في هذه الأجواء، وبينما انشغل المحللون السياسيون في التفكير والتحليل لماهية الحل السياسي القادم الذي ستفرضه روسيا وحلفاؤها، مستغلة انشغال الإدارة الأميركية في المعركة الانتخابية، والأتراك بأمورهم الداخلية بعد الانقلاب الفاشل، وتركيز اهتمام السعودية ودول الخليج العربي على معركة اليمن الممتدة، بدأت قوات المعارضة المسلحة السورية هجوماً معاكساً استطاعت به الالتفاف على الحصار، وهزيمة قوات الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات المتحالفة معها، والسيطرة على مساحاتٍ واسعةٍ من حلب، بينها قواعد عسكرية مهمة، مثل مدرسة المدفعية والتسليح ومنطقة الراموسة، وتمكّنت من كسر حصار حلب الشرقية، والبدء بحصار حلب الغربية الواقعة تحت سيطرة النظام.
قد يكون كسر الحصار ليس الإنجاز الأكبر لقوى المعارضة المسلحة، مقارنة مع اغتنام مستودعات أسلحة كاملة، كان النظام يخزّنها في القواعد العسكرية التي خسرها، مما سيعوّض القوات المهاجمة عن انقطاع الدعم القادم من الشمال، عن طريق “الكاستيللو”، ويمكّنها من متابعة هجومها لمدة أشهر عديدة، وسيرفع كثيراً خسائر إيران وذراعها الرئيسية في المنطقة، حزب الله، وسيضع موسكو في وضعٍ لا تحسد عليه، بعد فشل رهانها على الحسم العسكري، على الرغم من سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها أسطولها الجوي في القرى والمدن السورية. فهل سيقرأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الرسالة القادمة من حلب؟ وإذا قرأها هل سيفهم معناها؟.
تقول الرسالة إن إيران وحرسها الثوري بكامل طاقته، وحزب الله بكامل عدده، وكتائب الحقد الطائفي العراقية والأفغانية بكامل عدتها، وما تبقى من جيش طاغية دمشق مع كل محتوى الخزينة السورية من مال وسلاح، مضافاً إليها قوات روسيا الجوية الهائلة والمدمرة كل شيء، من دون تمييز بين عسكر ومدنيين أو بين حجر أو بشر، فشلت كلها في استعادة نصف مدينة حلب، بل وقد تخسر النصف الآخر.
هل سيبقى زعيم الكرملين مصمماً على الحسم العسكري طريقاً وحيداً لفرض الحل الذي يريد في سورية؟ وهل سيستشرس في الدفاع عن نظام متهالك، ويحول سورية إلى أفغانستان أخرى، تستنزف روسيا، وتُغرق السوريين في الدم والدمار عقوداً؟ أم أن معارك حلب والهزائم التي مُني بها الحلف الذي يدعمه قد تشكّل فرصةً لاستخلاص العبر، وتفهّم أهمية الضغط على الإيرانيين، ومن خلالهم على طاغية دمشق، ودفعهم إلى قبول حلٍّ سياسي يحقّق طموحات الشعب السوري المشروعة في الحرية والديمقراطية، والاستقرار في دولةٍ عصريةٍ بعيداً عن الحكم المافيوي لآل الأسد وجرائمه، وعن التنظيمات التكفيرية وإرهابها وظلامها، بما يضمن استقرار سورية دولةً مسالمةً متصالحةً مع جوارها والعالم؟
شرح رسالة حلب، ومحاولة إيصالها إلى الروس، وكل من يهمه أمر سورية، يجب أن تكون مهمة كل الوطنيين السوريين، وكل حلفاء الشعب السوري الصادقين، كما أن تقدّم النخبة الثقافية والسياسية الوطنية في سورية بمشروع وطني، يوحِّد الغالبية الساحقة من السوريين، حول بنوده، ويرسم صورة حضارية عن السوريين وثورتهم، وحلمهم بدولة حرة ودستور يساوي بينهم، من دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق، قد يساعد كثيرين، وفي مقدمتهم الروس، على استيعاب الرسالة التي أرسلتها حلب إلى الجميع في الأيام الماضية.