بدا العراق، وقواته تستعيد ناحية القيارة وتتقدّم باتجاه مدينة الموصل آخر معقل كبير لتنظيم داعش في البلاد، بصدد طيّ صفحة سيطرة التنظيم على المناطق العراقية، دون أن يمثّل ذلك، في رأي المحللين السياسيين وخبراء الشؤون الأمنية، طي صفحة الاضطرابات الأمنية في البلد واستعادة استقراره بشكل كامل.
ويبرّر هؤلاء نظرتهم المتشائمة إلى مستقبل العراق، بأنّ الأسباب السياسية والاجتماعية التي فتحت أبواب العراق أمام داعش من طائفية وفساد حكومي ومن فقر وتهميش لا تزال قائمة في البلد، إن لم تكن استشرت وتوسّعت خلال سنوات الحرب على التنظيم المتشدّد وما خلّفته من مآس، وما تسببت فيه من خسائر اقتصادية وأضرار في البنى التحتية توسّعت معها دائرة الفقر، وبالنتيجة دائرة الناقمين على العملية السياسية وقادتها.
وبحسب المحلّلين، فإن التنظيمات المتشدّدة لن تعجز عن تصيّد أتباع لها في مثل تلك الأرضية المهيأة بالفقر والتهميش، ومثل تلك الأجواء السياسية والاجتماعية الموبوءة بالطائفية.
كما تمثّل فوضى السلاح عامل عدم استقرار مؤكّد في عراق ما بعد داعش، حيث تنشط في البلد العشرات من الميليشيات الشيعية متعدّدة المشارب والاتجاهات ومختلفة الولاءات، وفي الكثير من الأحيان متناقضة في ما بينها، ومتصارعة على إيقاع صراع قادتها على المصالح والمكاسب المادية والسياسية.
وتعتبر تلك الميليشيات عاملا مباشرا في رفع منسوب التوتر الطائفي في العراق باعتداءاتها المتكرّرة على أبناء الطائفة السنية في المناطق التي تدخلها في إطار مشاركتها بالحرب على داعش ضمن ما يعرف بالحشد الشعبي الذي يعتبر جيشا شيعيا رديفا للقوات المسلّحة النظامية.
كما لا تتوانى عن الاصطدام مع القوات النظامية، وحتى مع بعضها البعض لأتفه الأسباب.
وأسفر اشتباك مسلح اندلع، الأربعاء، بين ميليشيا كتائب حزب الله وميليشيا بدر الشيعيتين في مدينة طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين شمالي العراق عن جرح عناصر من الطرفين.
وجود السلاح بأيدي الميليشيات الشيعية مختلفة المشارب والولاءات عامل عدم استقرار مؤكد في عراق ما بعد داعش
ونجم الاشتباك عن خلاف بسبب مطالبة بدر لأحد عناصر حزب الله بإغلاق مقهى له تمارس داخله سلوكات مخلة بالآداب.
وفيما كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يعلن، الخميس، استعادة ناحية القيارة الاستراتيجية بالكامل من تنظيم داعش، كان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري يدعو من خلال تسجيل مصور سُنّة العراق إلى أن يعيدوا تنظيم أنفسهم في حرب عصابات طويلة في حال انهزم تنظيم داعش.
وأعلن العبادي عن استعادة القوات العراقية السيطرة على ناحية القيارة الواقعة على بعد حوالي ستين كيلومترا جنوب مدينة الموصل مركز محافظة نينوى من قبضة تنظيم داعش.
وقال في كلمة عبر التلفزيون الرسمي، إن قواتنا البطلة حققت اليوم نصرا كبيرا وخطوة مهمة على طريق تحرير الموصل، وألحقت هزيمة نكراء بعصابة داعش الإرهابية في ناحية القيارة.
وأضاف أُهنئ الشعب العراقي بتحرير القيارة الاستراتيجية، والمناطق المحيطة بها، والذي يأتي بعد تحرير قاعدة القيارة العسكرية، ما يعني تقريب المسافة نحو الهدف الكبير المتمثل باستعادة الموصل ومحافظة نينوى، بشكل عام وإنقاذ أهلها من جور وظلم العصابات الظلامية المجرمة، وإعادتها إلى حضن الوطن.
ومن جهة مقابلة، قال الظواهري في التسجيل الذي بث عبر شبكة الإنترنت إنّ على أهل السنة في العراق ألا يستسلموا لمجرد سقوط المدن في يد الجيش الصفوي الشيعي في إشارة إلى الجيش العراقي.
وتابع بل عليهم أن يعيدوا تنظيم أنفسهم في حرب عصابات طويلة ليهزموا الاحتلال الصفوي الصليبي الجديد لمناطقهم كما هزموه من قبل.
ويبدو تنظيم القاعدة من خلال هذا التسجيل بصدد استغلال ارتفاع منسوب الاحتقان الطائفي في العراق، لاستعادة مكانه في البلد، والذي كان فقده بعد مواجهة طويلة مع القوات العراقية، وخصوصا مع قوى عشائرية سنية تعرف بالصحوات. وزاد وضعه تفاقما مع ظهور داعش في واجهة الأحداث بالمنطقة وما أبداه من قدرات أغرت أغلب عناصر القاعدة لتطليق تنظيمهم الأم والالتحاق به.
وسواء تعلّق الأمر بالقاعدة أو بداعش، فإن العراق يبدو مقبلا بعد نهاية الحرب الدائرة حاليا، على حرب أمنية مرهقة ضدّ عصابات متفرّقة ستظل تنفّذ حرب عصابات وتعمل باستمرار على استنزاف القوات النظامية بهجمات خاطفة وإرهاق الدولة وإرباك حركة الاقتصاد بزعزعة الأمن عبر زرع العبوات وتفخيخ السيارات وخصوصا داخل المدن الكبرى.
ورغم أن الحرب على تنظيم داعش اقتربت من محيط مدينة الموصل بشمال البلاد، فإن القوات العراقية لا تزال تطارد فلولا للتنظيم في محيطها، حيث شّنت قوات تابعة للجيش، الخميس، عملية عسكرية واسعة استهدفت ملاحقة خلايا لداعش في مناطق تابعة لمنطقة الدورة بجنوب العاصمة، وذلك بعد ثلاثة أيام على عملية ممثالة جرت شمال المدينة.
وأسفرت العملية، وفق مصدر في الجيش، عن مصادرة أسلحة متوسطة وقاذفات صواريخ واعتقال عدد من المطلوبين.
ويرى مراقبون أن الحرب القائمة حاليا على تنظيم داعش تظل بعيدة عن تحقيق الأمن والاستقرار في العراق، ما لم ترافقها عملية إصلاح عميقة تلغي الطائفية السياسية وتحقّق المصالحة بين مختلف فئات المجتمع ومكوناته، وتعيد المهمشين والمقصيين، وخصوصا من أبناء الطائفة السنية، إلى دوائر الفعل والمشاركة في صنع القرار وإدارة شؤون البلاد.
صحيفة العرب اللندنية