ولّدت الحرب الأهلية السورية التي تبدو بلا نهاية الملايين من اللاجئين، لكن السياسة والخوف طغتا في الولايات المتحدة وأوروبا على النقاشات السياسية الدائرة حول كيفية التعامل مع أزمة اللاجئين. وقد واجه بعض القادة -خاصة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل- نكسات بسبب استعدادهم للقبول بأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في بلدانهم. وبالنسبة للولايات المتحدة، أصبحت أزمة اللاجئين من بين قضايا الحملة الرئاسية الجارية؛ حيث يقترح كل من كلينتون وترامب سياسات بالغة الاختلاف في هذا الصدد.
في عدد هذا الصيف من المجلة الفصلية “واشنطن كوارترلي”، يحدد دانيال بايمان، الزميل الرفيع في مركز بروكنغز لسياسة الشرق الأوسط، وسلُوان سبيكمان، محلل الشأن السوري، الخطوط العريضة للمجموعة الكاملة من الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة للتعامل مع هذه الأزمة. وكما يكتب المؤلفان، فإنه ليس هناك حل بسيط للمسألة، للأسف. وبدلاً من ذلك، يعرض بايمان وسبيكمان بأناة جملة التكاليف والفوائد التي تنطوي عليها مختلف الاستراتيجيات الممكنة للتعامل مع هذه المشكلة.
الخيارات السيئة والجيدة
يعرض الكاتبان خمسة مناهج ممكنة للتعامل مع أزمة اللاجئين والهجرة، ولو أنهما يلاحظان أن الخيارات لا تستبعد بعضها بعضا بالضرورة. وبغض النظر عن المسار الذي تتخذه الولايات المتحدة، كما يؤكد الكاتبان، فإن تدفق اللاجئين من سورية سوف يشكل تحديات كبيرة للعديد من السنوات المقبلة.
1. “الأذرع المفتوحة”. هذا اقتراح بسيط، كما يكتب بايمان وسبيكمان، لكن انتهاج سياسة باب مفتوح في المناخ السياسي الراهن تبدو غير مرجحة سياسياً، إذا لم تكن مستحيلة. فقد لقي، حتى التزام الإدارة المتواضع باستقبال 10.000 لاجئ سوري، مقاومة سياسية وشعبية كبيرة. ومع ذلك، يشير بايمان وسبيكمان إلى السجل التاريخي الواسع والإيجابي لترحيب الولايات المتحدة باللاجئين، من كوبا وفيتنام. وفي حين أن هناك بالتأكيد كلفاً على المدى القصير للانخراط في عملية حكيمة (وضرورية سياسياً) لمعالجة أوضاع اللاجئين وإعادة التوطين، فإن مثل هذه السياسة يمكن أن تدفع النمو الاقتصادي وتساعد في إنعاش المدن. ومع ذلك، يعترف الكاتبان بأنه حتى في حال تحقق الاحتمال غير الوارد المتمثل في قبول الولايات المتحدة بمئات الآلاف من اللاجئين، فإن هذه السياسة لن تحل سبب الأزمة.
2. “المساعدة عن بعد”. يوفر الخيار الثاني -الذي يشكل جزءاً من السياسة الأميركية مسبقاً- العون والمساعدة للدول المجاورة التي تستضيف الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين، وبالتحديد الأردن ولبنان وتركيا والعراق، بالإضافة إلى الدول الأوروبية التي تكافح من أجل التكيف مع أكثر من مليون لاجئ آخرين. ومثل الخيار الأول، تفشل هذه السياسة أيضاً في معالجة مصدر أزمة اللاجئين. لكنها تبقى مع ذلك خياراً حاسماً لاحتواء الانتشار المحتمل للعنف وعدم الاستقرار، خاصة بالنسبة للدول الإقليمية التي ربما تعاني مسبقاً مع المؤسسات الضعيفة والانقسامات الطائفية. ويسمح هذا الخيار للولايات المتحدة بإظهار قيادتها الدولية والأخلاقية “من دون القبول مباشرة بأي مخاطرة أو بالدور في حد ذاته”، كما يكتب بايمان وسبيكمان. وبما أن معظم الدول المتأثرة هي من الحلفاء القريبين للولايات المتحدة، فإن هذه السياسة تدعم أيضاً مصالح أميركية أخرى تتعلق بالتعاون الأمني، والتحرير الاقتصادي (عن طريق التوصية بالسماح للاجئين بالمشاركة في الاقتصاد، على سبيل المثال)، والحكم الرشيد.
3. “المناطق الآمنة”. يمكن أن تؤدي إقامة محميات أو مناطق آمنة تضمنها القوة العسكرية الأميركية إلى وقف تدفق اللاجئين، وبالتالي تقليل الحاجة إلى تبني الخيارين الأولين. وسوف تسمح المناطق الآمنة بشكل مثالي باستضافة اللاجئين وحمايتهم في داخل الأراضي السورية. لكن هذا الخيار يعرض تحديات كبيرة أيضاً، بدءاً من الصعوبات العملية التي ينطوي عليها إنشاء وحماية المناطق الفعلية. وتتطلب المناطق الآمنة مزيجاً ما من القوة الجوية الأميركية والقوات البرية التي توفرها الولايات المتحدة، أو أحد الشركاء، أو المجموعات المحلية. كما ستكون هناك أيضاً صعوبات دبلوماسية في التعامل مع دعم الروس (والإيرانيين، بقدر أقل خطورة) للنظام. وأخيراً، سوف تتطلب المناطق الآمنة التزاماً أميركياً سياسياً ومادياً كبيراً بأن تردع بشكل موثوق، أو أن تصد إذا لزم الأمر، أي تحديات يشكلها نظام الأسد أو “داعش”. وفي نهاية المطاف، يظل بايمان وسبيكمان متشككين في هذا الخيار، نظراً للصعوبات الجدية والسجل التاريخي المختلط لمساع مماثلة.
4. “إصلاح المشكلة في مصدرها”. يعرض هذا الخيار الحل الوحيد الجدي للسبب الرئيسي لأزمة اللاجئين، الحرب الأهلية السورية. ويفرق المؤلفان بين مسارين لهذه السياسة: التسوية التفاوضية؛ أو النصر العسكري. ومع أن المفاوضات جارية منذ سنوات، فإن الأطراف العديدة والمنقسمة المشاركة، داخلياً ودولياً على حد سواء، خلقت ما يبدو حقلاً متشابكاً من المصالح المتفارقة التي لا يمكن التوفيق بينها. كما أن مسار النصر العسكري إشكالي بالمقدار نفسه، لأن المنتصرين الأكثر ترجيحاً سيكونون كلهم إما خصوماً صريحين أو ضمنيين للولايات المتحدة: نظام الأسد؛ و”داعش”؛ أو “جبهة النصرة” وزميلاتها من الجماعات الجهادية. ويقر الكاتبان بأن خيار إنشاء قوة معارضة أكثر قبولاً واعتدالاً، بعد تلك التي أفشلت في السابق جهود التدريب الأميركية، يترك القليل مما يدعو إلى التفاؤل بهذا الخصوص.
5. “إغلاق الأبواب”. ويبدو هذا الخيار الأخير بسيطاً بطريقة خادعة: إغلاق الحدود السورية ووقف تدفق المزيد من اللاجئين. وسوف تسمح هذه السياسة للولايات المتحدة والعالم بالتركيز على اللاجئين الذين فروا مسبقاً، وربما الحيلولة دون المزيد من اتساع دائرة العنف في المنطقة؛ ومع ذلك، سوف يأتي ذلك بكلف مادية ومعنوية كبيرة. فمن الناحية العملية، سوف يتطلب إغلاق الحدود السورية التزاماً كبيراً من الأصول العسكرية، وسوف يجلب عواقب دبلوماسية كبيرة. كما أنه ربما يتسبب في زيادة التطرف لدى المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي إمكانية زيادة الإرهاب، بينما يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها مسؤولة أخلاقياً عن استمرار معاناة الشعب السوري.
عدم القيام بشيء ليس خياراً
يتطلب التأثير العالمي لأزمة اللاجئين السوريين -من حيث زيادة مخاطر الإرهاب، والاستقطاب السياسي، والانتشار المباشر للعنف- قدراً أكبر من القيادة الأميركية، حسب رأي بايمان وسبيكمان. ويخلص الكاتبان إلى أنه بينما لا يشكل أي من الخيارات التي يعرضانها حلاً سحرياً، وأن لكل منها في الحقيقة كلفاً وأوجه قصور مشروعة، فإن الاستمرار في عدم القيام بشيء هو أمر غير مقبول أيضاً، أخلاقياً واستراتيجياً.
إيان ميريت* (معهد بروكينغز) 9/8/2016
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*نشر هذا المقال تحت عنوان: 5 Policy options for the Syrian refugee crisis
*مساعد بحث في معهد بروكينغز.
الغد الاردنية