الثابت والمتغير في العلاقات المغربية – الأمريكية

الثابت والمتغير في العلاقات المغربية – الأمريكية

لقاء-الملك-محمد-السادس-مع-باراك-اوباما-660x330

تعززت العلاقات المغربية – الأمريكية بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير، مع توجه المغرب نحو تنويع شركائه وتمتين علاقاته مع مختلف القوى الدولية وإبرام الطرفين لعدد من الاتفاقيات الداعمة لهذا التعاون.
غير أن تزايد المواقف الأمريكية الملتبسة بصدد قضية الصحراء خلال الآونة الأخيرة، طرحت أكثر من سؤال بصدد مآل هذه العلاقات، وما إذا كان الأمر يشكل تحولاً جذرياً في العلاقات بين الطرفين، أم مجرد مواقف ومزايدات عابرة فرضتها المتغيرات السياسية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية..

تمتد العلاقات المغربية – الأمريكية لعدة قرون مضت، ذلك أن المغرب كان أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، وتربطه بها علاقات صداقة منذ عام 1786.

وشهدت هذه العلاقات تطوراً كبيراً منذ منتصف القرن الماضي، حيث سارعت الولايات المتحدة إلى دعم استقلال المغرب، واعتبرته ضمن لائحة الدول الصديقة في أجواء الحرب الباردة، كما ظلت تعتبره بلداً حليفاً، مع وجود نظامين مواليين للاتحاد السوفييتي بالمنطقة آنذاك هما النظامان الليبي والجزائري، غير أن ظروف الصراع الإيديولوجي وتداعياته الكبرى، علاوة على طبيعة العلاقات المغربية – الفرنسية التاريخية لم تسمح للولايات المتحدة بتطوير هذه العلاقات على نحو أفضل.
وفي عام 1975 بدأت العلاقة بالانتعاش من جديد مع الدور المهم الذي قامت به الولايات المتحدة في قضية الصحراء وجهودها في إقناع الطرف الإسباني بالتوقيع على اتفاقية مدريد.

منذ بداية التسعينات ومع نهاية الحرب الباردة، أصبح للولايات المتحدة مكانة وازنة في العلاقات الدولية، وهو ما جعل تعزيز العلاقات معها – من المنظور البراغماتي – أمراً حيوياً على مختلف الواجهات بالنسبة لدولة في طور النمو كالمغرب.. فخلال اندلاع أزمة الخليج الثانية نتيجة الغزو العراقي للتراب الكويتي، انضم المغرب إلى التحالف الأمريكي في مواجهة العراق، حيث أرسل حوالي 1300 عسكري إلى السعودية في مهمة دفاعية في هذا السياق، وفي أعقاب هذه المحطة ستتعزز هذه العلاقات بمبادرة الولايات المتحدة القاضية بإعادة جدولة الديون لفائدة المغرب.

وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول لعام 2001، كانت هناك رغبة أمريكية كبيرة لتطوير هذه العلاقات، وبخاصة بعد دخول الرئيس «بوش الابن» غمار حملته «الدولية» المرتبطة بمكافحة «الإرهاب» وما تطلبه الأمر حينئذ من تعاون دولي، حيث انخرط المغرب بفعالية في هذا الصدد، وهو ما دعم بلورة تصورات ومواقف على قدر من التناغم إزاء قضايا إقليمية ودولية مختلفة.
وفي خضم هذه التحولات، كان هناك عاملان دعما إلى حد كبير العلاقات المغربية- الأمريكية، أولهما، توجه المغرب إلى تنويع الشركاء وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وثانيهما، يتعلق باهتمام الولايات المتحدة بإفريقيا لعوامل اقتصادية وأخرى أمنية.
تضاعفت المعاملات الاقتصادية بين الجانبين إلى أكثر من 300 مرة بعد التوقيع على اتفاقية التبادل الحر بين البلدين عام 2006 التي شكلت نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.
منذ 2008 توجه المغرب بشكل واضح إلى تنويع شركائه وإعادة النظر في شراكاته، فبدأ بالانفتاح أكثر على دول الخليج العربي كسبيل لجلب الاستثمارات (جولات الملك عام 1999 وعام 2012)، وإفريقيا بإمكانياتها المتميزة ونموها الاقتصادي المتنامي (مارس/آذار 2014)، كما سعى إلى تعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة ة كدولة تجمعه معها علاقات تاريخية (زيارة الملك للولايات المتحدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2013)..
ثمة ثوابت تحدد ملامح السياسة الخارجية الأمريكية إزاء قضية الصحراء، يمكن إجمالها في دعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي ودائم ومقبول للنزاع من لدن الأطراف، ودعم الخيار التفاوضي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، والسعي لتوفير شروط الثقة، إضافة إلى التأكيد على جدية وواقعية مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب لحل النزاع كإطار يلبي تطلعات ساكنة الصحراء في تدبير شؤونها الخاصة في إطار من السلم والكرامة، ثم دعم الجهود الرامية لمواصلة حماية حقوق الإنسان والنهوض بها في المنطقة..
لكن في المقابل، يبدو أن هناك قدراً كبيراً من الالتباس في بعض مواقف أمريكا من قضية الصحراء في الآونة الأخيرة، وهو ما يتجسد في التوجهات السابقة لتوسيع صلاحيات «المينورسو» فيما يتعلق بمراقبة حقوق الإنسان، والدعوة إلى عودة المكون المدني لبعثة «المينورسو»، من جهة، مع الإبقاء على تثمين واستحسان مشروع الحكم الذاتي كحل واقعي للقضية من جهة أخرى. فيما أسهم التقرير الأخير الذي أصدرته الخارجية الأمريكية في شهر أبريل/نيسان للعام 2016 في إرباك العلاقات بين الجانبين، بلغت حد استدعاء السفير الأمريكي بالمغرب والتعبير عن الغضب من المعلومات والمعطيات المغلوطة التي تضمنها التقرير.
وبغض النظر عما إذا كان الأمر يجسد تحولاً استراتيجياً في التوجهات الأمريكية، أو مجرد مواقف تحكمها اعتبارات مرحلية مرتبطة بالانتخابات الرئاسية، يبدو أن دول المنطقة ومنها المغرب، بحاجة إلى بلورة تحالفات ومواقف تدعم سيادتها، ومصالحها في مواجهة المزاجية والبراغماتية الصارخة التي تطبع السلوك الخارجي لبعض الدول الكبرى.. واستيعاب مقومات اتخاذ القرار الأمريكي ومختلف الفعاليات المتحكمة فيه.

إدريس لكريني

صحيفة الخليج