بعد هجوم “تنظيم الدولة” على شمال العراق صيف سنة 2014، بدأت إيران بتقديم المساعدة لمواجهة تقدم المسلحين؛ حيث شنت إيران غارات جوية على مواقع التنظيم وأرسلت جنودًا مقاتلين ومستشارين عسكريين للحكومة العراقية، وعلى الرغم من إنكار إيران استخدام القوة في العراق إلا أنها نشرت صورة واحدة على الأقل لقائد فيلق القدس على أرض المعركة في العراق.
تعاملت إيران مع الأزمة العراقية بشكل مطابق تمامًا لتعاملها مع الأزمة السورية، فمدت النظام العراقي بالسلاح والرجال، في بداية الأمر، وعلى نسق السيناريو السوري أيضًا، أنكرت طهران أي وجود عسكري لها على الأراضي العراقية، ولكن بدأت مع مرور الوقت تعترف بإرسالها جنودًا (وصفتهم بالمستشارين) من الحرس الثوري ممثلًا في فيلق القدس بقيادة الجنرال قاسم سليماني، وحصرت مهمتهم في تقديم المشورة أو حماية المزارات الشيعية، دون المشاركة في العمليات القتالية.
المزارات الشيعية
من الجدير ذكره هنا، أن تزايد المزارات الشيعية التي لم تكن موجودة قبل عام 1980 ازدهر بعد تحالف إيران ونظام حافظ الأسد الذي أنشأ العديد منها في دمشق، وتم تحويل بعض الأماكن المقدسة لدى فئات أخرى إلى مزارات شيعية، كما هدم الكثير من القصور والمباني الأموية في دمشق حتى تدخلت اليونسكو في الأعوام الماضية للحفاظ على ما بقي منها وضمه إلى قائمة التراث العالمي.
ومن أهم المشاهد والمزارات الشيعية مرقد السيدة زينب، الذي يزوره الكثير من شيعة الخليج والعراق وإيران، وحوله الكثير من الحسينيات والحوزات العلمية، أما مقام السيدة رقية بنت الإمام الحسين، الذي يقع بالقرب من الجامع الأموي، فهو ثاني مزار بعد السيدة زينب أهمية، ومن المزارات الشيعية الأخرى، مقاما السيدتين سكينة وأم كلثوم ابنتا الإمام الحسين، بالإضافة إلى قبر حجر بن عدى الكندي، المعروف بحجر الخير، الذي يعتبر نبشه بداية حقيقية لحرب طائفية.
ومما يزيد الأمر خطورة ويزيد من فرص المنحى الطائفي للأزمة السورية خلال الفترة القادمة، هو المجازر المتكررة التي ترتكبها قوات الأسد والتي تقع ضمن جرائم “التطهير العرقي”، وآخرها اقتحام تلك القوات لقرية “البيضا” في مدينة بانياس الساحلية.
حيث أشارت التقارير إلى أن الجيش السوري قصف قرية البيضا السنية بالمدفعية وقذائف الهاون، تمهيدًا لدخول “الشبيحة” إلى القرية الذين قاموا بإعدام أكثر من 700 شخص بينهم عائلات بأكملها ثم أحرقوا جثثهم، وجاءت تلك المجزرة عشية تفجير الجسر المعلق في مدينة دير الزور.
مزارات دمشق وحلب
وكشفت مواكب العزاء التى شهدها العراق ولبنان مؤخرًا عن الزعماء الشيعة الذين مولوا وأرسلوا مليشيات إلى سوريا وعلى رأسهم حسن نصر الله ومقتدى الصدر، إضافة إلى قادة “مليشيا عصائب أهل الحق” وغيرها من المليشيات ومنها “كتيبة أبو الفضل العباس” و”حزب الله العراقي”.
وربما كان خافيًا على الكثيرين أن سوريا هي من أكثر البلاد الإسلاميّة احتضانًا للمقامات والمشاهد المنسوبة لآل البيت النبوي عليهم السّلام؛ حيث أحصى المؤرّخون في أنحائها 49 مقامًا ومشهدًا أغلبها في دمشق ثم في حلب وباقي المدن والمناطق.
وتشير الدراسات إلى أنه يوجد في دمشق ومنطقتها 20 مشهدًا “قبرًا أو مزارًا”، بينما تحتضن حلب ومنطقتها 7 مشاهد، وفي اللاذقية ومنطقتها توجد أربعة، ومثلها في حماه ومنطقتها، وفي حمص ومنطقتها توجد 3 مشاهد، وفي مدن الجزيرة “ميافارقين، صفّين، بالس، الرقة، نصيبين” يوجد 11 مشهدًا.
صراع طائفي
وكان عدد من المراجع الشيعية قد أصدروا خلال مسيرة الثورة، فتاوى تدعو إلى الجهاد في سوريا لحماية الأماكن المقدسة عند الشيعة، داعين إلى حمايتها من السنة، كما دعوا إلى مساندة بشار الأسد في حملته باعتبارها حملة على النواصب وهو الوصف الذي يطلقه الشيعة على السنة الذين يسمونهم “الروافض”.
ويلخِّص تصريح ممثل خامنئي لدى الحرس الثوري الغاية الخفية لامتلاك “حفنة من تراب أرض الشام”، عندما قال “نحن على وشك فتح خيمة معاوية ولو تراجعنا قيد أنملة فسيذهب كل ما فعلنا في السنوات الماضية هباءً منثورًا”، في إشارة إلى النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.
ويأتي تجييش القيادي العراقي مقتدى الصدر للشبان الشيعة للدفاع عن وحماية المزارات الشيعية في سوريا، ليلقي المزيد من الضوء على الخطة الإيرانية التي امتدت لعقود والتي أسهمت في تزايد عدد المزارات الشيعية التي شيدتها إيران خلال السنوات الأخيرة على امتداد المحافظات والقرى السورية.
ويقول أحد قيادات الجيش السوري الحر، إن إشعال “حرب القبور”، سوف يجعل التدخل الإيراني مدعومًا بحجة حماية تلك المزارات، وتحويل الوجود المكثف على الأرض السورية إلى وجود استخباراتي وعسكري.
وتكمن خطورة تحويل النزاع في سوريا إلى صراع طائفي، بدلًا من كونه صراعًا بين حكم ديكتاتوري ومعارضة، في أن الأوضاع سوف تخرج عن السيطرة سواءً على صعيد الداخل السوري، أو على صعيد دول الجوار في منطقة تمتد فيها الولاءات والانتماءات الطائفية مثل مجرى الدم بالعروق.
أحمد سامي
التقرير