الجولان المحتل ورسائل نتنياهو

الجولان المحتل ورسائل نتنياهو

580

في خطوة غير مسبوقة منذ احتلال مرتفعات الجولان عام 1967 ومن ثم ضمه إلى الكيان الإسرائيلي عام 1981، أعلن بنيامين نتنياهورسميا اعتبار الجولان جزءا لا يتجزأ من “أرض إسرائيل“.

قرار الإعلان يحمل في طياته الكثير من المضامين السياسية، إن على مستوى التوقيت أو على مستوى الطريقة التي تم بها، وليس له أية أبعاد عسكرية كما تحاول حكومة نتنياهو الترويج له، من حيث المخاطر التي تتعرض لها من الأراضي السورية المحيطة بالجولان نتيجة انتشار “متشددين إسلاميين”.
استحضار إعلامي
لم يكن إعلان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اعتبار الجولان جزءا أساسيا من “أرض الدولة الإسرائيلية” مفاجئا من حيث المبدأ، فالمرتفعات بحكم الأمر الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية وتخضع للسياسة الاستيطانية كما الضفة الغربية وإن بمستويات أقل، ومحاولات إسرائيل منذ سنوات بشكل عام وخلال الأشهر السابقة بشكل خاص واضحة في تثبيت السيادة على الجولان، وكان آخرها إعلان مؤسسة “الصندوق الدائم لإسرائيل” مشروع توسيع للمستوطنات في الجولان، عبر إقامة 19 حيا استيطانيا لـ1500 عائلة.

“كان يمكن لإسرائيل ترسيخ الأمر الواقع في الجولان بالتدريج من خلال تفاهمات دولية في السر، أو عبر محاولة خلق ترتيبات جديدة تدريجيا كما هو الحال في الضفة الغربية حيث الانتشار الاستيطاني يفرض تدريجيا معادلة جديدة للتسوية”

لكن المفاجأة كانت في توقيت الإعلان (عيد الجلاء السوري) والطريقة تمت بها من حيث الدراما السياسية التي يمكن وصفها بأنها أعلى مراحل الحضور الإعلامي (عقد الاجتماع على إحدى التلال ثم جلسة في الهواء تطل على بحيرة طبريا)، والإعلان من هنالك أن الجولان كان في الماضي جزءا من أرض “إسرائيل” وسيبقى بيدها إلى الأبد.

كان يمكن لـ “إسرائيل” ترسيخ الواقع القائم أصلا بالتدريج من خلال تفاهمات دولية في السر، أو عبر محاولة خلق ترتيبات جديدة تدريجيا كما هو الحال في الضفة الغربية طوال السنوات الطويلة الماضية، حيث الانتشار الاستيطاني يتم تدريجيا إلى أن تحول إلى واقع فرض معادلة جديدة للتسوية.

وإذا كان الواقع في الضفة الغربية فرض على الاحتلال تثبيت الأمر الواقع تدريجيا قبيل الإعلان رسميا عن ضم أجزاء من أراضيها إلى “الدولة الإسرائيلية”، فإن الوقائع في سوريا فرضت عكس ذلك، فالدولة السورية ذات القوة السيادية لم يعد لها وجود بالمعني الإستراتيجي، ولم تعد قادرة على حماية سوى بضع مناطق متفرقة من أراضيها، والوحدة الخاصة التابعة للجيش غادرت مواقعها الأخيرة في جبل الشيخ منذ فترة، في مؤشر على الاستنزاف البشري الهائل للجيش والقوات الموالية للنظام، وبقايا الأسلحة استولت عليها فصائل مسلحة، فضلا عن إزالة النظام لكل المواقع والتحصينات العسكرية في محيط القنيطرة التي كانت موجودة لمواجهة احتمال أي حرب مع إسرائيل، وهذه فرصة تاريخية للاحتلال لا بد من استثمارها.

لكن، لماذا الآن وفي هذا العام تحديدا؟ الجواب هو أن المناخ السياسي في سوريا بدأ بالاكتمال بعدما اكتمل المشهد الميداني، وتوضحت مآلات الدولة السورية المستقبلية، ولم يبق أمام “إسرائيل” سوى فرض الأمر الواقع ليس على حكام دمشق، فهم أصبحوا خارج المفكر فيه لدى المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية بعدما أصبحت الدولة السورية مستمرة بفعل العطالة الدولية، وإنما على المجتمع الدوليوخصوصا الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي.

مفاوضات جنيف
دخلت التسوية السياسية السورية في جنيف مراحلها الأخيرة، ويبدو أن نتنياهو مدرك لحقيقة أن التسوية ستتم خلال المرحلة المقبلة، وأن سوريا مقبلة أيضا على نظام سياسي ودستوري جديد.

وعليه، فإن الفرصة الآن مواتية لإعلان الجولان أرضا إسرائيلية، وهي فرصة أيضا لحلفاء الكيان الإسرائيلي الدوليين لممارسة الضغوط على الطرفين السوريين المفاوضين الضعيفين لانتزاع تنازلات ما كانت ممكنة قبل عام 2011، وقد برزت ملامح هذا الضغط قبل شهر مع البند الأول من وثيقة دي ميستورا ذات الـ 12 بندا، حيث اختتم البند الأول بـ”… كما أنها بوصفها عضوا من الأعضاء المؤسسين في الأمم المتحدة، ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة وبمقاصده ومبادئه، وما زال الشعب السوري ملتزما بأن يستعيد مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية”.

“ليس صدفة أن يأتي إعلان نتنياهو المتعلق بمصير الجولان المحتل قبيل أيام من زيارته موسكو التي تعتبر أحد أهم الفاعلين في الأزمة السورية، والتفاهم معها حيال هذه المسألة أهم بكثير من التفاهم مع الولايات المتحدة”

ولما كانت الوسائل السلمية لاستعادة الجولان مستحيلة بسبب الرفض الإسرائيلي، فإن استعادتها عسكريا أصبحت أيضا مستحيلة بسبب الرفض الدولي، ولأن السلاح ذاته والقدرة على حمله ضد الاحتلال لم تعد موجودة في سوريا، فلن يكون أمام السوريين سوى الوسائل السياسية، ولذلك كان لا بد من قطع الطريق على أية محاولة مستقبلية وتثبيت الأمر الواقع.

وليس صدفة أن يأتي إعلان نتنياهو قبيل أيام من زيارته موسكو التي تعتبر أحد أهم الفاعلين في الأزمة السورية، والتفاهم معها حيال هذه المسألة أهم بكثير من التفاهم مع الولايات المتحدة.

يريد نتنياهو إيصال رسالة سياسية لصناع القرار في موسكو من شقين: الأول أن نتنياهو يعترض على التفاهمات الأميركية الروسية التي تمت مؤخرا وعبر عنها القرار الدولي 2254 ومن ثم وثيقة دي ميستورا في اعتبار الجولان أرضا سورية، وبحسب مراقبين ووسائل إعلام عبرية فقد صدم القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون من وجود تنسيق بين موسكو وواشنطن أوباما على دعم خطة تقضي بعودة الجولان للسيطرة السورية مجددا، والثاني تطمين موسكو وربما دمشق بمستوى أقل أن “إسرائيل” تستطيع المساعدة في إبقاء منظومة حكم النظام السوري إن قبل الوقائع الإسرائيلية الجديدة في الجولان.

والغريب في الأمر أنه لم يصدر موقف روسي من ذلك، فضلا عن أن موقف النظام السوري ذاته جاء على مستوى متدن لا يرقى إلى مستوى الحدث، فقد جاء رد النظام على لسان فيصل مقداد نائب وزير الخارجية، وكان رده ركيكا يعكس حجم الأزمة الكبيرة في النظام.

مفصل تاريخي
توقفت المفاوضات السلمية بين سوريا وإسرائيل في مفاوضات شيبرزتاون عام 2000 بسبب رفض سوريا احتفاظ إسرائيل بالضفة الشرقية لهضبة الجولان، ثم ما لبثت العملية السلمية بينهما أن دخلت في سبات مطبق مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

رفضت سوريا في البداية الشروط الإسرائيلية، لكن تحت ضغط الوقائع السياسية الجديدة في العراق أعلنت في منتصف 2003 رغبتها في استئناف العملية السلمية مع إسرائيل. موقف فسر أميركيا وإسرائيليا بأنه تعبير عن حالة ضعف تعتري النظام في سوريا، أو محاولة للهروب من عنق الزجاجة بفعل الضغوط الأميركية الكبيرة على دمشق من أجل تغيير سياستها الإقليمية.

“منذ 2006 بدأ تغير يطرأ في منظومة الفهم الإسرائيلية حيال التسوية مع سوريا، ذلك أن السلام معها يجب أن لا يقتصر على استعادة الجولان، وإنما إجراء تفاهم حول جوهر سياستها في المنطقة وطبيعة تحالفاتها”

استمر الغزل بين الجانبين طوال عامي 2003 و 2004، فالأسد يقبل التفاوض دون شروط مسبقة، وشارون يعلن استعداده للتفاوض حول الجولان.

استمرت الرسائل السلمية السورية حتى وضعت الحرب الإسرائيلية على لبنان أوزارها عام 2006، حرب وجدت فيها دمشق انتصارا لها ولخط المقاومة، فبدأ خطابها السياسي بالتشدد نحو إسرائيل والولايات المتحدة، حيث أعلنت في سابقة فريدة من نوعها في تاريخ السياسية السورية الحديثة أن سوريا ستلجأ إلى الحرب إذا لم تستجب إسرائيل للدعوات السلمية.

ومنذ 2006 بدأ تغير يطرأ في منظومة الفهم الإسرائيلية حيال التسوية مع سوريا، ذلك أن السلام معها يجب أن لا يقتصر على استعادة الجولان، وإنما إجراء تفاهم حول جوهر سياستها في المنطقة وطبيعة تحالفاتها.

فقبل 2006 كانت الشروط الإسرائيلية من سوريا مرتبطة بقضية الجولان وحدها (بضعة أمتار، المياه، الإنذار المبكر.. إلخ)، لكن بعد ذلك اتسعت المطالب الإسرائيلية الأميركية لتشمل المستوى الإقليمي.

وكشفت حرب يوليو/تموز اللبنانية لصناع القرار الإسرائيلي أن توقعاتها السابقة ليست صحيحة، في أن السلام مع سوريا سيبعدها عن إيران، وسيخفف من علاقتها مع حزب الله، وسيضعف موقف الفصائل الفلسطينية في غزة.

ومنذ ذلك التاريخ بدأت الحكومات الإسرائيلية عمليات تطوير في الجولان وتوسيع في المستوطنات، لتحقيق هدفين: الأول تعزيز تبعية المنطقة لإسرائيل واستنزاف ثرواتها، والثاني جعل تكلفة التنازل عنها باهظة بالنسبة لسوريا.

حسين عبدالعزيز
الجزيرة نت