبريالية ترفض حق الشعوب في الثورة. لكن، حدثت في سورية ثورة، أسقطت شرعية النظام. بالتالي، لم يعد ممكناً استمراره. وأنهت الثورة شرعية كل النظم التي حدثت فيها، وحتى النظم العربية التي لم تشهد ثوراتٍ، حيث ظهر أن الشعب يريد التغيير. ولا يغيّر في ذلك كل مواقف النظم الإقليمية والدول الإمبريالية.
فـ “شرعية” النظام قامت على القوة، من خلال السطوة الأمنية والسيطرة على كل مجالات المجتمع. وإذا كان ذلك مقبولاً شعبياً، في الفترة الأولى من حكم البعث، نتيجة ما حقق من تغييرات، فقد أدى النهب المتسارع للمجتمع إلى أن تصبح القوة “الأساس الشرعي” للنظام، بعد أن أقامت السلطة قوة أمنية كبيرة، وسيطرت على الجيش والنقابات والهيئات والمدارس والجامعات. ولم تكن هذه “الشرعية” نابعةً من دستور أو انتخابات، التي كانت النتيجة المنطقية للسطوة الأمنية، والشكل الذي تظهر السلطة فيه، ربما لكي تخفي السطوة الأمنية. وكان الحزب الذي “يقود الدولة والمجتمع” الشكل الذي يُراد منه إخفاء ذلك كله.
فالانتخابات هي الإطار الصوري لأشخاص معينين مسبقاً من الأجهزة الأمنية، فالأمن هو الذي يختار أعضاء “مجلس الشعب”، وكانت نسبة المشاركة في التصويت هزيلة دائماً، وهذا ما أشارت إليه جريدة الأخبار التابعة للنظام في الانتخابات أخيراً، وفي انتخابات سابقة. وأشارت جريدة الأخبار كذلك إلى نسبة التصويت على تعديل الدستور سنة 2012، حيث كانت المشاركة هزيلة. يعني أن نسبة من يشارك في التصويت هامشية لا تسمح بإعطاء شرعية للنظام. بالتالي، لا الدستور الذي يكرّس سلطة مطلقة لـ “الرئيس”، ولا مجلس الشعب، يعطيان شرعية للنظام الذي يقيم شرعيته على القوة، القوة فقط هي أساس شرعيته.
لهذا، حين تراجعت قوته نتيجة الثورة، استعان بحزب الله والمليشيا الطائفية العراقية وغيرها، وعلى الحرس الثوري الإيراني، ثم على الجيش الإيراني، وكذلك على القوة الروسية. لكن ذلك كله من دون جدوى، فسيسقط. لم تكن الثورة قادرة على إسقاط النظام، نتيجة عفويتها وكل التدخلات الإقليمية والعالمية، لكنها لا تسمح بالوصول إلى حلٍّ يبقي بشار الأسد ومجموعته. هذا أساس كل تفاوض.
سلامة كيلة
صحيفة العربي الجديد