حتى وقت قريب، كان غريباً ذلك التضامن الذي أبداه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم كان رئيساً للوزراء وزعيماً لحزب العدالة والتنمية “الإسلامي”، مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية، عندما حلّ بها ما حل في 30 يونيو/ حزيران 2013. فقد بلغ التضامن يومها مبلغاً كبيراً، حتى يمكن أن يُنسب إلى أردوغان ابتكار الشعار الذي استخدمه “الإخوان” وأنصارهم، تيمناً باعتصامهم في ميدان رابعة العدوية، رسم كفٍّ يشير بأربعة أصابع على خلفيةٍ صفراء، ويشبه حركة لأردوغان وهو يشرح لحشد من جمهوره في اسطنبول، ضمن وقفته التضامنية مع حكم “الإخوان” عقب إطاحة محمد مرسي، قصة رابعة العدوية.
مكمن الغرابة هو الافتراقات الأساسية والمنهجية التي بين الطرفين، وتجعلهما مختلفين تماماً في المضمون؛ وإنْ ينسب كل منهما نفسه إلى المرجعية الفكرية والسياسية نفسها، وهي افتراقاتٌ يُفترض أن تكون أكثر استيعاباً وفهماً لدى أردوغان وحزبه، بفعل خبرته السياسية وعمقه الفكري.
الاختلاف المنهجي الأساسي الذي ظل يفصل “العدالة والتنمية” التركي عن أشباه الأحزاب وأشباه الحركات السياسية من “الإسلاميين” العرب، “الإخوان” وغيرهم، فيمكن تكثيفه في افتراقهما حول فكرة الحرية. بنى الحزب التركي، وحتى قبيل المحاولة الانقلابية العسكرية، سلوكه السياسي، على منهج “أنا إسلامي. أما أنت، فلك الحق في أن تعتقد ما تشاء”. وهذه قاعدة أساسية في الحرية الفكرية والسياسية، وفي الحفاظ على التعدّدية السياسية والاجتماعية في الدولة، تحول دون قيام حكم شمولي، وتسمح بتداول السلطة، ولا تستدعي فرض رأيٍ معين على المجتمع؛ فيما تسمح للحزب الفائز بالانتخابات بإنفاذ برنامجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مادام في السلطة، وفي الوقت نفسه الذي تنشط وتتحرّك فيه قوى معارضته، سعياً إلى الحلول محله في الانتخابات اللاحقة.
أما الحركات “الإسلامية” في العالم العربي، الإخوانية وغير الإخوانية، وهي، في جوهرها، تجمعات لأنصار استحضار أفكار التراث وإعادة إنتاج الماضي، لا أنصار الإسلام نفسه بالضرورة، فتبني أفكارها وسلوكها على نهجٍ معاكس تماماً، مفاده “أنا إسلامي. أما أنت، فعليك أن تصير مثلي، وإلا حلّ عليك عقاب إلهي” (!)، وهذه قاعدة تدفعهم دائماً إلى السعي إلى إقامة ما تسمى “دولة الشريعة” التي تحاسب الناس على أفكارهم وآرائهم، فضلاً عن تصرفاتهم، وتتهم كل معارض أو مخالفٍ بأنه فاسق أو كافر.
لو كان لدى حزب العدالة والتنمية التركي مثل تلك الأفهام الماضوية عن الإسلام التي لدى هؤلاء “الإسلاميين” في العالم العربي، لما رأيناه حزباً سياسياً ناجحاً ينهض بالدولة والأمة التركيتين، ويريح الشعب التركي إلى درجة استماتته في الدفاع عنه في وجه الحركة الانقلابية التي اتضح أن قطاعاتٍ واسعةً من الجيش شاركت فيها؛ بل لرأيناه حزب أزمات، يبث الخراب، ذلك أن الماضي لا يمكن إعادة إنتاجه في الحاضر أبداً. هذا فضلاً عن أن ذلك ليس مطلوباً في الإسلام، وإنما في عقول “الماضويين” وحسب.
ليتنا ننجح، في العالم العربي، في إقامة مثل ذلك الحزب الذي يعلن برنامجاً مشتقاً من قواعد الإسلام الشرعية والأخلاقية، لكنه لا يعمل على تنفيذه، إلا إذا وافقت عليه أغلبية الشعب في انتخاباتٍ ديمقراطية؛ يقول فيها عن برنامجه إنه بشري يخطئ ويصيب، وليس برنامجاً ربانياً يُثاب من يصوّت له بالحسنات ودخول الجنة، ويُعاقب من يصوّت لغيره بالسيئات والخلود في النار. ثم هو لا يُرهب الناس بإسلاميته، إنما يستمد تصرفاته الدكتاتورية، لو أراد وجودها، من تفويض الناس، لا من تفويضٍ مفترض من الله. وهو كذلك لا يتغطّى بآياتٍ القرآن لتزكية نفسه ومرشحيه وسلوكه وسياساته.
حتى ذلك الحين، سيظل غريباً أيضاً أن تنتصر الشعوب العربية لأردوغان وحزبه في وجه المحاولة الانقلابية العسكرية، وتُبدي تعاطفاً منقطع النظير معه، فيما هي لا تمشي على خطاه في الانتقال بالتفكير الإسلامي من الماضي إلى المستقبل، ومن الأيديولوجيا والمحفوظات الجاهزة إلى البراغماتية والحنكة السياسية، ومن محاربة المخالفين باتهامات التكفير والردة كما يفعل العرب، إلى محاربتهم بتهم خيانة الوطن ومخالفة مصالح الشعب، كما يفعل هو اليوم، مغتنماً النتائج التي ترتبت على محاولة خصومه الانقلاب عليه.
مكمن الغرابة هو الافتراقات الأساسية والمنهجية التي بين الطرفين، وتجعلهما مختلفين تماماً في المضمون؛ وإنْ ينسب كل منهما نفسه إلى المرجعية الفكرية والسياسية نفسها، وهي افتراقاتٌ يُفترض أن تكون أكثر استيعاباً وفهماً لدى أردوغان وحزبه، بفعل خبرته السياسية وعمقه الفكري.
الاختلاف المنهجي الأساسي الذي ظل يفصل “العدالة والتنمية” التركي عن أشباه الأحزاب وأشباه الحركات السياسية من “الإسلاميين” العرب، “الإخوان” وغيرهم، فيمكن تكثيفه في افتراقهما حول فكرة الحرية. بنى الحزب التركي، وحتى قبيل المحاولة الانقلابية العسكرية، سلوكه السياسي، على منهج “أنا إسلامي. أما أنت، فلك الحق في أن تعتقد ما تشاء”. وهذه قاعدة أساسية في الحرية الفكرية والسياسية، وفي الحفاظ على التعدّدية السياسية والاجتماعية في الدولة، تحول دون قيام حكم شمولي، وتسمح بتداول السلطة، ولا تستدعي فرض رأيٍ معين على المجتمع؛ فيما تسمح للحزب الفائز بالانتخابات بإنفاذ برنامجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مادام في السلطة، وفي الوقت نفسه الذي تنشط وتتحرّك فيه قوى معارضته، سعياً إلى الحلول محله في الانتخابات اللاحقة.
أما الحركات “الإسلامية” في العالم العربي، الإخوانية وغير الإخوانية، وهي، في جوهرها، تجمعات لأنصار استحضار أفكار التراث وإعادة إنتاج الماضي، لا أنصار الإسلام نفسه بالضرورة، فتبني أفكارها وسلوكها على نهجٍ معاكس تماماً، مفاده “أنا إسلامي. أما أنت، فعليك أن تصير مثلي، وإلا حلّ عليك عقاب إلهي” (!)، وهذه قاعدة تدفعهم دائماً إلى السعي إلى إقامة ما تسمى “دولة الشريعة” التي تحاسب الناس على أفكارهم وآرائهم، فضلاً عن تصرفاتهم، وتتهم كل معارض أو مخالفٍ بأنه فاسق أو كافر.
لو كان لدى حزب العدالة والتنمية التركي مثل تلك الأفهام الماضوية عن الإسلام التي لدى هؤلاء “الإسلاميين” في العالم العربي، لما رأيناه حزباً سياسياً ناجحاً ينهض بالدولة والأمة التركيتين، ويريح الشعب التركي إلى درجة استماتته في الدفاع عنه في وجه الحركة الانقلابية التي اتضح أن قطاعاتٍ واسعةً من الجيش شاركت فيها؛ بل لرأيناه حزب أزمات، يبث الخراب، ذلك أن الماضي لا يمكن إعادة إنتاجه في الحاضر أبداً. هذا فضلاً عن أن ذلك ليس مطلوباً في الإسلام، وإنما في عقول “الماضويين” وحسب.
ليتنا ننجح، في العالم العربي، في إقامة مثل ذلك الحزب الذي يعلن برنامجاً مشتقاً من قواعد الإسلام الشرعية والأخلاقية، لكنه لا يعمل على تنفيذه، إلا إذا وافقت عليه أغلبية الشعب في انتخاباتٍ ديمقراطية؛ يقول فيها عن برنامجه إنه بشري يخطئ ويصيب، وليس برنامجاً ربانياً يُثاب من يصوّت له بالحسنات ودخول الجنة، ويُعاقب من يصوّت لغيره بالسيئات والخلود في النار. ثم هو لا يُرهب الناس بإسلاميته، إنما يستمد تصرفاته الدكتاتورية، لو أراد وجودها، من تفويض الناس، لا من تفويضٍ مفترض من الله. وهو كذلك لا يتغطّى بآياتٍ القرآن لتزكية نفسه ومرشحيه وسلوكه وسياساته.
حتى ذلك الحين، سيظل غريباً أيضاً أن تنتصر الشعوب العربية لأردوغان وحزبه في وجه المحاولة الانقلابية العسكرية، وتُبدي تعاطفاً منقطع النظير معه، فيما هي لا تمشي على خطاه في الانتقال بالتفكير الإسلامي من الماضي إلى المستقبل، ومن الأيديولوجيا والمحفوظات الجاهزة إلى البراغماتية والحنكة السياسية، ومن محاربة المخالفين باتهامات التكفير والردة كما يفعل العرب، إلى محاربتهم بتهم خيانة الوطن ومخالفة مصالح الشعب، كما يفعل هو اليوم، مغتنماً النتائج التي ترتبت على محاولة خصومه الانقلاب عليه.
سامر خير أحمد
صحيفة العربي الجديد