تلجأ الكتل البرلمانية العراقية بسرعة إلى الاصطفاف الطائفي لمنع إدانة أي منتسب إليها في قضايا فساد أو تحايل على القانون، ما يجعل خوض معركة الفساد أمرا مؤجلا إلى أن يتم تغيير التوازنات السياسية القائمة على الأسس الطائفية والعرقية والمذهبية إلى حالة سياسية قائمة على مبدأ المواطنة.
واندلع عراك بالأيدي بين نواب في جلسة البرلمان العراقي السبت على خلفية استجواب وزير المالية هوشيار زيباري الذي صوت المجلس بعدم قناعته بأجوبته.
واستجوب المجلس وزير المالية، وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، إثر اتهامه بملفات فساد.
وبحسب مصدر برلماني، فإن النائب هيثم الجبوري (جبهة الإصلاح) الذي استجوب الوزير قدم طلبا لإدراج موضوع قناعة المجلس بأجوبة الوزير من عدمها.
وأثار هذا الطلب غضب النواب الأكراد من الحزب الديمقراطي ما دعا رئيس كتلة هذا الحزب خسرو كوران إلى اتهام النائب الجبوري بتحويل أموال إلى مصارف خليجية.
وإثر المشادة قرر رئيس البرلمان سليم الجبوري رفع الجلسة مدة نصف ساعة.
وبعد استئنافها، عاد النقاش حول زيباري فاندلعت على إثره مشادة أخرى بين النائب عواطف نعمة عن ائتلاف “دولة القانون” والنائب أشواق الجاف عن كتلة البارزاني، تحول إلى عراك بالأيدي.
وبعد فض المشاجرة، صوت البرلمان بعدم قناعته بأجوبة زيباري، ما يعني أن الجلسة المقبلة ستتضمن تصويتا على سحب الثقة من الوزير بحسب مصدر برلماني.
وأبرز الملفات التي استجوب حولها زيباري صرف نحو ملياري دينار (مليون و800 دولار) على بطاقات سفر لعناصر حمايته الذين يسكنون في أربيل.
وصرف نحو 900 مليون دينار (800 ألف دولار) لترميم منزله في المنطقة الخضراء المحصنة، وصرف مبلغ ضخم لتأجير منزل لسكرتيرته الشخصية فضلا عن قروض كبيرة خارج السياقات القانونية لعدد من التجار.
وقال مراقبون عراقيون إن الموقف من زيباري لم يكن يتعلق بمدى صحة الاتهامات من عدمها، ولكن لاعتباره قياديا كرديا بارزا، لتبدو العملية وكأنها تصفية حساب سياسي، وليست حرصا على المال العراقي أو انخراطا في الحرب على الفساد التي سبق أن تعهد بخوضها رئيس الوزراء حيدر العبادي دون أن يبدأ أولى خطواته فيها.
وأشار مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الاصطفاف الطائفي والعرقي صار وسيلة سهلة لإغلاق الملفات، لافتا إلى أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، المتهم بملفات فساد من الحجم الكبير، مازال يخطط للعودة إلى الحكومة، وذلك بسبب الالتفاف الطائفي حوله.
واعتبر المراقب أن الشخصيات التي لا تحيط نفسها بحزام طائفي أو عرقي هي التي تدفع لوحدها فاتورة الاتهام بالفساد حتى وإن لم يثبت عليها، مثلما حصل مع وزير الدفاع خالد العبيدي.
وكان البرلمان قرر سحب الثقة من العبيدي بعد جلسة استجواب مثيرة للجدل اتهم خلالها نواب ورئيس البرلمان بالوقوف وراء ملفات فساد.
وزاد تغاضي القضاء والبرلمان عن ملفات الفساد الكبرى في غضب العراقيين الذين صاروا يعتقدون أن القضاء لا يهتم إلا بالقضايا الصغيرة والتي تبدو متابعتها كالانتقام من الطبقات الضعيفة مثل قضية الصبي الذي اتهم بسرقة مناديل ورقية.
وأثار قرار محكمة السماوة، كبرى مدن محافظة المثنى الجنوبية، قبل أيام بالسجن مدة عام للصبي البالغ من العمر 12 عاما بتهمة سرقة عدة علب من المناديل الورقية، ردود فعل واسعة في شبكات التواصل الاجتماعي.
وكتب ناشطون على فيسبوك “القضاء الذي يحكم على طفل سرق أربع علب من المناديل الورقية، هو نفسه الذي برأ السياسيين الذين سرقوا المليارات وهربوا الأموال وتحايلوا على القانون”.
ووصفت الناشطة الحقوقية هناء أدور قرار القضاء بأنه “سخرية”، معتبرة أن “اللصوص الذين يجلسون على سدة الحكم هم من يفترض أن يحاكموا على الفقر والفساد في البلد، لا الطفل الذي لا يتجاوز عمره 12 عاما”.
وتابعت أدور “المطلوب محاكمة الفاسدين في السلطة، ليس الأطفال الذين هم في حاجة إلى برامج تأهيل واحتضان”.
صحيفة العرب اللندنية