تفعل الطائرات الروسية فعلها في حلب وعلى امتداد مناطق إدلب وغيرها من مناطق نفوذ المعارضة السورية، لكنها غائبة عن ذلك التنظيم الذي ضجّ الغرب والعرب بأفعاله الدموية، يغيب هذا التنظيم عن جدول أعمال الرئيس الروسي الذي يكرر أن معركته في سوريا ضد الإرهاب، ولكن الإرهاب كما تشير الأهداف الروسية على الأرض، هو كل معارض جدي للرئيس بشار الأسد، وكل القوى التي نالها من تنظيم داعش ما نالها من قتل وإبادة.
الهدف الروسي والإيراني هو ضرب المشروع البديل عن نظام الأسد، وهذا المشروع لا يمكن أن يكون داعش لا لأن هذا التنظيم أقل أو أكثر إجراما من الأسد، بل لأسباب تتصل بأوضاع دولية وبعنوان الإرهاب الذي يختزل وجود هذا التنظيم دوليا وإقليميا. من هنا تتركز الجهود الإيرانية الروسية على محاولة إنهاء المعارضة السورية المقبولة دوليا، وتلك التي تحظى بدعم عربي أو رعاية تركية. من هنا كانت معركة حلب لفك الحصار عن آخر معاقل المعارضة في المدينة رسالة قوية لروسيا وإيران بأن التسامح في عملية إضعاف المعارضة لا يعني إلغاءها، فيما شكلت إرادة القتال لفصائل المعارضة السورية في حلب وجها متجددا للرفض العميق لدى الشعب السوري للنظام السوري المتهالك، وبالدرجة الأولى لما تسميه قوى المعارضة قوى الاحتلال الروسي والإيراني والميليشيات الأجنبية التي تشكل الطاقة العسكرية الفعلية على الأرض وفي الجو.
حدد الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ عامين مدة زمنية تمتد بين ثلاث سنوات وخمس سنوات للقضاء على هذا التنظيم. وتحديد هذه المدة الزمنية قد يبدو عكس المرجو منه. ذلك أنه إذا ما جرى التدقيق في الشروط التي وضعها الرئيس الأميركي لإنجازها، نجد أن ما طلبه أوباما هو عملية سياسية يجب أن تواكب العمليات العسكرية ضد داعش. وهذه العملية السياسية حددها على خارطة انتشار هذا التنظيم، وهي في إعادة صياغة العملية السياسية بالعراق وفي سوريا، بما يوفر إعادة الاعتبار للمكون السني في المعادلة السياسية العراقية وداخل الدولة، كذلك في سوريا. وقال أوباما “نريد أن تكون هناك قوات قادرة على السيطرة في المناطق التي يمكن أن نخرج داعش منها وهذا يتطلب وجود حكومة تمثل الجميع”.
إضافة إلى هذا التحدي، ثمة ما هو أهم في نظر الأميركيين، ألا وهو إعادة صوغ المعادلة الإقليمية بشروط جديدة، تحقق لأطراف النزاع الإقليمي مساحة من الأدوار التي لا تميز بين الحلفاء التقليديين لواشنطن، أو اللاعبين الجدد تحت المظلة الأميركية… وإزاء هذه الشروط السياسية والإقليمية يمكن فهم أسباب عدم استعجال واشنطن للقضاء على داعش. فهي ببساطة لا تجد نهاية لداعش إذا لم يكن من بديل سياسي وإقليمي قادر على الحلول مكانها.
هذا التنظيم أظهر قدرة ليس على الصمود فحسب، بل على التمدد في خضم الحرب عليه من قبل التحالف الدولي، في سوريا. وإذا كان هناك من يوفر دعما لوجستيا وماليا لهذا التنظيم، إلا أن ذلك لا يقلل من قوة ذاتية توفرت لداعش. منها أسباب اجتماعية وسياسية لا تغيب عن أحد. فداعش هو فكرة جاذبة لكل من يعتقد أن العالم الإسلامي السنّي يتعرض منذ سنوات لهجمة استعمارية واحدة غربية تمثلها الإدارة الأميركية، وأخرى مذهبية تقودها إيران في سوريا والعراق واليمن. وهو جاذب أيضا لكل من يعتقد أن النظام العربي الرسمي أو ما تبقى منه، عاجز عن أن يكون ندّا للهجمة الخارجية من جهة، وفاشل وقامع لتطلعات المجتمعات العربية نحو الحرية ولتقاسم عادل للثروات الوطنية من جهة ثانية.
بهذا المعنى تنظيم داعش هو أكبر تنظيم في العالم الإسلامي، ما دامت السياسات الدولية والإقليمية تذهب نحو قمع خيارات الأكثرية لصالح الأقليات سواء كانت قومية أو سلطوية أو مذهبية.
في المقابل يعتقد بعض المراقبين أنه إذا كانت أهداف واشنطن واضحة لجهة صوغ معادلة إقليمية جديدة في الشرق الأوسط، فإن ثمة ما هو مسكوت عنه في السياسة الأميركية، وهي خارطة الطريق لتحقيق هذه الأهداف. إذ أن واشنطن تبقي عينها مثبتة على ما تعتقد أنه الجائزة الكبرى لها في هذا المخاض الإقليمي: أي إيران. ويلفت المراقبون إلى أن الإدارة الأميركية تنطلق من اعتبار استراتيجي يقوم على أن إيران لا يمكن أن تكون خارج نظام المصالح الأميركية في المنطقة، وعملية احتواء إيران جارية لكن هذه المرة على حساب النظام الإقليمي العربي، وبسلاح الإرهاب الذي يمثله داعش وبما يتلاءم ولا يتعارض مع المدى الإستراتيجي الحيوي لإسرائيل، والأرض السورية هي الامتحان الناجح على هذا الصعيد، فإيران تقول إن العداء هو مع العرب ليس مع إسرائيل وإن كان العنوان محاربة الإرهاب.
وإذا كانت واشنطن غير مهتمة بمواجهة النفوذ الإيراني وتمدده، كما هو الحال في اليمن أو في سوريا والعراق، فهي تعلم أن دولا إقليمية (تركيا السعودية) بما فيها الثورة السورية تشكل قوة ردع واستنزاف يعفي واشنطن من الرد المباشر. إضافة إلى حاجة السلطة الإيرانية المتنامية في الداخل والإقليم، إلى مستوى ملح من التعاون مع واشنطن في ظل الغضب السني ضدها.
الحرب السورية لم تشهد منذ بدايتها حتى يومنا هذا أيّ مواجهة فعلية بين التنظيمات الإيرانية الرسمية والميليشياوية بما فيها حزب الله مع تنظيم داعش، على طول الجغرافيا السورية، فقد كان التنظيم سلاحا في وجه المعارضات السورية المدنية والمعتدلة.
علي الأمين
العرب اللندنية