السلام الضائع بين الفلوجة والرقة

السلام الضائع بين الفلوجة والرقة

4a0526d0-cf77-418c-be9b-ba60b1fa739f
بأي مقياس عسكري، ووفقاً لموازين القوة فإن الحملتين العسكريتين المحتشدتين حالياً لتحرير مدينتي الفلوجة العراقية والرقة السورية يفترض أن يكتب لهما النجاح. من الناحية النظرية لا قبل ل «داعش» الذي يحتل المدينتين منذ أكثر من عامين بمواجهة تلك الحشود من حيث الحجم والتسليح وكثافة النيران. فضلاً عن الغطاء الجوي الذي توفره القوات المتحالفة بزعامة الولايات المتحدة.
وبصرف النظر عن نتيجة المعركة التي بدأت مناوشاتها بالفعل، فإن تحرير المدينتين، لو حدث، لا يعني تحقيق السلام. فما قيمة هزيمة «داعش» مع إبادة السكان المحاصرين في بيوتهم بلا طعام تقريباً ولا دواء أو وقود!. وأي سلام هذا الذي يمكن أن يحتفلوا به إذا كان الثمن أرواح مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء!

في الأيام الأولى للحملة التي بدأت أواخر الشهر الماضي ألقت الطائرات الأمريكية منشورات على المدينتين تخبر سكانهما بأن وقت الرحيل عنهما قد حان. وهو تصرف يثير الدهشة لأنه لو كان بمقدور هؤلاء البؤساء الهرب من الجحيم المحاصرين فيه لفعلوا ذلك منذ وقت طويل. والأرجح أن التصرف الأمريكي هو جزء من الحرب النفسية ضد «داعش» وليس انعكاساً لاهتمام حقيقي ومخلص بمصير السكان الذين لم يمد لهم أحد يد العون طيلة أكثر من عامين.
لن يدع «داعش» أحداً يهرب. وسيستخدمهم، كما فعل دائماً، دروعاً بشرية. ومن لم يمت بسبب المجاعة، مات برصاص «داعش» وهو يحاول الفرار. ومن تكتب له النجاة لا يضمن ألا يدفن حياً تحت أنقاض بيته الذي ستدمره غارة للتحالف أو قصف مدفعي للقوات المحررة. وإذا قدر لتلك القوات الانتصار فلن يعني هذا نهاية المعاناة بالنسبة للسكان. لأن السوابق تقول إن المنتصرين يرتكبون أيضا جرائم لا تقل وحشية عما يفعله «داعش».
يشهد على ذلك تاريخ الحشد الشعبي، وهو حالياً المكون الأكبر ضمن الحشود التي تتأهب للانقضاض على الفلوجة. وبسبب سوء سمعته حرص رئيس الوزراء حيدر العبادي على التأكيد أن قوات مكافحة الإرهاب والجيش والشرطة هي التي ستتولى تحرير المدينة واقتحامها. لنفس الأسباب كان البيان النادر الذي أصدره المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله السيستاني والذي حض فيه المهاجمين على التحلي بأخلاق الجهاد في الإسلام التي تحظر قتل المدنيين والنساء والأطفال وقطع الأشجار.

تعكس هذه الدعوات وجود قناعة كاملة بسوء سلوك تلك الميليشيات والنعرة الطائفية المقيتة التي توجهها. والخوف بعد ذلك من ردود الفعل المحلية والدولية إن هي أقدمت على ارتكاب جرائم جديدة.
لا يختلف الأمر كثيراً على الجانب الآخر. فإذا كانت الطائفية هي الجرثومة التي أصابت العراق، فإن القومية تلعب نفس الدور في سوريا وفي معركة الرقة تحديداً (دون استبعاد الطائفية أيضا من فضاء الصراع). وتتكون قوات سوريا الديمقراطية، الزاحفة على الرقة، من المقاتلين الأكراد أساساً. وغير صحيح أن هذه القوات التي تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بدعم أمريكي، هي تحالف عربي كردي لأن المكون العربي فيها لا يزيد عن 10% فقط، والغرض منه الإيحاء بأنها ليست ميليشيا كردية قائمة على أساس قومي، وبالتالي تهدئة مخاوف العرب السوريين.
وإذا كان الحشد الشعبي قد ارتكب فظائع بحق العراقيين فإن الوحدات الكردية متهمة أيضا بأعمال مماثلة بحق السوريين العرب. وكما أن تحرير الفلوجة بأيدي الحشد الشعبي سيضمن توسيع نطاق سيطرته في العراق ومعها بالتبعية تعاظم النفوذ الإيراني، فإن تحرير الرقة الواقعة بين الحسكة شرقاً وحلب غرباً يكفل تأمين ممرات تتيح التواصل بين الجيوب الكردية. ويعد ذلك إنجازاً مهماً للأكراد يقربهم خطوة إضافية من حلمهم القومي بإقامة دولتهم المستقلة.
لا تقتصر قائمة الطامعين في غنائم المعركتين على الأكراد أو الحشد الشعبي. هناك واشنطن حيث يطمح الرئيس أوباما إلى تحقيق نصر خارجي آخر قبل أن يغادر منصبه. كما يريد دعم فرص مرشح أو مرشحة الحزب الديمقراطي لخلافته. العبادي أيضا أكبر المستفيدين من المعركة التي ستشغل الرأي العام عن أزمتي الفساد الحكومي وسوء الخدمات. النظام السوري هو الآخر مستفيد من حرب يخوضها أعداؤه معاً، وبالتالي تصب نتائجها، أياً كانت، في صالحه.

مرة أخرى أين السكان المحاصرون من كل ذلك؟ لا أحد يسأل ولا أحد يهتم. انشغل الجميع بحساب أرباحه السياسية والعسكرية، ولو كان الثمن أرواح الأبرياء.

عاصم عبدالخالق

 صحيفة الخليج