على عكس سوريا والعراق والمناطق القبلية في باكستان وأفغانستان، يعتبر اليمن مركز (الإرهاب) في استراتيجية تنظيم القاعدة. ووفقًا لواشنطن فإن الفرع اليمني لتنظيم القاعدة، الذي يحمل اسم: تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، هو الفرع الأكثر نشاطًا والأكثر خطورة.
وهذا ما يفسر سبب سفر سعيد كواشي (المشتبه به في تنفيذ الهجوم الدامي على مقر صحيفة “شارلي إيبدو”) لهذا البلد، الذي يعيش حاليًا الحرب الأهلية والفوضى العامة منذ سقوط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، سنة 2011. وفي اليمن تعلم سعيد كواشي التعامل مع الأسلحة من قبل عضو من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وما يميز هذه المجموعة كونها تستقبل وتدرب المتطوعين الإسلاميين.
والظاهرة الغير معروفة لدى الفرنسيين هي أن الشباب الفرنسي يذهب بانتظام لليمن لتعلم المبادئ السلفية، بدار الحديث بدماج، بالقرب من الحدود السعودية، أو لمكافحة التمرد الحوثي، وهي الطائفة الشيعية التي، وبمساعدة إيران، تمكنت من الاستيلاء على العاصمة صنعاء.
وتم إطلاق مجلة باللغة الإنجليزية، تحمل اسم Inspire (إلهام)، بهدف تشجيع “الذئاب الوحيدة” في الخارج. وتدعو المجلة قراءها لتنفيذ هجمات في فرنسا. في عام 2013، تم إلحاق “شارب”، مدير نشر مجلة شارلي إيبدو، على قائمة الأشخاص المطلوب قتلهم، إلى جانب سلمان رشدي.
واشنطن، عدوة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب
من حيث المبدأ، فإن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ليس لديه خلاف مع باريس. ومع ذلك، فقد كان لفرنسا تعاون أمني مع صنعاء. وخاصة علاقات جيدة على المستوى العسكري والأمني مع النظام السعودي، الذي يعتبر بمعية واشنطن، أعداء لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وكانت بداية هذا التنظيم في المملكة العربية السعودية قبل أن يتم دمج الفرع السعودي واليمني.
فبعد القمع الشديد الذي تعرض له الفرع السعودي لهذا التنظيم، إثر الحملة الجهادية الدامية (2003-2005)، قرر مغادرة المملكة حتى لا يختفي. وبذلك انضم إلى الفرع اليمني ليكون الاندماج في يناير كانون الثاني عام 2009، هذا الاندماج الذي يسير على ما يرام باعتبار أن الفرع السعودي يقدم التمويل والخبرة، والفرع اليمني يقدم المقاتلين والبنية التحتية اللازمة لبقاء المنظمة.
الشخصية الأكثر رمزية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب هي رجل دين مولود في الولايات المتحدة، وهو الشيخ أنور العولقي. وهو الملهم لمجموعة برئاسة ناصر الوحيشي، أحد أقرباء أسامة بن لادن، حيث أن والده ولد في حضرموت (في جنوب اليمن وهي مسقط رأس عائلة الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة). ووفقًا لمصادر أمنية يمنية، فإن الشيخ أنور العولقي هو من قابل سعيد كواشي خلال إقامة هذا الأخير في اليمن.
وتزايد وزن هذا التنظيم بين الجماعات الجهادية، ما دفع واشنطن بأن تعد بمنح 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى موقع زعيم القاعدة في جزيرة العرب ولسبعة قادة آخرين لهذا التنظيم. ويتمركز تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في المناطق القبلية، بما في ذلك محافظة مأرب (شرق)، وهي المنطقة التي عاشت فيها الملكة الأسطورية سبأ والتي بني فيها السد الأسطوري في العصور القديمة. في عام 2010، انضم لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ما بين 500 و 600 مقاتل.
الطرود المفخخة وطائرات الشحن
في يوليو 2011، أعلن الوحيشي ولاءه لأيمن الظواهري، الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة بعد وفاة أسامة بن لادن في غارة شنتها قوات خاصة أمريكية في مايو/أيار من العام نفسه. في عام 2009، كان انتحاري من القاعدة في جزيرة العرب على وشك قتل وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، بتفجير نفسه وفي حضوره. وفي يوم عيد الميلاد من نفس ذلك العام، حاول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تفجير طائرة ركاب أمريكية. في نوفمبر 2010، أعلن التنظيم مسؤوليته عن إرسال الطرود المفخخة إلى الولايات المتحدة وانفجار طائرة شحن للولايات المتحدة قبل شهرين في دبي.
خلال الفترة التي كان فيها علي عبد الله صالح في السلطة، كان هذا التنظيم يهاجم أيضًا القوات اليمنية، ولم يكن باستطاعته النمو إلا في الهامش. ومكن سقوط عبد الله صالح، والذي تسببت فيه العداوات القبلية أكثر منه المطالبات الديمقراطية، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من استغلال حالة الفوضى في البلاد بسبب حرب دينية في الشمال -التي شهدت تدخل الجيش السعودي- مع حركة انفصالية في الجنوب ومع مطامع بعض القبائل. كما استفاد التنظيم من الطبيعة الدينية لمحافظة حضرموت، ليستولي على عدة بلدات.
وتمكن النظام الجديد برئاسة عبد ربه منصور هادي من إزاحتهم في مايو/أيار عام 2012 بعد هجوم عسكري، ليدفعهم إلى المناطق الجبلية التي من الصعب الوصول إليها، وبفضل الدعم الأمريكي باستعمال الطائرات بدون طيار لاستهداف المجموعة بانتظام. نهاية عام 2012، أحد هذه الهجمات بطائرة من دون طيار كانت وراء قتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، السعودي سعيد الشهري، السجين السابق في غوانتانامو، والذي أطلق سراحه بعد برنامج إعادة تأهيل. في عام 2011، كان لأنور العولقي، رجل الدين اليمني المولود في الولايات المتحدة، نفس المصير.
أشادت حركة الشباب الإسلامية في الصومال، الجمعة، بالاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة واعتبرته “بطوليًا”، كما قالت: “لقد أسعدوا ملايين المسلمين بعملهم. بعض الأشخاص المضللين يدعون أن حرية التعبير تعرضت لاعتداء، لكن الأمر ليس كذلك. وشخصان بطلان تحركا على هذا الأساس”.
وأضافت: “لقد قطعوا رؤوس الكفرة الذين أهانوا نبينا الحبيب”، وأن أسامة بن لادن كان قد “حذر الغرب بأن عليه أن يستعد لأن يسيل دمه إذا كانت حرية التعبير بلا حدود”.
هذه الإشادة لم تكن مصادفة، وذلك نتيجة العلاقات الوثيقة التي تجمع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب الإسلامية في الصومال.
ليبراسيون الفرنسية – التقرير
http://goo.gl/xXczOY