كما كان متوقعاً، فإن انعقاد القمة العربية في نواكشوط والنتائج التي أسفرت عنها ، تحوّلت إلى مناسبة مختارة لقصف النظام الإقليمي العربي بسيل من التقييمات السلبية والانتقادات الساخرة والتوقعات المتشائمة. وكالعادة لم يصدر القصف عن أفراد وجماعات مناهضة، للمشروع العربي، ولكن أيضاً وفي حالات كثيرة وملحوظة، من مصادر تتعاطف مع الفكرة العربية، ولكن ليس مع مؤسستي القمة والجامعة اللتين تعتبران، في نظر هؤلاء، عقبة أمام تحقيق فكرة الوحدة العربية.
الأرجح أن الذين حضروا للقمة لم يتغاضوا عن ثغراتها، ولكنهم دعوا الناقدين إلى الأخذ بعين الاعتبار ظروف انعقادها. فهذه القمة كانت قمة بديلة عن قمة الرباط ، وأن التحضير لها تم في زمن قصير نسبياً لم يتجاوز بضعة أسابيع. ثم إن القمة جاءت في وقت تتعرض فيه مشاريع التكامل في كل مكان (الاتحاد الأوروبي، ميركوسور، نافتا إلخ…) إلى ضغوط ومتاعب تطرح فكرة التكامل الإقليمي على بساط البحث والنقاش. أخيراً لا آخراً، فإنه حري بنا أن نتذكر أن قمة نواكشوط تنعقد في المنطقة العربية التي قل أن مرت بما يلم بها اليوم من مصاعب وحروب ومآس كبرى مما يضاعف من مشاكل التحضير للقمم السياسية. بالطبع تحتاج المنطقة إلى،قمة عناية فائقة، ولكن قمة من هذا النوع تحتاج إلى جهود استثنائية لا تتوافر اليوم في المنطقة العربية ولا حتى في المجتمع الدولي. أخذاً بعين الاعتبار هذا الواقع، فإنه حريّ بالحريصين على استمرار النظام الإقليمي العربي أن يعتبروا مجرد انعقاد القمة العربية-نعم مجرد انعقادها- فعلاً إيجابياً.
من المفروض في القمة الدورية، قمة نواكشوط أو غيرها، أن تضع برنامجاً سنوياً للعمل العربي المشترك يبدأ بتحديد التحديات والمعضلات الماثلة أمام المجتمعات العربية، ثم يمر بتوصيف العلاجات المناسبة لهذه المعضلات والأمراض، وصولاً إلى تبيان كيفية الوصول إلى هذه العلاجات وطرق استخدامها. ولقد أصاب البيان في تحديد أهم التحديات والمخاطر التي تحيق بالمنطقة العربية، وتوقف عند نوعين من الأخطار: الحروب العابرة للأقطار والمشتعلة داخلها، والثاني هو الأخطار الإقليمية بما فيها أخطار السلاح النووي والاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي العربية والتدخل الإيراني في الدول العربية وإرهاب الجماعات المتطرفة. كذلك أصاب البيان في دعوته إلى التركيز على العمل السياسي والمصالحات الوطنية للخلاص من مآسي الحروب الداخلية العربية-العربية. كما أصاب البيان أيضاً في الدعوة إلى إدخال الإصلاحات الداخلية على منظومة العمل العربي المشترك وتطويرها، وحبذا لو أطلق البيان بعض الإشارات بصدد الإصلاحات المطلوبة بحيث يمكن الاسترشاد بها مستقبلاً. والإصلاحات المطلوبة باتت ضرورية من أجل تأهيل مؤسسات العمل العربي المشترك للاضطلاع بالمهام المطلوبة خاصة لجهة إعادة السلام إلى المنطقة والعمل على إعادة إعمارها.
في هذا السياق الأخير تتسم مسألة آليات اتخاذ القرار في مؤسسات العمل العربي المشترك بأهمية بالغة. ذلك أن التجارب تدل على أن اختيار نمط اتخاذ القرار القائم على المساواة والإنصاف يساعد على استتباب العلاقات الطبيعية والعاقلة بين الأشقاء العرب. أما تطبيق أنظمة لاتخاذ القرار غير عادلة وغير منصفة وواضحة ، فيزرع المتاعب في مؤسسات العمل العربي المشترك. وحتى الآن عُمِل في مؤسسات العمل العربي المشترك بنظام لاتخاذ القرارات عبر التصويت في القضايا الإجرائية، أما في القضايا الموضوعية فقد أخذ بقاعدة التوافق، وإلا فإن القرار يلزم من يقبل به، وهذا ينطبق على اتخاذ القرار على مستوى القمة بصورة خاصة. وما زال هذا القرار الأخير مصدر ارتباك في عمل الجامعة، إذ مفروض فيها أن تكون مؤسسة قائمة بذاتها وتملك الاستمرارية. بالمقابل فإن قاعدة، القرار يلزم الموافق عليه فقط، تحول الجامعة إلى لقاءات بعيدة عن الديمومة وعن المأسسة معا.
حاولت الجامعة العربية أن تستبدل هذه القاعدة عام 2006 عندما وافق وزراء الخارجية العرب على إقرار قاعدة التصويت بأغلبية الثلثين في القضايا الموضوعية أيضاً، ولكن هذه المحاولة لم تذهب بعيداً، إذ قل أن سمعنا عن قرارات اتخذت وفقاً لقاعدة الثلثين. ويجدر بالذكر أن آسيان، رابطة دول جنوب شرق آسيا، التي أخذت عند تأسيسها في الستينات بقاعدة التوافق في صنع القرارات ومنحت، بالتالي، كل دولة من الدول الأعضاء فيها حق الفيتو عند التصويت، سعت بدورها إلى تطبيق قاعدة الأكثرية إلا أنها لم تذهب بعيداً في هذا المضمار إذ جرت العودة إلى قاعدة التوافق ، خاصة بعد أن توسعت فتنوعت مصالح ومواقف الدول الأعضاء فيها. أما التكتل الإقليمي الذي سار خطوات على طريق التصويت الأكثري فهو الاتحاد الأوروبي. ويملك الاتحاد الأوروبي حق التصويت بالأكثرية في القضايا غير الاشتراعية، والتصويت النوعي الذي يتطلب موافقة ممثلي 55% من الدول الأعضاء على مشاريع القرارات المعروضة على الاتحاد وهيئاته الاشتراعية وسلطاته التنفيذية. ولا ريب، في تقديري، أن نظام التصويت في الاتحاد الأوروبي هو أفضل من نظام التصويت في آسيان والجامعة العربية، وإذا أريد للجامعة وللنظام الإقليمي العربي العمل ، فمن الأفضل المباشرة باقتباس النظام الأوروبي ولكن مع التدرج في تطبيقه.
رغيد الصلح
صحيفة الخليج