خلّفت الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في الحادي عشر من تموز/يوليو الحالي إلى بغداد وإعلانه عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال 560 جندي إضافي إلى العراق، ردود فعل رافضة من قبل الميليشيات الشيعية. ويخشى كبار قادة تلك الميليشيات من أن يؤدي الانخراط الأميركي المتزايد في الحرب ضدّ تنظيم داعش الإرهابي على الأراضي العراقية إلى الحدّ من دور تشكيلاتهم الطائفية المسلّحة في تلك الحرب. ويعني ذلك في المحصّلة، كبح تمدّد النفوذ الإيراني في العراق الذي بدأ يتحوّل من مجرّد التأثير على القرار السياسي للبلد إلى سيطرة ميدانية عن طريق الميليشيات المنخرطة في قتال داعش ضمن الحشد الشعبي، والمدينة لطهران بدعمها ماليا ولوجيستيا وتوفيرالغطاء لها سياسيا.
وفي هذا السياق أبدت القوى الشيعية في العراق موقفها الرافض لتصريحات كارتر فقد اعلن الأمين العام لمنظمة «بدر» والقيادي في الحشد الشعبي، هادي العامري، رفضه وصول قوات أمريكية اضافية إلى العراق للمشاركة في معركة تحرير الموصل. وقال في بيان له «نرفض تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بخصوص ارسال 560 جنديا أمريكيا للمشاركة بعمليات تحرير المدينة». وأشار في البيان إلى ان «على الجميع ان يعلموا ان العراقيين قادرون على تحرير بلدهم، مثلما حررنا بيجي والفلوجة والقيارة سنحرر الموصل»، مؤكدا “رفضنا القاطع للوجود البري للقوات الأمريكية، لأن الشعب العراقي يرفض استبدال داعش بالأمريكان.. قرارنا ان العراق ليس مكانا لداعش او الأمريكان»، تؤكد أن تحرير الموصل مسألة وقت لا أكثر”.
وتعبيرا عن رفض هادي العامري إرسال المزيد من الجنود الأميركيين إلى العراق، وقال إن “العراقيين قادرون على تحرير الموصل مثلما حرّروا بيجي والفلوجة والقيارة”، مبيّنا أن “الخبرة الكبيرة التي اكتسبها الحشد الشعبي والأجهزة الأمنية من خلال العمليات العسكرية ضد الإرهاب، تؤكد أن تحرير الموصل مسألة وقت لا أكثر”. وأضاف “لن تنحصر قوات الحشد الشعبي في نطاق جغرافي معين وستشارك في معارك الموصل لتحريرها رغم أنف المعترضين سواء أكانوا عراقيين عربا أم أجانب” ومن جانبه أعلن السيد مقتدى الصدر، أن «القوات الأمريكية التي أرسلت إلى العراق ستكون هدفا لنا». كما قامت ميليشيات الحشد الشعبي باستعراض قوتها العسكرية في شارع السعدون متوجهة إلىساحة التحرير مركز العاصمة العراقية بغداد. إذ يمثل هذا الاستعراض رداّ على تلك التصريحات لوزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر. وما هذه التصريحات واستعراض العسكري إلا جزء من صراع النفوذ بين واشنطن وطهران التي يصطفّون إلى جانبها ضدّ أي محاولة للحدّ من دورها في العراق.
أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر المفاجئة إلى بغداد، والتي تزامنت مع إعلان الحكومة العراقية استعادة السيطرة على قاعدة القيارة الجوية -قبل أيام قليلة- والقريبة من مدينة الموصل، آخر تواجد كبير لتنظيم داعش في العراق، الأمر الذي مثّل تقدّما مهمّا في الحرب علىه. فالزيارة التي اتخذت طابع الاستعجال بيّنت بوضوح أن إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما حريصة على أن لا تتجاوزها أحداث الحرب على داعش في العراق وأن لا يتم حسمها دون مشاركتها وبعيدا عن رقابتها وتحكّمها لأن مصير الحرب مهمّ في تحديد حجم النفوذ في مرحلة ما بعدها.
ومع الإعلان مؤخرا على إطلاق المعركة الموصل، ولما لها من أهمية باعتبارها المعركة المفصلية في الحرب ضدّ تنظيم داعش، والتي ستحدّد بشكل كبير مستقبل العراق وطبيعة النفوذ الإقليمي والدولي داخله. برز بشكل جلي، قطبان متنافسان على دور في المعركة بين الولايات المتحدة التي كشفت رسميا عن نيتها المشاركة بشكل أكبر في قتال داعش بمحافظة نينوى من خلال إرسال المزيد من الجنود والخبراء وإنشاء مركز قيادة وتحكّم في قاعدة القيارة الجوية التي استعادتها القوات العراقية حديثا من داعش، وكثيراً ما أظهرت الإدارة الأمريكية اهتماما بتركيز قواعد عسكرية في العراق، ضمن عملية “إعادة صياغة” لتواجد عسكري أميركي على أراضيه يوصف بـ”الذكي والمركّز” لاعتماده على أعداد قليلة من نخب القوات بدل التعويل على أعداد كبيرة تكون أكثر عرضة للمخاطر.
وبين إيران إذ كان لها دور كبير في الحرب ضد تنظيم داعش، إذ لا يغيب عن ذهن صانع القرار الأميركي ذلك، فالحرب على تنظيم داعش في العراق، تمّت بمشاركة إيرانية فاعلة سواء بشكل مباشر عن طريق مستشارين عسكريين، أو بالوكالة عن طريق الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد الشعبي، في عدّة معارك بمحافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار، وسجلّ حضور مباشر للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني. لذا فإن الخشية عمت في داخل العراق وخارجه من البروز الكبير لميليشيات الحشد الشعبي الذي ينظر إليه من قبل المتابعين للشأن العراقي باعتباره جيش احتلال إيرانيا مقنّعا للعراق، خصوصا في ظلّ الانهيار الذي ألمّ بالقوات النظامية العراقية، مع سيطرة تنظيم داعش لمناطق شاسعة من البلاد صيف العام 2014. ومن هذه الزاوية، فسيعني إفساح المجال لميليشيات الحشد الشعبي للمشاركة بكثافة في معركة الموصل، فرصة لإيران لتحويل نفوذها السياسي في العراق إلى سيطرة ميدانية فعلية. وعزله عربياً خصوصاً مع دول الخليج العربية في مرحلة عراق ما بعد داعش.
وهناك رآي آخر، يرى في المشاركة المزمعة منقبل الولايات المتحدة الأمريكية في معركة الموصل وإرسالها حنود إضافيين للعراق ليس للحد فقط من النفوذ الإيراني على العراق وإنما أيضاً لقطع الطريق على أي نفوذ لحليفها التركي في مرحلة ما بعد داعش، ويأتي هذا القطع الأمريكي في سياق العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا على خلفية تضارب الرؤى في أولويات حل الأزمة السورية وما نتج عنها من تداعيات خطيرة على الأمن القومي التركي وخاصة مع تصاعد الدور الكردي السوري المدعوم أمريكيا، فتركيا عندما فشلت فى الحصول على منطقة نفوذ تركية فى شمالي سوريا اتجهت إلى فرض ذلك على شمالي العراق تحت مزاعم المشاركة فى الحرب ضد تنظيم «داعش» لكن الرفض العراقى لهذا الوجود العسكرى التركى المدعوم أمريكيا، ودخول الولايات المتحدة كطرف مباشر وقوى فى الحرب ضد «داعش» فى معارك تحرير «الرمادى» وبعدها تحرير «الفلوجة» والآن الاستعدادات لتحرير «الموصل» حرم تركيا من تحقيق أية نفوذ فى العراق، علاوة على دخول تنظيم «داعش» مرحلة الاحتضار بعد هزائمه فى أهم معاركه داخل العراق، إضافة إلى دعم الأمريكيين لقوات ما يسمى بـ «سوريا الديمقراطية» الكردية فى شمال سوريا فى حربهم ضد «داعش»، الأمر الذى وضع الأمريكيين وجها لوجه فى مواجهة الطموحات التركية فى سوريا والعراق، ومن هنا يمكن أن يفهم تلكأ الولايات المتحدة الأمريكية في إدانة محاولة الانقلاب العسكري ضد حكومة العدالة والتنمية في تركيا، فالتحليلات السياسية فسرت هذا التلكأ إنه ينطوي على احتمالين لا ثالث لهما إما تكون الولايات المتحدة الأمريكية داعمة أو مباركة للمحاولة الانقلابية.
خلاصة القول: تراوحت العلاقات الأمريكية الإيرانية في مرحلة ما قبل وبعد احتلال العراق في نيسان/إبريل عام 2003م، بين الوفاق حول إضعاف هذا البلد ذي المقدّرات الضخمة والعمل المشترك على تحييده عن لعب دور مهم في التفاعلات السياسية والاقتصادية والأمنية في بيئة الشرق الأوسط، وبين الصراع على النفوذ داخله. ويمثّل التنافس الأميركي الإيراني على كسب دور في الحرب على تنظيم داعش، أحدث حلقة في ذلك الصراع المتواصل بين الدولتين، لكنها لن تكون الأخيرة، إذ أن المهم ليس الحرب في حدّ ذاتها لكن ما ستؤول إليه وتفرزه من أوضاع جديدة في العراق تسعى كلّ من الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني استثمارها بما يخدم مصالحهما بشكل منفرد أو ربما يحدث تقاسم مصالحهما في العراق وربما يحدث ذلك فالعلاقات بين دول رمال متحركة لا تعرف الثبات.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية