نجح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الإثنين، في الحصول على موافقة البرلمان على خمسة من الأسماء التي اقترحها لشغل مناصب وزارية في الحكومة الجديدة التي كان وعد منذ أشهر بأن تتكوّن من كفاءات بعيدا عن المحاصصة الحزبية في إطار الإصلاح الذي رفع سقفه عاليا لكنّه فشل في تنفيذ أي من مقتضياته حين اصطدم بالكتل السياسية الكبيرة المصرّة على الحفاظ على حصصها من المناصب الوزارية والإدارية.
وفي مقابل هذا القدر اليسير من “النجاح” تلقى العبادي ضربة موجعة بتصويت البرلمان بعدم القناعة بأجوبة وزير الدفاع خالد العبيدي خلال جلسة استجوابه أمام المجلس بداية الشهر الجاري، الأمر الذي يمهّد الطريق أمام سحب الثقة منه وإقالته في فترة حساسة يستعد رئيس الوزراء فيها لتحقيق إنجاز في الحرب على تنظيم داعش باستكمال طرده من أكبر معقل له في العراق؛ مدينة الموصل.
وقرّر رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، الإثنين، إدراج سحب الثقة من وزير الدفاع في جلسة الثلاثاء القادم.
وستكون الإطاحة بالعبيدي خسارة شخصية لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي اصطف إلى جانب وزير دفاعه، بوجه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي اختار الاصطفاف إلى جانب رئيس مجلس النواب سليم الجبوري المتهم من قبل خالد العبيدي بالفساد والابتزاز بهدف الحصول على عمولات من صفقات ضخمة تابعة لوزارة الدفاع.
وتؤكّد مصادر عراقية أنّ المالكي الذي تنحى مرغما عن رئاسة الوزراء منذ سنتين لا يزال يسعى لإفشال “رفيقه” في حزب الدعوة الإسلامية طمعا في الفوز بمنصبه.
ولا تستبعد ذات المصادر استخدام المالكي أيا من الوسائل لبلوغ هدفه بما في ذلك محاولة منع العبادي من تحقيق إنجاز في الحرب ضدّ تنظيم داعش من شأنه أن يحقّق له قدرا كبيرا من الشعبية تساعد في تثبيته بمنصبه.
وما يزال حيدر العبادي مقتنعا بأن دوافع استجواب وزير الدفاع سياسية. وقال الإثنين أمام البرلمان إنّه ضد الاستجواب السياسي لمسؤولين في الحكومة، قبل أن يقاطعه رئيس البرلمان سليم الجبوري –وهو طرف مباشر في قضية خالد العبيدي- طالبا منه المرور مباشرة إلى عرض الوزراء الجدد وعدم التحدث في عملية الاستجواب.
ووافق نواب البرلمان، الإثنين، على تعيين خمسة وزراء جدد بعد أشهر من التأخير ونكسات عدة تلقاها رئيس الوزراء من أجل تشكيل حكومة جديدة.
وزارتا الداخلية والدفاع ستكونان مدار صراع شرس لما تتوفران عليه من سلطات وما تتيحانه من إمكانيات لسرقة المال العام
وصادق النواب على اختيار العبادي لوزارات النفط والنقل والتعليم العالي والإسكان وإعادة الإعمار والموارد المائية، لكنهم رفضوا من اختاره لحمل حقيبة التجارة، دون بيان أسباب واضحة.
ومع تصاعد الاحتجاجات في الشارع ضدّ الفساد الحكومي واسع النطاق، وعد العبادي في فبراير الماضي بتشكيل حكومة جديدة تتألف من وزراء تكنقراط، لكنه واجه معارضة شديدة من الأحزاب الكبيرة الحاكمة للبلاد التي تتمتع بامتيازات ضخمة جراء هيمنتها على مقدرات البلاد منذ 13 عاما.
وقبل العبادي في يوليو الماضي، رسميا استقالة سبعة وزراء من حكومته، جميعهم من التحالف الوطني الشيعي الحاكم، وهم: وزراء التعليم العالي، والنفط، والنقل، والإعمار والإسكان، والموارد المائية، والتجارة.
وفي الشهر ذاته أعلن وزير الداخلية، محمد سالم الغبان، المنتمي لمنظمة بدر تقديم استقالته للعبادي في خضم الضجّة التي أثيرت إثر حدوث تفجير ضخم بحي الكرادة في بغداد مخلّفا المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى. وقال الغبان إنّه قام بهذه الخطوة احتجاجا على ما وصفه “بالتخبط الأمني وتقاطع الصلاحيات وعدم التنسيق بين الأجهزة”.
ومنصب وزير الداخلية وكذلك وزير الدفاع منصبان بالغا الحساسية، يشتد عليهما الصراع بين الكتل السياسية العراقية نظرا لما ينطويان عليه من سلطات، ونظرا أيضا لضخامة ميزانيتهما ما يفتح باب التلاعب المالي للممسكين بكل منهما خصوصا من خلال صفقات التسلّح التي كثيرا ما شاب أغلبها فساد كبير طيلة العشرية الماضية. وعلى هذه الخلفية قد يمضي وقت طويل قبل أن يحدث وفاق بشأن تعيين وزير للداخلية وآخر للدفاع في حال إقالة خالد العبيدي من منصبه.
والوزراء الجدد هم كلّ من كاظم فنجان وزيرا للنقل، وعبدالرزاق العيسى وزيرا للتعليم العالي، وحسن الجنابي وزيرا للموارد المائية، وآن نافع أوسي وزيرا للإعمار والإسكان، وجبار اللعيبي وزيرا للنفط. بينما رفض المجلس الموافقة على إسناد وزارة التجارة ليوسف الأسدي، رغم طرح اسمه مرتين متتاليتين من قبل العبادي خلال جلسة التصويت.
وتوقّف متابعون للشأن العراقي عند اسم وزير النفط الجديد الذي خلف عادل عبدالمهدي القيادي في تيار عمار الحكيم على رأس الوزارة، التي تعتبر الأهم على الإطلاق بين باقي الوزارات نظرا لاعتماد ميزانية العراق بشكل شبه كلّي على عوائد البترول.
وبينما قالت مصادر نيابية إنّ جبار لعيبي هو مرشّح المجلس الأعلى الإسلامي بقيادة الحكيم، ما يعني أن اختياره لم يخرج عن إطار المحاصصة الحزبية، حرصت في ذات الوقت على القول إنّه لا يوجد في سجّل الرجل الخبير بمجال النفط، والذي سبق له أن شغل منصب المدير العام السابق لشركة نفط الجنوب في البصرة، ما يعيبه أو يدل على تورّطه بالفساد.
وعلى العكس من ذلك قالت ذات المصادر إن نظافة يد لعيبي ومهنيته سبق أن جعلتاه عرضة لضغوط وابتزاز كبار رموز الفساد من أصحاب النفوذ الطامعين في حصّة من موارد النفط.
صحيفة العرب اللندنية