العالم يمر بفترة صعبة من التحولات التي قد تكون ذات آثار اقتصادية مهمة خلال السنوات المقبلة. وهذه المسائل كانت على طاولة القمة الأخيرة لمجموعة الدول السبع.
هناك الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة التي ترشح إليها عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وهو رجل أعمال متخصص بالاستثمار العقاري اعتمد على البروز الإعلامي المكثف. لكن الطروح الاقتصادية لترامب لا تخلو من الشعبوية، مثل معاداة اتفاق «نافتا» مع المكسيك وكندا أو طرح ملاحظات حول العلاقات التجارية مع دول شرق آسيا، خصوصاً الصين. كل هذه الطروح غير متوازنة وبعيدة عن منطق الاقتصادات العصرية وقيم التجارة الحرة ولا بد من أن تثير القلق لدى البلدان الصناعية الرئيسة.
ولا شك في أن طروح مرشحة الحزب الديموقراطي، هيلاري كلينتون، تأثرت بالطروح اليسارية التي تصدى لترويجها المرشح الآخر عن الحزب نفسه، بيرني ساندرز، والتي حظيت بشعبية من أعداد مهمة من الشعب الأميركي. طروح كلينتون أيضاً تتعارض مع المفاهيم الاقتصادية العصرية التي سبق للإدارات الأميركية أن تبنتها منذ عهد الرئيس جورج بوش الأب مروراً بعهد الرئيس بيل كلينتون.
المسألة الأخرى الأهم ربما التي أثارت قلق المجتمعين في طوكيو، هي مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي يتم الترويج لها من جانب أطراف سياسية عديدة في المملكة، وسُتطرح في استفتاء في أواخر حزيران (يونيو). وباتت القضية مهمة في المجتمع البريطاني وثمة محاولات من الحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء ديفيد كامرون وزعماء في حزب العمال ورجال أعمال لمواجهة دعوات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وحتى الآن يبدو أن المسألة تحظى بمستويات متقاربة من الرفض والقبول.
في ظل التطورات الاقتصادية خلال السنوات والعقود الماضية لا بد أن تخسر بريطانيا كثيراً إذا خرجت من الاتحاد، خصوصاً تجارياً واستثمارياً. وستتأثر اقتصادات ذات صلة، مثل اقتصادات بلدان الاتحاد الأوروبي. وجاء بيان مجموعة السبع محذراً من تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأكد أهمية تعزيز إمكانيات التصويت في الاستفتاء البريطاني للبقاء في الاتحاد.
لكن هذه النزعات المعادية للاندماج باقتصادات أكبر أو أوسع تبقى من القضايا التي تتطلب التمعن والبحث، سواء في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو غيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي، أو بلدان أخرى في أميركا اللاتينية أو آسيا. فثمة فئات واسعة، خصوصاً في الطبقة الوسطى أو الطبقات الشعبية ذات المداخيل المحدودة أو المتواضعة، ما زالت لا ترى مصالحها في الاندماج أو الانتماء إلى اقتصادات عابرة للحدود الوطنية.
تمثل اقتصادات الدول السبع، وهي الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وكندا، ناتجاً قومياً بلغ 35.4 تريليون دولار في 2014، أو ما يزيد عن 48 في المئة من الناتج الإجمالي للعالم بأسره. ويتراوح معدل دخل الفرد السنوي في هذه البلدان بين 35 ألف دولار و50 ألفاً. ويبلغ عدد سكان هذه البلدان 750 مليون شخص أو 11 في المئة من إجمالي سكان العالم. هذه البلدان تمثل ثقلاً أساسياً في الاقتصاد العالمي ليس فقط في حجم الناتج المحلي الإجمالي أو قيمة الثروة القومية في أي منها لكن أيضاً في التطورات الفنية والعلمية والتكنولوجية والثقافية التي شهدتها خلال سنوات القرن العشرين وما زالت تشهدها.
وساهمت هذه البلدان في الارتقاء بالحياة الاقتصادية في العديد من بلدان العالم، وهي البلدان التي أسست مؤسسات اقتصادية عالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك المؤسسات التابعة للأمم المتحدة التي اعتنت بالتعليم والرعاية الصحية وحقوق العاملين. هذا ناهيك بالدور الفاعل لهذه البلدان في تأسيس منظمة التجارة الدولية التي أكدت أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية بين بلدان العالم وفق مفاهيم ومقاييس جديدة من أجل الارتقاء بمعايير التنافسية والكفاءة وجودة الأعمال.
بيد أن معالم الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن تتطلب جهوداً أكبر من الدول السبع من أجل إعادة الانتعاش للاقتصاد العالمي بعد معاناة أصبحت شبه مزمنة منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. فهناك مشاكل ما زالت عالقة مثل الديون السيادية في أوروبا وارتفاع معدلات البطالة في عدد من هذه البلدان ثم تراجع الدعم والعون الإنمائي للدول النامية. يضاف إلى ذلك أن استحقاقات التجارة الدولية ما زالت بعيدة عن التنفيذ بعد بروز خلافات بين الدول الأعضاء حول العديد من القضايا، ومنها ما يتعلق بالقطاع الزراعي ومسائل الدعم الذي يقدمه بعض الدول إلى هذا القطاع.
التحول نحو اقتصادات أكثر كفاءة يتطلب التغلب على منظومات قيمية وسياسية تتعايش على الترضيات وكسب الود السياسي، وإن تفاوتت الأمور بين بلد وآخر. يضاف إلى ذلك أن هذه البلدان الأساسية تواجه اضمحلال العديد من النشاطات والصناعات التي باتت أقل جدوى وذات تكاليف تمثل عبئاً على الاقتصادات الوطنية ويتطلب التحرر منها اعتماد سياسات غير شعبية قد تكون مؤلمة اجتماعياً.