لم يتخذ المجلس الوزاري لمنظمة «أوبك» قراراً جديداً حول الإنتاج في مؤتمره نصف السنوي الذي عقد في 2 حزيران (يونيو) في فيينا. واستطاعت هذه الخطوة المفاجئة للمراقبين ان تساعد المنظمة في احتواء الخلافات حول السياسة الإنتاجية، أي تجميد الإنتاج عند مستوى كانون الثاني (يناير)، كما تطالب السعودية، أو زيادة الإنتاج، كما تدعو إيران. وحققت المنظمة هدفاً مهماً آخر هو التركيز على استقرار الأسواق والحفاظ على الزخم في الارتفاع التدريجي للأسعار التي بدأت تتراوح حول 50 دولاراً للبرميل.
كان واضحاً ان احتواء الخلافات والاهتمام بتوازنات العرض والطلب في الأسواق، بدلاً من التركيز على لجم زيادة الإنتاج والخلافات الحادة والعلنية بين الأطراف المعنية، ساعد على نجاح هذا المؤتمر. وساهم الجو الإيجابي في المؤتمر في حل عقدة طالما كانت مصدر خلاف في المنظمة خلال السنوات الماضية، فعُيِّن أمين عام جديد هو محمد سنوسي باركندو (نيجيريا) بعد تجديدات متتالية للولاية المنتهية لسلفه عبدالله البدري (ليبيا).
وأدت العوامل الأساسية للسوق دوراً مهماً في إنجاح هذه السياسة التوافقية، خصوصاً توقعات المجلس الوزاري لعام 2016، فبعدما بدأت الإمدادات من خارج دول «أوبك» تنخفض خلال 2015، يتوقع المجلس لعام 2016 استمرار الانخفاضات بواقع 740 ألف برميل يومياً إضافية، والسبب الأساس هو عوامل السوق (انهيار الأسعار). وتقدر المنظمة ان مجمل الانخفاضات تشكل أكثر من مليون برميل يومياً من أعلى معدل سجلته الدول خارج «أوبك» في 2015. وتتوقع المنظمة ان يزداد الطلب هذا العام 1.2 مليون برميل يومياً، بعد الزيادة المسجلة في 2015 والتي بلغت 1.5 مليون برميل يومياً.
ولاحظت المنظمة في البيان الختامي للمجلس الوزاري ان «الارتفاع في الطلب يبقى معافى في ظل التحديات والتطورات الاقتصادية العالمية». ولفت المجلس الأنظار إلى معدلات الأسعار منذ مؤتمره الأخير في كانون الأول (ديسمبر) 2015، إذ ارتفعت الأسعار أكثر من 80 في المئة منذ حينه، وانخفض المخزون النفطي. واستنتج المجلس ان هذه التطورات هي دليل ملموس على عودة التوازن إلى الأســواق، فتدهور الأسعار خفض إنتاج الدول ذات النفــوط العالية الكلفة. وتعني الاستنتاجات صحة السياسة السعودية في عدم التدخل في الأسواق وترك الأسعار تحدد عوامل السوق. وهذا يعني أيضاً الاستمرار في السياسة التي قادتها السعودية لأنها بدأت تحقق أهدافها.
وقال وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح لنشرة «أرغس غلوبل ماركتس»: «كانت السياسة السعودية واثقة منذ فترة طويلة ان الأسواق ستعيد توازنها. وهناك عاملان لعودة التوازن – العرض والطلب. بالنسبة إلى الطلب، لاحظنا كيف يؤثر السعر في الطلب… وكما رأينا كان الطلب على النفط منتعشاً خلال 2015، واستمر هذا الانتعاش خلال الربع الأول من 2016… ونعتقد من ثم بأن تحسن الطلب والانخفاض الكبير في إنتاج النفط العالي الكلفة، هما مؤشر مهم إلى عودة التوازن إلى الأسواق. وتؤدي عوامل كهذه إلى خفض المخزون وهذا ما بدأ فعلاً. ونعتقد بأن مسيرة هذه العوامل ستتسارع كلما مضينا قدماً، خصوصاً مع ازدياد الطلب وانخفاض الإمدادات».
وتطرق الفالح أيضاً في مقابلته هذه إلى القلق الذي يسود الأسواق حول انخفاض الاستثمارات النفطية نتيجة تدهور أسعار النفط، فقال: «ان تقلص الاستثمارات وأثرها في حجم الإمدادات هو أمر يقلقنا. كما رأينا كيفية زيادة الاستثمارات في العقد الماضي بسبب ارتفاع الأسعار التي أدت إلى زيادة الإمدادات خلال 2014 – 2015 والمستمرة إلى الآن إلى حد ما، سيترك انخفاض الاستثمارات الآن آثاره مع مرور الوقت. يجب إدارة هذا الأمر بحذر. واضح ان جذب الاستثمارات ثانية يتطلب أسعاراً معقولة». وأضاف: «حافظنا في السعودية على برنامجنا الاستثماري. مددنا وأجلنا فترات بعض المشاريع الخدمية والمساندة. لكن استمررنا في الوقت ذاته في تنفيذ برنامجنا الاستثماري كما هو مخطط له».
وصرح وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة بعد المؤتمر: «كان هناك جو من التعاون والتفاهم. واتفق جميع الوزراء على أساسيات السوق». لقد حققت إيران نتيجة هذا المؤتمر موافقة ضمنية على زيادة إنتاجها، وفيما طالبت باتفاق على حصص للإنتاج مستقبلاً، كان واضحاً ان الموقف الإيراني من نظام الحصص لم يكن ملحاً في هذا المؤتمر. قال مندوب إيران لدى «أوبك» مهدي عسلي لجريدة «اعتماد» الإيرانية في 2 حزيران: «يمكن تأجيل مناقشة موضوع الحصص إلى حين عودة الأسعار إلى مستوى معقول واستقرار السوق في صورة جيدة. ونظراً إلى زيادة الإنتاج الكبيرة في بعض بلدان أوبك، مثل إيران والعراق، وانخفاض الإنتاج في بعضها الآخر، فإن تحديد الحصص الآن هو موضوع معقد وسيأخذ وقتاً طويلاً، لأن نظام الحصص يتطلب إنتاجاً مستقراً لفترة معقولة من الزمن، وهذا أمر غير متوافر أو ممكن الآن. لذلك نعتقد بأننا نستطيع ان نحققه في المستقبل».
يبقى السؤال: هل انخفاض الإمدادات عامل أساسي أو موقت؟ فالحرائق في كندا ستتبعها إعادة الإنتاج بعد فحص المناطق المتضررة. فهل بالإمكان عودة الإنتاج من السجيل القاري بسرعة وبكامل طاقته أم بطاقة منخفضة؟ وكم هو حجم الأضرار؟ وما هو الوقت المطلوب لإنجاز التصليحات؟ وهناك أسئلة حول نقص الإمدادات من ليبيا ونيجيريا وفنزويلا، لكن لا إجابات واضحة حول استقرار سياسي قريب في هذه البلدان. وثمة أسئلة عن عودة الإنتاج الكبير من النفط الصخري، لكن هذا سيعتمد على اقتصاديات القطاع، فالعودة إلى نطاق 60 – 70 دولاراً لبرميل النفط المرجعي الأميركي قد يساهم في تعزيز هذا الإنتاج.