تحرك جديد: هل يتجه تنظيم “داعش” إلى تبني آلية العمليات الفردية؟

تحرك جديد: هل يتجه تنظيم “داعش” إلى تبني آلية العمليات الفردية؟

4906

يطرح الهجوم الانتحاري الذي قام به شاب سوري في مدينة “انسباخ” الألمانية في 24 يوليو 2016 وأسفر عن إصابة 15 شخصًا، دلالات عديدة تتصل بالتداعيات التي فرضتها العمليات العسكرية التي يتعرض لها تنظيم “داعش” في كل من سوريا والعراق. تتمثل الأولى، في أن تنظيم “داعش” بدأ في تبني آليات جديدة للرد على الضربات العسكرية التي يتعرض لها في سوريا والعراق، لا تعتمد في الأساس على الروابط التنظيمية بين العناصر الإرهابية التي تقوم بتنفيذ العمليات الإرهابية والتنظيم الرئيسي، بل تركز على التقارب الفكري بين الطرفين، بما يعني أن بعض العناصر التي قد تقوم بعمليات إرهابية ربما لم تنضم من قبل للتنظيم. وقد أشار وزير الداخلية الألماني الإقليمي يواكيم هيرمان إلى ذلك، في 25 يوليو 2016، حيث قال أن “الانتحاري السوري أعلن مبايعته للتنظيم قبل تنفيذ العملية”.

وتنصرف الثانية، إلى أنه رغم تراجع مساحة الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، بسبب الضربات العسكرية التي تتعرض لها مواقعه وعناصره على غرار ما حدث في الفلوجة وتدمر ومنبج، إلا أنه ما زالت لديه القدرة على ضم عناصر جديدة تتبنى الفكر المتشدد الذي يقوم بالترويج له، ويبدو ذلك جليًا في تكرار العمليات الفردية التي وقعت في ألمانيا، حيث أشارت اتجاهات عديدة إلى أن هجوم انسباخ كان الرابع من نوعه الذي تنفذه عناصر شرق أوسطية أو آسيوية ضد المواطنين الألمان خلال أسبوع.

ارتباط غير مباشر:

 ويبدو أن الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها بعض العواصم والمدن الأوروبية، تشير إلى أن التنظيم سوف يعتمد هذا النمط من العمليات الإرهابية التي تعتمد على وجود علاقة غير مباشرة بين التنظيم والعناصر الإرهابية التي تقوم بتلك العمليات ترتبط بالتقارب الفكري بين الطرفين، وهو ما تؤكده عملية الدهس التي شهدتها مدينة نيس الفرنسية والتي قام بها مواطن فرنسي من أصل تونسي، والهجوم على المسافرين في أحد القطارات الألمانية، ثم الهجوم على كنيسة بلدة سانت إتيان دو روفريه في مدينة روان شمال غرب فرنسا. وبالطبع، فإن ذلك في مجمله يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب إصرار بعض العناصر على تبني الفكر الذي يروج له تنظيم “داعش” وتنفيذ توجيهات التنظيم بالقيام بعمليات إرهابية بشكل فردي، غالبًا ما يترتب عليها مقتل الشخص منفذ العملية.

أسباب متعددة:

منذ الإعلان عن تأسيس تنظيم “داعش” اتجهت عناصر متطرفة من مناطق مختلفة من العالم إلى مبايعته إما بشكل جماعي أو بشكل وفردي؛ وهو ما أضفى سمة جديدة على التنظيم الذي أصبح متعدد الجنسيات وفقًا لاتجاهات عديدة. ورغم أن بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى ضمت عناصر إرهابية من جنسيات مختلفة، على غرار تنظيم “القاعدة”، إلا أنها لم تكن بنفس التعدد الذي يحظى به تنظيم “داعش” في الفترة الحالية، وهو ما يشير إلى وجود اعتبارات عديدة دفعت هذه العناصر إلى مبايعة التنظيم وتنفيذ توجيهاته بارتكاب عمليات إرهابية في بعض المناطق التي تتواجد فيها خلال الفترة الماضية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- الجاذبية الفكرية: يتبنى تنظيم “داعش” منظومة تتسم بالتشدد الفكري والعقائدي، وهو ما يُمثل عامل جذب في حد ذاته لبعض العناصر المتطرفة؛ حيث إن بعض الأفراد الذين لديهم ميول فكرية متطرفة دائمًا ما يكونون أكثر انجذابًا للأفكار المتشددة، بشكل يدفعهم إلى الانضمام للتنظيم من أجل تنفيذ توجيهاته وتحقيق أهدافه. وبالطبع، فإن هذا المستوى العالي من التطرف عزز من قدرة التنظيم على استقطاب المتشددين والمتطرفين الذين لا يتبنون الأفكار التقليدية، ويمارسون العنف بشكل عشوائي ودون ضوابط محددة، ويرغبون في الانتقام ممن حولهم أو المخالفين لهم، عبر القيام بعمليات إرهابية فردية. وقد أشار وزير الداخلية الألماني الإقليمي إلى أن منفذ عملية انسباخ أشار في رسالة مبايعته لـ”داعش” إلى أنه “يريد الانتقام من الألمان”.

2- الدعايا غير النمطية: يمتلك تنظيم “داعش” قدرات دعوية غير تقليدية لم يسبقه إليها أيٌّ من التنظيمات الإرهابية، من أهمها توظيف الوسائل التكنولوجية من مواقع الإنترنت والإصدارات الدورية مثل مجلة “دابق” ومقاطع الفيديو المصورة، وهو ما مكنه من إقناع بعض العناصر المتطرفة في مناطق متعددة حول العالم بقدرته وإمكانياته الضخمة. وبعبارة أخرى، فإن إصرار التنظيم على استخدام تلك الآليات في الفترة الماضية كان يهدف إلى الترويج لأفكاره وتوسيع نطاق الفئات التي يمكن أن تنضم إليه في ظل تلك المقومات التي يمتلكها.

وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن هذه الآليات مارست دورًا هامًّا ليس في انضمام مئات العناصر الشابة حول العالم بصورة فردية إلى تنظيم “داعش”، بل في تشكيل ما يمكن تسميته بـ”الخلايا النائمة” أو “الذئاب المنفردة” التي بدأت في تنفيذ توجيهات التنظيم بارتكاب عمليات إرهابية في المناطق التي تتواجد فيها.

3- تيسير مهام الإرهابيين: حرص تنظيم “داعش” في الفترة الماضية على عدم وضع شروط صارمة لانضمام العناصر الإرهابية التي تبايعه، حيث يسعى إلى تحريض أتباعه على ارتكاب عمليات إرهابية وأعمال عنف تحت مسمى “الجهاد” داخل المناطق التي يتواجدون بها، دون اشتراط الانخراط التنظيمي أو إعلان البيعة المباشرة للتنظيم، أو الالتزام بالسفر إلى معسكرات التنظيم في العراق وسوريا، وهو ما أدى إلى زيادة عدد العناصر الإرهابية التي تبايع التنظيم وتقوم بتنفيذ عمليات إرهابية لتحقيق أهدافه.

ويبدو أن ذلك سوف يدفع العديد من الدول الأوروبية إلى توجيه تحذيرات من إمكانية قيام عناصر تتبنى أفكار التنظيم بتنفيذ عمليات إرهابية جديدة خلال المرحلة المقبلة، بشكل ربما سوف يؤثر على السياسات التي تتبناها في التعامل مع تداعيات الأزمة السورية تحديدًا، ولا سيما فيما يتعلق باتخاذ إجراءات جديدة تجاه اللاجئين، وهو ما يبدو جليًا في طرح المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لخطة “النقاط التسع” لمحاربة الإرهاب، وإشارة وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دي لاين إلى قرب تحديد طرق وحدود إنزال الجيش إلى المدن لمواجهة الإرهاب.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية