كَثُرَ الحديث عن تحرير الموصل، وادعت أطراف عراقية كثيرة نيتها تحرير الموصل، وإعداد العدة لذلك، من تجهيزات عسكرية وتحشيد للمقاتلين.
صرح رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أكثر من مرة عن قرب تحرير مدينة الموصل، وأنه أرسل القطعات العسكرية اللازمة للقيام بالمهمة، ودافع بقوة عن نيته إشراك الحشد الشعبي (الشيعي) بمعارك تحرير الموصل، الأمر الذي يلاقي رفضاً من السنة والأكراد، ومن خلفهما الولايات المتحدة.
إلا إن التصريحات الأميركية تختلف كثيراً عن تصريحات الحكومة العراقية والمليشيات التابعة لها، حيث قال وزير الدفاع الأميركي: “إنَّ تصريحات الحكومة العراقية بقرب تحرير الموصل متفائلة جداً”، مضيفا “لا نتوقع تحرير الموصل قبل انتهاء العام الحالي”.
حرَّكت الحكومة العراقية قواتها وميلشياتها، وبدفع قوي من إيران، للهجوم على تنظيم داعش في القرى التي يتمركز فيها في جنوب الموصل، تمهيداً للهجوم على مركز الموصل، حسب ادعاءات الحكومة. لكن نتائج هذا الهجوم كانت كارثية على القوات الحكومية التي خسرت جنوداً كثيرين، وفقدت أعتدة وأسلحة كثيرة غنمها تنظيم داعش، وشَهِدَ الهجوم المضاد الذي قامت به داعش على القوات الحكومية، هروب الفرقة 15 من ساحة المعركة، الأمر الذي يلقي بظلال الشك حول قدرة هذا الجيش على حسم معارك تحرير الموصل.
شهدت تلك المعارك ضربة جوية أميركية بالخطأ! حسب التصريحات المعلنة، راح ضحيتها 17 قتيل من الحشد الشيعي، ما يذكّرنا بالضربات الجوية التي حدثت بالخطأ أيضاً، لأفراد الحشد الشيعي، قبيل معارك تحرير الرمادي، عندما لم يستجب الحشد الشعبي حينها للتحذيرات الأميركية بعدم الاشتراك في معارك تحرير الرمادي. وبعد ذلك، تم سحب تلك القوات مرغمةً من معارك تحرير الرمادي، واقتصرت على الجيش العراقي وقوات العشائر السنية. وفي الحالتين (معارك الرمادي والموصل) كان هناك رفض أميركي ضد تدخل قوات الحشد الشيعي في تلك المعارك، وعندما كان يصر الطرف الشيعي على التدخل بتلك المعارك، يكون الرد الأميركي حاسماً وعسكرياً.
وعلى الرغم من أن المعارك الأخيرة التي خاضها الجيش العراقي والميليشيات المتجحفلة معه على القرى الموصلية، كان لها دعم جوي أميركي، إلا أنها ليست بالحجم الكافي الذي يحسم المعركة لصالح الحكومة العراقية. بل ربما كان الدعم الجوي الأميركي لمراقبة سير المعركة، ولكي تتدخل في الوقت المناسب، وهذا ما حدث بالفعل، عندما ضرب الطيران الأميركي قوات الحشد.
والواضح أن أميركا، وحسب تصريحات مسؤوليها، وكذلك المعطيات على الأرض ليس لديها النية الآن لتحرير الموصل، وذلك للوصول إلى نهاية الترتيبات التي تعدُها لمستقبل المنطقة، ومن أهمها تهيئة القوة العربية السنية العراقية لمسك الأرض، ومن ثم تشكيل الأقاليم الثلاثة التي تريدها أميركا في العراق من خلال نظام حكم فيدرالي.
تحاول أميركا أن ترجع بقوة إلى العراق، وتسترجع نفوذها الذي خسرته لصالح إيران، وما التحشيد العسكري الأميركي الحالي، وإنشاء القاعدة العسكرية الثانية في العراق، ووصول طائرات بي52 إلى قطر، ونشر الطائرات من طراز EA-6B في قاعدة أنجيرليك التركية، ونشر منظومة الدفاع الصاروخي في الخليج، إلا تمهيداً للرئيس الأميركي القادم الذي سوف تختلف أجندته السياسية الخارجية قطعاً عن الرئيس الحالي، فأيّاً كان الرئيس القادم، فلن يكون مثل أوباما، وسوف يحاول استعادة نفوذه الذي خسره في العراق وبكل قوة.
يجعل هذا الأمر إيران تسارع الخطى في محاولاتها لأخذ الأرض من داعش، قبل أن تقرّر أميركا أخذ الأرض وتسليمها للسنة، بسبب معرفتها حقيقة أن نجاح أميركا في مخططها للعراق، يعني تفرغها إيران وبمساندة التحالف الإسلامي لغرض تفكيكها إلى عدة أقاليم، أو دول صغيرة، تمسي بعدها إيران مقسمة، وتعاني من تفكك داخلي، مودعةً المرحلة التي كانت فيها الدولة الأولى في الإقليم.
من هنا، نفهم لماذا تحاول إيران وأذنابها في العراق الاستعجال ببدء معارك تحرير الموصل من داعش، ونفهم أيضاً لماذا تبوء تلك المعارك بالفشل، في كل مرة تحاول إيران، من خلال الحكومة العراقية والمليشيات التابعة لها، القيام بعمل عسكري حقيقي، ذلك لأن القرار الأميركي بذلك لم يتخذ بعد.
نظير الكندوري
صحيفة العربي الجديد