كانت الآمال معقودة على أن يوفر تقرير صندوق النقد الدولي بعنوان «آفاق الاقتصاد العالمي» الذي أطلقه أثناء اجتماعاته السنوية مع البنك الدولي في واشنطن في الفترة 12- 17 نيسان (أبريل) الماضي، جرعة من الأمل بتحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية. لكن ما جاء في التقرير وفي تقديمه يثبط عزائم رجال الأعمال والمستهلكين وصناع القرار وطموحاتهم، وبالتالي يزيد الاقتصاد العالمي هشاشة وتقهقراً. وجاء فيه «لا يزال التعافي العالمي مستمراً، لكنه يمضي بوتيرة تزداد تباطؤاً وهشاشة. فقد شهد الوضع منذ صدور العدد الأخير من تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، موجة جديدة من التقلب في أسواق الأصول العالمية وفقدان زخم النمو في الاقتصادات المتقدمة، واستمرار التداعيات المعاكسة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان المنخفضة الدخل. إضافة إلى ذلك، تتهدد النشاط الاقتصادي ضغوط ناشئة عن أسباب غير اقتصادية. ولا تفضي بنا هذه التطورات إلى إدخال خفوضات جديدة واسعة النطاق على توقعات السيناريو الأساسي للنمو الاقتصادي في 2016 و2017 وحسب، لكنها تشير أيضاً إلى وجود نتائج ممكنة خارج السيناريو الأساس، وهي أقل أيجابية وأقرب إحتمالاً.
ووفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي، يتوقع أن يبلغ معدل نمو الاقتصاد العالمي 3.2 في المئة و 3.5 في المئة عامي 2016 و2017 على التوالي. ومثل هذا النمو لا يرقى إلى معدل النمو الذي بلغ نحو 4.2 في المئة كمتوسط في فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية 1998 – 2007. ومعدل النمو المتوقع للاقتصاد العالمي هو محصلة نمو ضعيف للاقتصادات المتقدمة تقدر بنحو 1.9 في المئة و 2.0 في المئة لعامي 2016 و2017، مع نمو أكبر للاقتصادات الصاعدة والنامية يقدر بنحو 4.1 في المئة و4,6 للعامين المذكورين على التوالي مقارنة بمتوسط نمو بلغ 5.8 في المئة في الفترة 1998 – 2007.
السؤال الذي يطرحه كثيرون هو لماذا تفاقم ضعف نمو الاقتصاد العالمي منذ ستة أشهر، أي منذ اصدار تقرير الصندوق بعنوان «آفاق الاقتصاد العالمي» في تشرين الأول (أكتوبر) 2015؟ يبدو أن الجواب على هذا السؤال هو أن الطلب لا يزال ضعيفاً في بلدان عدة. ولمن لا يتذكر مكونات الطلب نقول إنها عبارة عن طلب محلي وطلب خارجي، ويتألف الأول من نفقات القطاع العام (الحكومة والشركات والمؤسسات الحكومية) ونفقات القطاع الخاص. والنفقات، سواء كانت قطاعاً عاماً أو خاصاً تتكون من نفقات الاستهلاك و نفقات الاستثمار. أما الطلب الخارجي فهو عبارة عن صادرات السلع والخدمات.
كيف نعرف أن الطلب المحلي ضعيف؟ المقاربة هنا تكون المقارنة بين الطلب والعرض من السلع والخدمات. فإن كان العرض المحلي أكبر يكون الطلب المحلي ضعيفاً. ويمكن أن نعرف أن الطلب ضعيف أو قوي من دون أن تتوافر بيانات عن العرض والطلب من خلال بيانات الاستثمار والادخار التي يوفرها تقرير الصندوق. فزيادة الادخار على الاستثمار تدل على ضعف الطلب.
ويفيدنا التقرير بأن الاقتصادات المتقدمة منذ العام 2012 كانت مدخراتها أكبر من استثماراتها، أي أن الاقتصادات المتقدمة كمجموعة عانت من نقص الطلب. ونلاحظ في هذا المجال أن الولايات المتحدة وبريطانيا حققتا عجزاً في المدخرات أي أن الاستثمارات كانت أعلى من المدخرات أي أنهما لا تعانيان من ضعف الطلب. والعكس هو الصحيح بالنسبة إلى كل من المانيا واسبانيا وإيطاليا واليابان وغيرها، حيث المدخرات أكبر من الاستثمارات، وبالتالي الطلب المحلي ضعيف في اقتصاداتهم. أما الاقتصادات الصاعدة والنامية كمجموعة، فإنها متوازنة تقريباً بين الادخار والاستثمار. ولكن هذا التوازن يخفي خللاً في مجموعات من الاقتصادات الصاعدة والنامية: فالاقتصادات الآسيوية تعاني نقص الادخارات، وضعف الطلب، وفي المقابل الاقتصادات الأوروبية واقتصادات أميركا الجنوبية الصاعدة والنامية تعاني أيضاً من نقص المدخرات ولا نقص في الطلب.
الاستثمار المقصود ومقارنته بالادخار هو الاستثمار المباشر الذي يخلق فرص عمل لاستيعاب العاطلين من العمل والشباب الداخلين إلى سوق العمل للمرة الأولى. فإذا كان الطلب ضعيفاً كما تشير بيانات الصندوق فكيف السبيل إلى تقوية الطلب؟ الجواب الذي عادة يقدمه طلاب الاقتصاد أو مدرسهم هو قيام القطاع الخاص أو العام بزيادة النفقات سواء كانت استهلاكية او استثمارية. فإذا كان القطاع الخاص لا يرغب أو غير قادر على زيادة النفقات لأنه لا يستطيع تمويلها فعلى الحكومة أن تقوم بذلك لزيادة الطلب. والحكومة قادرة أن تمول زيادة النفقات بالاقتراض من مصادر كثيرة أقلها كلفة على الاقتصاد هو الاقتراض المحلي بالعملة المحلية.
علي توفيق الصادق
صحيفة الحياة اللندنية