قام فريق مؤيد لسياسة إسرائيل وتربطه علاقة بإدارة أوباما ومؤسسات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بالترويج لخطط من أجل “حل الدولتين”، والذي من شأنه أن يخضع الفلسطينيين للحكم العسكري الإسرائيلي، وبإشراف وجود عسكري أمريكي دائم.
وقد تم وضع تلك الخطط من قبل المنتدى السياسة الإسرائيلية، وهو عبارة عن مجموعة مناصرة مقرها نيويورك وتأسست في عام 1993، بناءً على طلب من رئيس الوزراء إسحق رابين، لتعزيز عملية السلام في أوسلو، وبعد وقت قصير من توليه منصبه في عام 2009، تبنى الرئيس أوباما خارطة الطريق الخاصة بالمنتدى في الشرق الأوسط.
ومن بين توصيات الخطة، التسريح الكامل لفلسطين بالرغم من الاعتراف بأنها أرض “ذات سيادة”، ومراقبة حدود البنية التحتية، وعملية عسكرية أمريكية دائمة لمراقبة نهر الأردن.
الأمن أولاً – بالنسبة لإسرائيل
وقد كلف مشروع “أمن الدولتين” الخاص بالمنتدى، قادة الأمن الإسرائيلي، وهم شبكة تضم أكثر من 200 من كبار المسؤولين العسكريين والاستخبارات الإسرائيلية السابقين، ومركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن العاصمة، بإجراء دراسات حول حل الدولتين.
ووصف تقرير مركز الأمن الأمريكي الذي نشر في مايو، على أنه “المنتج” لـ”العديد من المشاورات وورش العمل مع مسؤولين أمنيين سابقين وحاليين إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين ومسؤولين ومفوضين أمنيين أمريكيين”.
وكان التقرير المسبق لرؤيتهم لحل الدولتين يدعو للقضاء على حركة حماس في قطاع غزة، على الرغم من أن هذا الأمر تم تأكيده بشكل غامض على النحو التالي؛ “إن جزءًا من التحدي هو أن مرحلة الانتقال في غزة تتطلب أولاً استعادة السلطة الفلسطينية للحكم والأمن في غزة، وهي مسألة خارج نطاق الدراسة”، وضمن هذا المخطط، يتم النظر إلى السلطة الفلسطينية كقوة بالوكالة تقوم بفرض الأمن الداخلي بالضفة الغربية وقطاع غزة بالنيابة عن إسرائيل.
ويشمل نظام الأمن الداخلي الفلسطيني أربعة عناصر رئيسية وهي: “قوات أمن فلسطينية غير مسلحة، وحدة صغيرة لمكافحة الإرهاب الفلسطينية تكون مدربة ومجهزة بمستوى مماثل للأسلحة التكتيكية الخاصة ووحدات من المدن الأمريكية الكبرى، ونظام لمكافحة الإرهاب قائم بذاته ويتكون من أفراد للفحص والحماية، بما في ذلك ضباط المخابرات، ومركز للعمليات الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة بين “قوات الأمن الإسرائيلية وقوات الأمن الفلسطينية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتحديد الأهداف المحتملة وتنسيق العمليات”.
وهذا العنصر الأخير يوفر الآلية الأساسية التي يتم من خلالها عمل قوات الأمن الداخلية الفلسطينية “ذات السيادة” بشكل فعال تحت سيطرة إسرائيل.
التواجد الأمريكي الدائم
يسلط التقرير الضوء على الحاجة إلى “آليات متعددة” لحل الخلافات بين قوات الأمن الفلسطينية وقوات الأمن الإسرائيلية “من خلال وساطة أمريكية”، والخيار الأخير لإسرائيل في “الحالات القصوى” غير المحددة.
ويشمل الخيار الأخير لإسرائيل المقدرة على “العمل من جانب واحد للدفاع عن نفسها، مع العلم أنها ستحصل على الدعم الدبلوماسي الأمريكي في أعقاب ذلك”.
وبعبارة أخرى، من المتوقع أن يدعي الأمريكان أنهم سيكونون “الوسيط النزيه” الذي رغم ذلك، سيدعم إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف حيث شعرت إسرائيل بالحاجة إلى العمل من جانب واحد ضد الفلسطينيين والأمريكيين.
والأكثر من ذلك، أن التقرير يدعو إلى وجود عسكري دائم للولايات المتحدة بالمنطقة، وتؤكد الوثيقة أن القوة الأمنية الفلسطينية ستتطلب “التزام طويل الأمد ووجود مستمر للمدربين الأمريكيين والمرشدين والشاشات”.
وستتطلب أيضًا “وجود دوريات متنقلة من خفر السواحل على الطرق، والتي تشمل قوة أمريكية صغيرة على طول الحدود بين فلسطين والأردن” في شكل “قوة أمريكية دائمة، يبلغ عددها مئات قليلة.
ويؤكد التقرير على أن كل ما تقوم به الدوريات في نهاية المطاف، سواء من جانب القوات الإسرائيلية أو الأردنية أو الفلسطينية، ستقع “المسؤولية الأمنية الشاملة في هذا المجال على الولايات المتحدة”.
السيادة بدون سيادة
ربما تكمن المقترحات الأكثر عبثية في الإصرار على أن “سيادة” الأراضي الفلسطينية على مجالها الجوي ومياهها البحرية يجب أن تبقى خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
وبغض النظر عن النص التعريفي لـ”الأجواء الفلسطينية ذات السيادة”؛ حيث أنها تقتصر على 10 آلاف قد فوق متسوط سط البحر (ارتفاع الإبحار لرحلة تجارية هو 28 ألف قدم كحد أدنى)، فالوثيقة أيضًا ذهبت إلى أبعد من ذلك بالمطالبة بأن يكون “المراقبون الإسرائيليون لديهم القدرة الفنية للسيطرة بسهولة على الأجواء الفلسطينية وحركة النقل الجوي في حالات الطوارئ الخاصة بالدفاع الجوي”.
ويشرح التقرير قائلاً ” كما هو الحال في المجال الجوي، فعلى الفلسطينيين التحكم في مياههم الإقليمية قبالة غزة، ولكن في وجود بعض القيود التي تمكن الإسرائيليون من الحفاظ على الأمن العام” تحت مسمى “إجراءات موحدة في المياه الدولية، حيث تكون إسرائيل” ولكن ليست فلسطين حرة في اعتراض وتفتيش أي سفينة (وفقًا للقانون الدولي)”.
سيادتي أكبر من سيادتك
إن جوهر الحل القائم على إقامة دولتين يكمن في التفاوت الأساسي في القوة العسكرية، وفي حين أنه من المتوقع أن يتم نزع السلاح من الفلسطينيين بشكل دائم كجزء من “تحول غزة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية”، إلا أن إسرائيل ستتلقى دعم من الولايات المتحدة للقيام بالعكس تمامًا.
“وكجزء من إعادة دمج قطاع غزة والضفة الغربية، فسوف يتعين على الحكومة في غزة أن توافق على تفكيك الصناعة العسكرية في غزة وأنظمة الصواريخ، والقدرات العسكرية الهجومية، وهناك افتراضات أيضًا أن إسرائيل ستحافظ (أو تزيد) من قدراتها الحالية للدفاع عن نفسها، وبعبارة أخرى، لن يتم استبدال جهاز الأمن الإسرائيلي الحالي، بل سيزيدونه”.
ويقترح التقرير مجموعة من الخطوات الأمنية الإقليمية والحدودية، والتي من شأنها أن توفر لإسرائيل درجة غير مسبوقة من السيطرة “غير المرئية” على المجتمع الفلسطيني.
ومن بينهم فكرة الآليات الرسمية للتعاون الاستخباراتي المشترك لمكافحة التهريب، وعمليات مكافحة الإرهاب مع الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.
وهذا من شأنه مرافقة مؤسسات الأمن الداخلية المشتركة الجديدة “للكشف على النشاط الإرهابي”، بما في ذلك قوات مكافحة الإرهاب التي تقودها السلطة الفلسطينية “لمداهمة المواقع وتوقيف الجناة”، وذلك جنبًا إلى جنب مع هيكل الشرطة الفلسطيني الجديد بما في ذلك “مرافق الاحتجاز القائمة بذاتها”.
والتحذير الحاسم هنا هو أن الحكم العسكري الإسرائيلي على فلسطين لن ينتهي، ولكن سيستمر ببساطة ولكن بوسائل أخرى أقل وضوحًا.
“وكأي دولة أخرى ذات سيادة، فإسرائيل ستحتفظ بقدرتها على الاستجابة للحالات القصوى إن رأت أنه من الضروري أن تدافع عن نفسها، حتى وإن كان ذلك على سبيل انتهاك سيادة دولة أخرى، ولكن كما هو الحال مع أي دولة أخرى ذات سيادة، فاتخاذ مثل هذه الإجراءات يتسبب في مخاطر سياسية وغيرها من العواقب التي قد تحتاج إلى أن يكون هناك توازن من قبل القيادة الإسرائيلية، وللتخفيف من هذه المخاطر، يمكن أن يكون هناك اتفاق جانبي بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الظروف العامة التي بموجبها يمكن للولايات المتحدة التدخل دبلوماسيًا مع إسرائيل، في حال اتخذت الأخيرة إجراءات من جانب واحد داخل فلسطين”.
وبالتالي يقترح المنتدى السياسي الإسرائيلي أنه في مقابل انسحاب إسرائيل من مستوطناتها داخل فلسطين، ففلسطين نفسها تصبح واحدة من أكبر المستعمرات الإسرائيلية البديلة.
الخروج من المأزق؟
والنقطة الخفية المتكررة في التقرير هي أن “السيادة” المقدمة للفلسطينيين تتنافى تمامًا مع أبسط تعريف لسيادة الدولة.
تخيل للحظة ما يلي:
المؤسسات البحثية التي تعمل على إيجاد حلول للمعضلات في علاقات حماس تنتج تقرير يشبه هذا كثيرًا.
إن التقارير المتعلقة بحماس تضع شرط مسبق لحل الدولتين، وهو أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو سيتعين استبدالها بطريقة ما، ويحل محلها حكومة أكثر ملائمة وشريك إسرائيلي أقل تعصبًا.
وسيحتاج الشريك الإسرائيلي أن يكون أكثر استعدادًا لقبول التجريد الكامل لأي من قدراته العسكرية الهجومية التي تعزز قوتها في اجتياح غزة والضفة الغربية من جانب واحد.
ومن المتوقع أن تقوم إسرائيل بإنشاء مراكز للعمليات المشتركة مع الفلسطينيين لتحديد المتطرفين في إسرائيل والذين يحرضون على العنف والإرهاب، بما في ذلك المنظمات التي تعزز الأنشطة الاستيطانية غير القانونية.
يذكر أن الدولة الفلسطينية الجديدة ستتطلب القدرة على القيام بعمليات عسكرية أحادية الجانب “في الحالات القصوى”، على أن يتم الاتفاق عليها مع قوة خارجية من اختيارهم (دعنا نقول، الاتحاد الأوروبي) والتي من شأنها توفير الغطاء الدبلوماسي لمثل هذا العمل العسكري الفلسطيني أحادي الجانب.
إذا كان هذا التقرير قد تم إصداره، فقد يتم تلقيه أولاً بالضحك، وبعد فترة وجيزة بالسخرية، ثم بسرعة كبيرة بعد ذلك بالرعب الذي سيتخذ مثل هذه الفكرة على محمل الجد من قبل الفلسطينيين كمسار سلمي لحل الدولتين.
وهذه بالضبط النظرة الفلسطينية لأحدث رؤية أمريكية إسرائيلية لـ”السلام”، خطة مثيرة للسخرية من أجل السيطرة العسكرية الأجنبية الدائمة والتي لم تتعلم شيئًا من دروس أزمة أوسلو.
ميدل إيست آي – التقرير