لعل أهم إنجاز للرئيس باراك أوباما في مجال السياسة الخارجية، من وجهة نظر أنصاره، هو الاتفاق النووي مع إيران، وما ينطوي عليه من احتمال بناء علاقات جديدة في الشرق الأوسط، ولكن هذا الاتفاق قد يتوقف تنفيذه في النهاية على رغبة وإرادة ولايات الغرب الأوسط الأميركية. فمن المرجح أن تتخذ هذه الولايات إجراءات قد تؤدي إلى عرقلة تنفيذ التزاماتنا السياسية تجاه إيران. وفي الآونة الأخيرة، اتصلت وزارة الخارجية الأميركية بكل ولاية من الولايات الأميركية على حدة، وطلبت منها التعاون معها في مراجعة العقوبات المفروضة على إيران، ولكن ردود فعل تلك الولايات حتى الآن تبين أن المسألة لا تسير على النحو المنشود.
ومن المعروف أن التنفيذ الرسمي لما يعرف بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، بدأ في شهر يناير الماضي، عندما قامت وكالة الطاقة الذرية الدولية بالتحقق من التزام إيران بتقليص عملية تخصيب اليورانيوم، والتزاماتها الأخرى الأوسع نطاقاً ذات العلاقة بالموضوع النووي. وقامت الولايات المتحدة بناء على ذلك بتفكيك نظام العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، بادئة في ذلك بالعقوبات الثانوية ضد الكيانات الخارجية التي تتاجر، أو تتعامل مصرفياً، أو تأمينياً، أو تقدم خدمات أخرى لإيران.
ووفقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران بات من المسموح للدول الدخول في علاقات تجارية مع إيران -وهو ما كان محظوراً من قبل بموجب العقوبات- في قطاع الطاقة، وصناعة السفن، والسيارات، وقطاعات الخدمات المالية. ومع ذلك لا زالت الولايات المتحدة تستبقي معظم عقوباتها المفروضة من جانب واحد على إيران، بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان ودعمها للإرهاب، وهو ما يحد بشكل كبير من فرص دخول الشركات الأميركية إلى السوق الإيرانية.
ومن بين التحديات المحتملة لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» تلك التي تترتب على عقوبات اقتصادية «أقل شهرة» على مستوى حكومات الولايات. فهناك في الوقت الراهن أربعة أنواع من العقوبات المفروضة على مستوى الولايات: عقوبات تتعلق بالتعاقدات، وبسحب استثمارات الصناديق العامة، وسحب التأمين، والحظر المصرفي، وهي في معظم الأحوال إجراءات الغرض منها إعاقة الاستثمارات في صناديق المعاشات والعقود الحكومية مع الشركات، التي لها تعاملات تجارية مع إيران. ويشار في هذا الصدد إلى أن هناك 32 ولاية بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا، لديها شكل ما من أشكال الإجراءات العقابية ضد إيران مدون في سجلاتها، ولكن بمستويات مختلفة من التنفيذ، ومستويات متفاوتة من حيث التأثير الذي تنطوي عليه.
والعقوبات المفروضة على مستوى الولايات، يمكن أن تعرقل تنفيذ الولايات المتحدة لالتزاماتها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، كما يمكن أن تتعدى على صلاحيات الرئيس الدستورية في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية.
والعوائق التي تضعها الولايات المختلفة بشأن تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران غير قانونية حتى الآن من وجهة نظرنا، ولكنّ هناك احتمالاً كبيراً لأن تؤدي إلى تعقيد تنفيذ بنود «خطة العمل الشاملة المشتركة» تحديدا، وخاصة أن تلك الولايات غير مجهزة بشكل جيد للانخراط في شؤون السياسة الخارجية، كما أن تلك الإجراءات يمكن أن تؤدي إلى توفير المزيد من الحجج التي تدعم اتهامات إيران للولايات المتحدة بالإخفاق في تنفيذ بنود الاتفاقية، وهو ما يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف للتأثير على مستقبل الاتفاقية ذاتها.
لقد بذلت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون جهوداً مضنية في المفاوضات من أجل وضع نهاية للمخاوف الأمنية بشأن إمكانية حصول طهران على سلاح نووي، ولكن الولايات التي تريد استخدام العقوبات من أجل تغيير أوسع نطاقاً في السلوك الإيراني تعرض الاتفاق الذي تم التوصل إليه معها لمصاعب جمة، من وجهة نظرنا الخاصة، على الأقل.
جو- آنهارت وسو إيكيرت*
واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس
نقلا عن جريدة الاتحاد