على إثر الهجوم الدامي في أورلندو، أطلق بعض المحافظين ادعاء مبالغا فيه بأن اليسار “اختار الإسلام على المثليين”، حسب تعبير بيرتبارت، ومن ثم يتحمل نوعا ما المسؤولية عن إزهاق أرواح 49 شخصا ليلة السبت الماضي. هذا النوع من “اللكم” الخطابي يفسر لماذا، في الساعات التي تعقب أي حادثة إطلاق نار على مجموعة من الناس أو هجوم إرهابي داخل البلاد، يتمنى الكثير منا سرا أن يكون الفاعل متطرفا من اليمين المسيحي بدلا من أن يكون مسلما مثل عمر متين.
بالنسبة إلى الضحايا وأقاربهم ليس هناك أي فرق، لكننا نخشى السيل من التعصب الأعمى ضد المسلمين إذا كان الفاعل مسلما، ونفهم أن العنف من قبل متطرفين مسيحيين أو يهود أو هندوس (أو منتمين لأي ديانة) لا يحتسب ضد هذه المجموعات بنفس الطريقة. لا أحد يشعر أبدا بالحاجة إلى التساؤل هل أن الواعظ المحلي يدين العنف باسم المسيحية، بل الأمر مفترض فحسب.
لكن يتوجب علينا أن نتوقف عن الشعور بالفزع من خبر أن إرهابيا يحمل اسما ذا نغمة أجنبية ونعترف بأن الإرهاب الإسلامي هو إرهاب يميني. الهجوم الإرهابي لا يكون من مسلمين معتدلين أو ليبراليين، فليس هناك شيء اسمه “الإسلامية الليبرالية” بما أن المسلمين الليبراليين لا يحلمون بالهيمنة على مجموعات أخرى. (في الولايات المتحدة من الأرجح أن يعرّف المسلمون بأنفسهم على أنهم ليبراليون).
مع إدراكنا باختلاف التفاصيل تتمثل الخاصية التعريفية لكل المتدينين في الازدراء الدفين للتعدد الديني، فهم ينكرون مشروعية العقائد الأخرى. وكل التقاليد الدينية المحافظة تكن العداء للمثليين من الرجال والنساء ولمن يرفض الأدوار التقليدية لكل من الجنسين. وأغلبهم يؤمنون بالقومية الدينية ويرفضون التعدد الثقافي. بالرغم من وجود بعض الاستثناءات يعارض أغلبهم الإجهاض، وجميعهم يريدون العودة إلى نظرة مثالية لزمن سابق أبسط. باختصار عندما تغوص عميقا تجدهم جميعا في الجناح اليميني.
ولحسن الحظ، الأغلبية الساحقة للمتدينين المحافظين ليسوا عنيفين، وهذه حقيقة تخص الإسلاميين مثلما تخص أي مجموعة أخرى. يقول الباحث والكاتب الباكستاني علي اتراز في مقال له في صحيفة غارديان “من المغالطة الاعتقاد أن الجهاديين والإسلاميين هم شيء واحد”. ويضيف بالقول إن اليمين الإسلامي هو “حركة فكرية” مترسخة في “ثورة فردانية” محافظة بطبيعتها في العالم الإسلامي.
الإرهاب الإسلامي هو إرهاب يميني والهجوم الإرهابي لا يكون من مسلمين معتدلين أو ليبراليين
عن طريق اعتقادهم بالتفوق الديني الذي يقنعهم بأن حياة كل الناس الآخرين ستكون أفضل إن تبنوا القيم نفسها التي يتبنون، جعل هؤلاء المسلمين أنفسهم فريسة سهلة للدعاة الأذكياء. وبذلك يتم استعمال عدة طرق كراهية من أجل المحافظة على قاعدة أيديولوجية نشطة مثل إثارة مخاطر المثلية الجنسية، ومهاجمة التحرر الجنسي، وشيطنة الأقليات الدينية والثقافات الأجنبية، وفرض الرقابة على أي شيء فيه تفكير نقدي.
الإرهاب الديني المنظم
تبين الدراسات الأكاديمية أن الإرهاب الديني المنظم لا علاقة له بالدين إذ أن تنظيمات مثل القاعدة وداعش لديها أهداف علمانية (السلطة السياسية أو السيطرة على الأراضي أو الموارد) وتستعمل الدين بمثابة أداة تجنيد قوية. تعطي هذه التنظيمات تابعيها شعورا بالهوية المشتركة وتحدد الأعداء وتصلّبهم لارتكاب أفعال عنف غير طبيعية.
والشيء نفسه يحدث مع المجموعات الإرهابية المسيحية مثل جيش الرب للمقاومة في وسط أفريقيا وجبهة تريبورا للتحرير الوطني في الهند. ونفس الشيء أيضا بالنسبة إلى العنف الذي يمارسه المستوطنون المتطرفون في الأراضي الفلسطينية المحتلة. قد يدعي قادتهم التحدث لمصلحة دينية، لكن أهدافهم دائما دنيوية وليست دينية.
ولا تتوقف نزعة التفوق الديني على أعمال عنف مخبولة. وسط التيار الرئيسي للمحافظين المسيحيين هناك اعتقاد شائع بأن الإسلام المتوقع بأن يصبح الدين الأكثر شعبية في العالم بحلول سنة 2070 ليس دينا بالمرة، ومن ثم يجب عدم منحه حماية بمقتضى “التعديل الأول” للدستور الأميركي.
الإرهاب الديني المنظم لا علاقة له بالدين إذ أن تنظيمات مثل القاعدة وداعش لديها أهداف علمانية
الداعية المعمداني في مدينة سكرمانتو، روجر جيمناس، لم يقتل أحدا، لكن، الأحد، نقل فرع محلي تابع لقناة سي.بي.آس بأنه سأل جماعة المصلين “هل أنتم حزانى لمقتل خمسين من المتحرشين بالأطفال؟ أظن أن ذلك رائع. أعتقد أن ذلك يساعد المجتمع. أعتقد أن أورلندو، فلوريدا أكثر أمانا بقليل هذه الليلة”.
تلك المنظومة العقائدية تتضارب بشكل صارخ مع المتدينين الليبراليين من كل الأطياف. هؤلاء يحضرون المؤتمرات ما بين الأديان، ودائما يدعون إلى الحوار والتفاهم بين مختلف العقائد ويؤكدون على القيم الكونية التي يشترك فيها كل الأديـان الكبـرى في العالم.
في الحالات القصوى، قد ينقطع اليساريون الدينيون ويلتحقون بالمذاهب الهيبية أو يُعتقلون وهم يحاولون تخليص العالم من الأسلحة النووية، لكنهم لا يفجرون الناس أو يطلقون النار على حشد من الناس.
رفض التعصب المعادي للمسلمين
“ذئب منفرد” قد يكون يعاني من مرض عقلي، كما هو الحال ربما مع عمر متين، لكن يدفعه الفكر الديني المحافظ نفسه. نحن نعرف أن متين على الأقل غازل داعش، وكانت أف.بي.آي قد استنطقته مرات عديدة.
ويقال إنه استكشف “عالم ديزني” كهدف محتمل، لكننا نعرف أيضا أن زميلا له في العمل وصفه بأنه عنصري وأخبر أبوه قناة أن.بي.سي أنه اغتاظ من مشاهدة رجلين يقبّلان بعضهما. كما توجد أحاديث عن أنه كان يتردد على نادي “بالس” حيث وقعت الحادثة وراقب نوادي مثلية أخرى قبل الهجوم. وإلى حد الآن لا يوجد دليل على أنه تلقى توجيهات من أي مجموعة إرهابية. ربما كان اريك رودولف مغتاظا بشكل مماثل عندما فجر ناديا ليليا للسحاقيات في مدينة أطلنطا. وايشاي شليسل، اليهودي المتزمت الذي طعن ثلاثة أشخاص أثناء مسيرة افتخار المثليين في القدس سنة 2005، ذهب إلى السجن، وبعد ذلك طعن ستة آخرين في مسيرة 2013 (واحدة منها كانت مميتة) ربما شعر بنفس شعور التشنج. في المناطق تحت سيطرة داعش تعاقب المثلية الجنسية بالاعدام. أما المتطرفون من اليمين المسيحي من الولايات المتحدة فقد لعبوا دورا أساسيا في الدعاية لقانون أوغندي كان سيفرض عقوبة الإعدام على المثليين.
في رفض التعصب المعادي للمسلمين نحن لا “نختار الإسلام”. الواقع هو أننا نرفض التفوق الديني والأعمال العدوانية ضد المثليين والإصرار على المعايير التمييزية بناء على الجنس التي يحملها تقريبا كل المؤمنين المحافظين، سواء عبروا عنها بالعنف أو التمييز أو قوانين غريبة. إذن سواء كان روبرت دير يطلق النار على مصحة للتنظيم العائلي أو باروش غولدستاين يقتل مسلمين وقت الصلاة أو شاب اسمه عمر متين يطلق النار عشوائيا في ناد ليلي للمثليين، نحن في كل الحالات بصدد إرهاب يميني مستوحى من الدين. إذن لا داعي للقلق حول أي نص مقدس اختاره قاتل ما ليبرر جرائمه ولنسمي الأشياء بمسمياتها.
جوشوا هولاند
صحيفة العرب اللندنية