لا يبدو حزب الله اللبناني في أفضل حالاته هذه الأيام. وبالإضافة إلى الضغوطات السياسية المحلية، تستمر التوترات الإقليمية الكبرى بزعزعة حالة الاستقرار والقوة التي أظهرها هذا الحزب عبر السنوات الماضية.
ولم يكن تدخل الحزب في الشأن الداخلي السوري سوى بداية الأزمة بالنسبة له؛ حيث تبع خسارة جنوده ومقاتليه هناك في حرب لا يبدو لها نهاية في الأفق القريب
، تزايد الضغوط المالية على الداعم الإيراني، مما جعل بعض المحللين يتنبؤون بتعرض الحزب لحالة من التقشف. وأخيرًا، جاءت التأكيدات بشأن تعرض صفوف الحزب لاختراقات أمنية إسرائيلية استهدفت أعلى مستويات قيادته، لتجعل بعض المحللين يرجحون أن تماسك الحزب داخليًا قد تقهقر أمام خسائره على الأرض السورية.
توغل جواسيس إسرائيل
لقد كانت اعترافات نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، خلال مقابلة معه في عطلة نهاية الأسبوع، بأن الحزب “يقاتل الآن التجسس داخل صفوفه”، وأنه “كشف بعض الاختراقات الكبرى”، مذهلةً وفقًا لوصف صحيفة نيويورك تايمز. وبالنسبة للمحللين، وحتى بعض الموالين لحزب الله، جاءت هذه التصريحات لتؤكد تقارير إعلامية سابقة عن أن أحد كبار المسؤولين الأمنيين في الحزب كان يعمل جاسوسًا لصالح إسرائيل، وعطل سلسلة من مؤامرات الاغتيال في الخارج.
وكانت تقارير وسائل الإعلام اللبنانية والعربية قد رجحت بالاعتماد على مصادر لم تسمها، أن الجاسوس هو محمد شوربة، الرجل المكلف بالانتقام لاغتيال إسرائيل لعماد مغنية في عام 2008. وقالت هذه التقارير إن شوربة غذى إسرائيل بالمعلومات التي أدت إلى احباط خمس محاولات انتقام خطط لها.
وأضاف قاسم في تصريحاته على قناة نور، وهي محطة إذاعية تابعة لحزب الله، أن الحزب كان قادرًا على احتواء أي ضرر من أضرار التجسس.
وقالت النيويورك تايمز إن هذه ليست المرة الأولى التي يعترف بها حزب الله بوجود جواسيس في صفوفه. ولكن هذا الخرق، إذا ما تأكد وقوعه، يأتي في الوقت الذي نما فيه الحزب من خلية تركز حصرًا على محاربة إسرائيل، إلى خلية أرسلت الآلاف من مقاتليها الشيعة إلى سوريا لمنع الإطاحة بالحليف بشار الأسد من قبل المتمردين السنة.
وقالت رندة سليم، وهي محللة لبنانية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن تدخل الحزب في سوريا، بما يستدعيه هذا التدخل من أعباء لوجستية وقوى عاملة، ربما أدى إلى تخفيف تركيز كبار المسؤولين في الحزب على ردع التجسس الإسرائيلي. وأضافت إن الاختراق المفترض هو ضربة مباشرة “لصميم المقاومة التي يدعيها الحزب”.
تقشف مالي
ومع تراجع أسعار النفط العالمية، وضغط العقوبات النووية على الراعي الإيراني المضطر أيضًا لضخ مليارات الدولارات إلى النظام السوري، بات حزب الله يواجه عدوًا جديدًا، هو التقشف المالي، وفقًا لما قالته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور.
وأضافت الصحيفة أنه، وبينما يشدد سوء الوضع الاقتصادي في إيران، كان على حزب الله خفض رواتب موظفيه، تأجيل الدفعات للموردين، وخفض الرواتب الشهرية لحلفائه السياسيين في لبنان، وفقًا لما أفادت به مجموعة واسعة من المصادر السياسية والدبلوماسية في بيروت للصحيفة.
ولا تشكل هذه الصعوبات المالية تهديدًا مباشرًا لمكانة حزب الله السياسية والشعبية في لبنان، وفقًا للصحيفة. وعلاوةً على ذلك، يتم التحكم في تدفق السخاء الإيراني على الحزب من قبل آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، وليس كجزء من ميزانية الحكومة المعتمدة على النفط.
ولكن رغم هذا، يؤكد شد الأحزمة الذي يمارسه حزب الله الآن على مدى اعتماده على السخاء الإيراني في دفع مرتبات مقاتليه، وكذلك تمويل شبكة الرعاية الاجتماعية الهائلة من المدارس، والمستشفيات، ووسائل الإعلام، التي تعتمد عليها قاعدة الدعم الشيعية للحزب.
ولطالما قدمت إيران، التي تعد الراعي الروحي واللوجستي لحزب الله، التمويل لهذا الحزب. وعلى الرغم من أن تفاصيل هذا التمويل غير معروفة، تقول تقديرات المحللين إن طهران قدمت للفصيل الشيعي اللبناني خلال العقد الماضي ما بين 60 إلى 200 مليون دولار سنويًا.
هذا، ونقلت الصحيفة أيضًا عن مصادر لبنانية مقربة من حزب الله قولها إن رواتب بعض الموظفين الإداريين في صفوف الحزب انخفضت إلى النصف مؤخرًا، كما تم خفض رواتب حلفاء الحزب من السياسيين اللبنانيين الآخرين، وفي أحد الأمثلة، انخفض البدل الشهري الذي يقدمه الحزب لضابط لبناني رفيع سابق في الجيش، يرأس اليوم فصيلًا سياسيًا صغيرًا متحالفًا مع حزب الله، من 60 ألف دولار إلى 15 ألف دولار فقط.
وبالإضافة إلى كل العوامل السابقة، جاء ارتفاع مستوى الفساد داخل صفوف الحزب ليساهم في زيادة طين التدهور الاقتصادي بلة. وقال سياسي لبناني يتابع عن كثب المشاكل المالية لحزب الله للكريستيان مونيتور: “كل شيء ينهار”، وأضاف: “إن الفساد منتشر على نطاق واسع في الحزب، وأصبح كارثيًا”.
محمد سعدون – التقرير
http://goo.gl/x5oZrj