شهد يوم الأربعاء الماضي مرور الذكرى السنوية الأولى لما بات يعرف باسم الاتفاق النووي٬ الذي أبرم بوساطة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع النظام الخميني في إيران٬ وجرى تسويقه من كلا الجانبين على أنه أعظم انتصار دبلوماسي مشهود.
وفي هذا الوقت من العام الماضي٬ كان الرئيس حسن روحاني يتحدث عن «أعظم انتصار دبلوماسي في تاريخ الإسلام» في حين كانت قوات الأمن «الإسلامية» الإيرانية تنظم فعاليات المظاهرات «العفوية» التي تؤصل للحظة الانتصار العظيم. وكانت الحاشية الموالية للرئيس روحاني تبث الشائعات بأنه قد يرشح لنيل جائزة نوبل للسلام٬ في الوقت الذي كان شقيقه حسين فريدون يشرف على تشييد تمثال نصفي للسيد الرئيس في قرية سورخه التي شهدت مسقط رأسيهما.
من جانبها٬ أشرفت الحاشية الموالية للرئيس الأميركي في واشنطن على عملية متقنة لتسويق وبيع «شحنة من السلع» للكونغرس٬ والإعلام٬ وما وراء ذلك٬ الجمهور الأميركي٬ التي كان من المقرر أن يكشف عنها مستشارو الرئيس أنفسهم بعد بضعة أشهر.
في هذا العام٬ بطبيعة الحال٬ لم تكن هناك مظاهرات «عفوية» في طهران٬ وإذا ما كانت التقارير الإخبارية التي نطلع عليها صحيحة٬ ليس من أحد يعمل على تنظيف أوساخ الحمائم والطيور من على تمثال روحاني النصفي في قرية سورخه. ولقد تعهد روحاني بأن الاتفاق النووي سوف يمثل بداية لحقبة جديدة من النمو الاقتصادي والمصداقية الدولية. وللحفاظ على تلك الأسطورة على قيد الحياة٬ سافر الرئيس الإيراني إلى عشرات العواصم الدولية٬ بعض منها في الغرب٬ كما استضاف كثيرا من الشخصيات العامة الأجنبية من نحو 60 دولة مختلفة الذين هرعوا إلى طهران كما لو كان مهرجانا دوليا جديدا. ولمنح السفريات والزيارات الزائفة الصورة والشكل اللائقين٬ أعلن روحاني وحاشيته المقربة عن الاتفاقيات التجارية المصطنعة مع 30 دولة التي تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من 400 مليار دولار.
ومع ذلك٬ لم تنطل خدعة أوباما المحبوكة بحرص على الجميع. فلقد لاحظ بعضنا منذ البداية أن الاتفاق الوحيد الذي أبرم يتعلق بأساليب التحايل على الكونغرس الأميركي٬ وعلى البرلمان الإيراني المصطنع (المجلس الإسلامي). كما لاحظنا حقيقة مفادها أن سيل ذهب الأغبياء الذي تعهد به الرئيس روحاني لن يتحول قط إلى عملات نقدية مقبولة في هذا الجزء من العالم الثالث.
وبمجرد انكشاف الخدعة٬ حاول أوباما برفقة «فتيان نيويورك» من طهران التسويق لخطاب جديد يفيد بأن «الاتفاق» غير الموجود بالأساس٬ والمعروف في اللغة الفارسية باسم بارجام٬ كان الفصل الأول من مسرحية ثلاثية الفصول٬ تلك التي تشهد تحول إيران من كيان منبوذ دوليا وصانع المشكلات للجميع بما في ذلك نفسها٬ إلى «شريك بناء» للولايات المتحدة.
وكان الفصل الثاني من المسرحية الهزلية يدور حول إنتاج انتصار ساحق لـ«فتيان نيويورك»٬ ومنحهم السيطرة على مجلس الخبراء ومجلس الشورى الإسلامي في إيران. ومع ذلك٬ عندما عقدت الانتخابات بالفعل٬ كان الفصل الثاني المأمول فيه بشدة قد تحول إلى واقع مختلف بالكلية. وفي حين كانت هناك إشارات بأن كثيرا من الناخبين قد ضاقوا ذرعا بالزمرة الخمينية الحاكمة٬ فإنه لم تكن هناك مؤشرات على أن «فتيان نيويورك» قد حازوا دائرة انتخابية واحدة مؤيدة لهم بالكامل في تلك الانتخابات.
وكان الفصل الثالث من المسرحية٬ُيفترض٬ أن يشهد «فتيان نيويورك» وهم يكبحون جماح الحرس الثوري والبدء في تغييرات جذرية في سلوكيات الجمهورية الإسلامية. جون كيري٬ وزير الخارجية الأميركي الحالي٬ وأحد الدبلوماسيين الذين لا يفقهون والذين عرفتهم خلال الخمسين عاما المنقضية من العمل بالصحافة والإعلام٬ أعتقد أن اجتماعاته٬ التي جاوزت المائة اجتماع٬ مع محمد جواد ظريف٬ أحد أبرز «فتيان نيويورك» الذي يعمل في وظيفة وزير خارجية دولة الملالي٬ قد تسفر عن تحول الذئب الخميني الشرس إلى حمل وديع غير مؤذ.
تقبل روحاني وحاشيته شروط المهانة والإذلال٬ التي لم تكن هناك قيادة تحترم ذاتها تفكر٬ مجرد التفكير٬ في النظر فيها.
أولا: أنهم وافقوا على التفاوض مع عصابة ليس لها من أساس قانونيُيذكر٬ أطلقت عليها وسائل الإعلام اسم دول مجموعة 5+1 .وبالتالي الاستهزاء بوضعية إيران بوصفها دولة قومية ذات سيادة تتفاوض مع دول قومية أخرى وذات سيادة٬ إما على المستوى الثنائي أو المستوى متعدد الأطراف ضمن إطار الأمم المتحدة٬ وغير ذلك من المنظمات الدولية.
ثانيا: عن طريق تقديم «الاتفاق» فإنهم يعتبرون موافقين بصورة ضمنية على أن إيران تعتبر مخالفة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية٬ وبالتالي فإنها مستحقة للعقوبات الدولية التي فُرضت عليها من جانب مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
ثالثا: أنهم وافقوا على أن مثل هذه العقوبات٬ بالإضافة إلى العقوبات المفردة الأخرى المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ينبغي أن «ُتعلق»٬ ولكن تظل صحيحة من الناحية القانونية لفترة لا تقل عن 15 عاما.
رابعا: اتفق المشاركون على بقاء الأرصدة الإيرانية المجمدة تحت سيطرة الولايات المتحدة لفترة تبلغ 15 عاما أخرى. وفي المقابل٬ تسمح الولايات المتحدة لإيران بإنفاق أموالها الخاصة٬ وفق شروط معينة ووفق ضوء أخضر مسبق من قبل دول مجموعة 5+1 غير القانونية. كان أوباما قد أفرج عن الأصول الإيرانية المجمدة ولكن بدفعات صغيرة٬ أو ما يمكن وصفه بأنه النسخة المالية من الإيهام بالغرق. ويتلقى الملالي في طهران ما يكفيهم من الأموال لسداد رواتب وكلائهم العسكريين والإرهابيين في لبنان وسوريا والعراق٬ ولكنها لا تكفي أبدا لبناء المدينة الفاضلة التي تعهد روحاني ببنائها.
لا تزال الشركات والأفراد في إيران ممنوعين من التواصل مع النظام المصرفي الدولي. حتى إن عناصر «حزب الله» اللبناني يتسلمون أجورهم في صورة حقائب جلدية مليئة بأوراق البنكنوت الخضراء المنقولة جوا إلى مطار بيروت. ومن بين إجمالي الأصول الإيرانية المجمدة لم يتم الإفراج سوى عن 10 في المائة٬ في حين أن المحاكم الأميركية استولت على ما قيمته 5.2 مليار دولار من الأصول الإيرانية لسداد تعويضات ضحايا عمليات الإرهاب الخمينية القميئة. وعلى الرغم من تعليق بعض العقوبات٬ وليس رفعها بالكامل٬ فهناك ما لا يقل عن 20 عقوبة أخرى مفروضة على الأفراد والشركات الإيرانية٬ منذ إبرام الاتفاق النووي التاريخي قبل عام من الآن.
ولأجل التأكد٬ وذلك بفضل حقيقة أن روحاني و«فتيان نيويورك» ليست لديهم سلطة على البرنامج النووي أن الجمهورية الإسلامية لم تعدل بشكل كبير من طموحاتها٬ أيا كانت تلك الطموحات. ولقد وصف بهروز كمالواندي٬ الناطق الرسمي باسم وكالة الطاقة الذرية الإيرانية٬ الأمر بصورة لطيفة٬ إذ قال إنه ما من شيء أصبح خارج نطاق السيطرة٬ مضيفا أنه «يمكن الرجوع في كل شيء بمجرد انتصاف النهار».
وبعد عام من «الاتفاق» الملفق٬ ما كان يعرف في الأوساط القضائية الغربية باسم «المشكلة الإيرانية» لا يزال كما هو دون تغيير. ولدينا في طهران نظام لا يمكنه تحرير ذاته من الأوهام الثورية٬ ويستمر في التصرف كمثل المراهق الثوري الذي يرفض أن يكبر ويعقل. ويحاول النظام الثوري الإيراني أن يجعل بقية دول الشرق الأوسط مثله تماما٬ وذلك لأنه يخشى أن يضطر إلى أن يصبح مثل بقية دول الشرق الأوسط. كل الذي صنعه أوباما أنه ركل القنبلة الموقوتة على طريق خليفته في رئاسة البلاد.
كان «الاتفاق» المخادع لأوباما يهدف إلى تمهيد الطريق إلى زيارة تختطف عدسات المصورين إلى طهران خلال العام الماضي بصفته رئيسا للولايات المتحدة. ولكن ذلك أبدا لن يحدث٬ حيث إن أوبرا «باراك أوباما في إيران» ليس بمقدورها منافسة أوبرا «نيكسون في الصين»٬ وذلك بسبب أنها لن تتم٬ على الرغم من أن تسمية الأوبرا الكوميدية الراهنة «حكاية الكاذبين الاثنين» لا تزال ممكنة.
أمير الطاهري
صحيفة الشرق الاوسط