العديد من النقاط المشتركة بين التنظيمات الإسلامية، تمثل ملامح السلوك والممارسة الواحدة لتلك الجماعات، خاصة أن لغة السلاح والعنف والإرهاب هي اللغة الأساسية التي تجمعها، مهما كان التعبير الطائفي الذي تمثله تلك الجماعة بما في ذلك حزب الله. وهذا ما ذهب إليه الكاتب اللبناني فادي عاكوم في إصداره الجديد “حزب الله وسياسة المتعة.. من الإرهاب إلى إلى الإرهاب”، والذي خصصه للحديث عن تنظيم حزب لله اللبناني وتاريخه الأسود في لبنان والمنطقة العربية والعالم.
واستند عاكوم في كتابه على مسألة ولاية الفقيه التي أعادها بعض رجال الدين الإيرانيون ليعيدوا السيطرة الإيرانية في المنطقة، حيث يكشف الكتاب عمق العلاقة التي ربطت رجال الدين الشيعة في لبنان وبعض الدول العربية برجال الدين العراقيين والإيرانيين منذ ستينات القرن الماضي، وعلى رأسهم آية الله الخميني الذي قاد الثورة الإسلامية في إيران واستلم ولاية الفقيه لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل المنطقة سياسيا واجتماعيا.
التركيز على ولاية الفقيه كان ضروريا بحسب المسار العام للكتاب، حيث تم بناء الهرم التنظيمي الأساسي لحزب الله في لبنان وبعض الدول العربية بحسب درجة الولاء لها، إذ عاد رجال الدين الشيعة إلى لبنان بعد تلقيهم العلوم الدينية في النجف وقم، لينشروا مبدأ ولاية الفقيه من خلال المؤسسات والجمعيات الخيرية التي انتشرت بسرعة عبر استغلال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، بالإضافة إلى غياب المرجعية الشيعية الحقيقية.
عاكوم عرض في كتابه بعض جرائم حزب الله في لبنان والتي لا تخرج إطلاقا عن نطاق الإرهاب والإجرام، كونها كانت على سبيل المثال عمليات خطف مقابل فدية أو الحصول على الأسلحة، وكانت الأموال والأسلحة هذه تذهب إلى إيران، كما تم خطف العديد من الرعايا الأجانب لهذا الغرض أو للضغط على بعض الدول الأوربية والولايات المتحدة الأميركية، لوقف إرسال شحنات أسلحة وقطع غيار للآليات العسكرية إلى بغداد. فقد تم ما بين 1982 و1986 اغتيال العشرات من الرعايا الأجانب المدنيين الذين توزعوا بين رجال دين وأساتذة في الجامعات أو أطباء.
عاكوم تطرق أيضا إلى أفرع حزب الله في منطقة الخليج، وأبرز أن القيادة الأساسية كانت لعناصر حزب الله اللبنانيين، الذين كانوا يخططون ويشاركون في التنفيذ، خصوصا في المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الكويت، وسرد الكاتب العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في هذه الدول وأسماء المتورطين فيها والملاحقين أمنيا، بالإضافة إلى التسلسل القيادي لتنظيماتهم.
التمويل كان من النقاط الأساسية التي ركز عليها عاكوم أيضا، حيث أورد عمليات التمويل الشرعية وغير الشرعية التي يحصل من خلالها الحزب على الأموال الطائلة، وركز على العمليات غير الشرعية والتي كانت ولا تزال تشمل عمليات بيع المخدرات بأنواعها، بالإضافة إلى تزوير وتبييض العملات والتجارة بالبضائع المقلّدة، وذلك من خلال ذكر بعض الأسماء المتورطة وهم مجموعات متفرقة من رجال الأعمال ومناصري الحزب حول العالم، بالإضافة إلى التحقيقات الدولية التي جرت بعد توقيف عدد كبير منهم.
وحول الملاحقات الدولية خصص الكاتب بابا كاملا للحديث عن القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي حول تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، بالإضافة إلى القرارات المماثلة الصادرة عن بعض الدول الغربية، وأوضح أنه من غير الممكن الفصل بين ذراعي الحزب السياسية والعسكرية ووضع الذراع العسكرية فقط على قائمة الإرهاب، كون آلية العمل المتبعة داخل الحزب متشابكة بشكل كامل وكل ذراع تكمل عمل الأذرع الأخرى.
وبالعودة إلى تنظيم داعش، فقد أجرى عاكوم مقارنة وهي الأولى من نوعها بين تنظيم داعش وتنظيم حزب الله اللبناني، حيث سعى إلى إثبات وجود العديد من النقاط المشتركة بين التنظيمين، خصوصا في ما يتعلق باستغلال الدين للانتشار وعمليات التجنيد، بالإضافة إلى الاتكال الكبير على البروباغاندا الإعلامية الضخمة العاملة من خلال الآلة الإعلامية متعددة الأنواع، إضافة أيضا إلى التشابه الكبير في عمليات التمويل من خلال اللجوء إلى عمليات غير شرعية وتبريرها دينيا.
وينعطف الكاتب من هذه الزاوية إلى مسألة إمكانية ارتباط داعش بإيران، خصوصا أن العديد من أمرائه كانوا يلجؤون إلى إيران بعد فرارهم من أفغانستان، وبقوا داخل الحدود الإيرانية إلى حين ظهور داعش في سوريا، فظهروا كأمراء وأداروا دفة التنظيم الإرهابي.
وكان لا بد من التطرق إلى الأزمة السورية وانغماس حزب الله في المستنقع الطائفي فيها، حيث أثبت الكاتب مشاركة حزب الله في القتال منذ العام 2011 أي بعيد انطلاق التظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير، فشكك بذلك في ادعاءات حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله الذي سبق له أن أعلن أن الحزب تدخل بدءا من العام 2013 لحماية المقامات والمزارات الشيعية المقدسة المنتشرة في دمشق، ووضع الكاتب تسلسلا زمنيا لقتلى حزب الله منذ العام 2011، متضمنا أبرز القادة الميدانيين وأماكن مقتلهم.
محمد الحمامصي
صحيفة العرب اللندنية