ملاحظة المترجم: يطلق «مبدأ مونرو» نسبة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جيمس مونرو. نادى مبدأ مونرو بضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي، بما يعني أن الولايات المتحدة لن تسمح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكتين، كما أنها لم تسمح للمستعمرات القائمة بتوسيع حدودها. وغالبًا ما ينظر إليه على أنه أحد المبادئ المؤسسة لما يطلق عليه «الإمبريالية الأمريكية».
يتناول المحلل السياسي إيلان بيرمان نائب رئيس مجلس السياسات الخارجية الأمريكية في مقال له بمجلة «فورين أفيرز» مدى حاجة الولايات المتحدة إلى «مبدأ مونرو» جديد لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في دول أمريكا الجنوبية، وحقيقة ما إذا كان هذا النفوذ يجب أن يسترعي قلق واشنطن.
يرى بيرمان أن «الحكمة التقليدية» في واشنطن تميل إلى أن الوجود الإيراني إلى الجنوب من الحدود الأمريكية لا يعدو كثيرًا كونه تواجدًا مزعجًا. ووفقًا لهذه الرواية السائدة، فإن أنشطة إيران في وسط وجنوب أمريكا، بداية من الصفقات التجارية مع الدول المختلفة إلى إنشاء المراكز الثقافية في دول المنطقة، ينظر إليها على أنها جهود غير منظمة وليس لها نتائج تذكر.
تلقى هذه السردية الكثير من الرواج، وكانت نتيجتها أن واشنطن أعارت تاريخيًا القليل من الانتباه إلى الوجود الإيراني في نصف الكرة الغربي متجاهلة أدلة تشير إلى التعاون الإستراتيجي لإيران مع الأنظمة المعادية للولايات المتحدة في المنطقة. ويرى بيرمان أنه مع وجود إيران متحررة من العقوبات بفعل الاتفاق النووي الذي تم إبرامه مع الغرب، فإن هناك دلائل واضحة أنها توسع من وجودها في الأمريكتين بشكل جدي.
سباق القوة
يلفت المقال إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى ست دول في أمريكا اللاتينية في 21 أغسطس (آب). شملت جولة ظريف كلًّا من بوليفيا، وشيلي، وكوبا، والإكوادور، ونيكاراغوا، وفنزويلا، مؤكدة على متانة الاستثمارات الإيرانية في نصف الكرة الغربي.
لكن اختيار ظريف لمحطات رحلته يشير إلى أن الرحلة كانت تتعلق بالجغرافيا السياسية أكثر من تعلقها بالتجارة. يرى بيرمان أن الدول التي يغازلها وزير الخارجية الإيراني تعاني أوضاعًا اقتصادية يرثى لها مع مستويات تضخم مرتفعة وبطالة متفشية، وأحيانًا انهيار كامل في الاقتصاد الوطني كما في حالة فنزويلا. وبالتالي فإن هذه الدول لا تبدو مناسبة لشراكة دائمة للاقتصاد الإيراني الذي عانى بدوره بعد سنوات من العقوبات التي فُرِضت عليه من أطراف متعددة.
ويعزو الكاتب سر اهتمام إيران بهذه إلى كونها تشترك جميعًا في عضويتها في التحالف البوليفاري الأمريكي (ألبا)، وهو تكتل إقليمي مناهض للولايات المتحدة عقده الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز في أوائل العقد الماضي. وحظيت إيران بصفة دولة مراقب في التحالف سنواتٍ وساعدت بنشاط في جدول الأعمال المعادي للغرب الذي تبنته الكتلة.
وينوه الكاتب إلى أن «مأدبة» ظريف الأمريكية جاءت متزامنة مع الافتتاح الرسمي لمدرسة الدفاع الجديدة لتكتل (ألبا) في بوليفيا في عاصمتها الصناعية سانتا كروز. وتحمل الأكاديمية مشروعًا «مناهضًا للإمبريالية» يهدف إلى التصدي للنفوذ الأمريكي في المنطقة. وتدرس الأكاديمية مجموعة من «الدورات التي تغطي نطاقًا واسعًا من الموضوعات التي تهدف إلى مواجهة التواجد الإمبريالي الأمريكي في العالم النامي».
وينوه الكاتب إلى أن إيران قدمت على الأقل بعض رأس المال اللازم لإنشاء المدرسة، كما تصدر وزير الدفاع الإيراني آنذاك أحمدي وحيدي مراسم تدشين المدرسة في مايو (أيار) عام 2011. ويعتقد أن إيران تلعب الآن دورًا في التدريب داخل المنشأة.
ونقل المقال عن لائحة اتهام صادرة عن المدعي العام الأرجنتيني الراحل ألبرتو نيسمان في مايو (أيار) 2013، أنه «على مدار العقود الثلاثة الماضية، أنشأت إيران بنجاح شبكة من القواعد الاستخباراتية والمراكز السرية في ما لا يقل عن ثمانية بلدان بأمريكا اللاتينية: البرازيل، تشيلي، كولومبيا، وغيانا، وباراغواي وسورينام، وترينيداد وتوباغو، وأوروغواي». وقد مكنت هذه البنية التحتية إيران من بدء ودعم ثلاثة مؤامرات ضد الولايات المتحدة خلال العقد الماضي.
ثلاثة مؤامرات
وفقًا للكاتب، كانت البداية في عام 2007 حينما دبر مواطن من جوايانا لتفجير خزانات وقود تحت مطار جون كينيدي في نيويورك. في حال نجح في ذلك، فقد كان بإمكانه أن يتسبب في «إلحاق أضرار جسيمة بالمطار واقتصاد نيويورك، فضلًا عن خسائر عديدة في الأرواح» وفقًا لتقييم مكتب الاحتياطي الفيدرالي في وقت لاحق.
وقع الحادث الثاني في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، حيث حاولت قوات الحرس الثوري الإيراني اغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة في مطعم في واشنطن العاصمة. كان الحرس الثوري يخطط لاستخدام أعضاء من عصابة «لوس زيتاس» للمخدرات لتنفيذ عملية القتل. وجرت الموافقة على الخطة من قِبل عناصر في الحكومة الإيرانية وعلى وجه التحديد، من كبار أعضاء فيلق القدس؛ وحدة النخبة شبه العسكرية في الحرس الثوري الإيراني.
كانت الواقعة الثالثة في نفس العام، حيث خطط دبلوماسيون فنزويليون وإيرانيون لاستخدام قراصنة مكسيكيين من أجل اختراق منشآت الدفاع والمخابرات والمنشآت النووية الأمريكية، وإطلاق هجمات إلكترونية واسعة النطاق في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وينوه الكاتب إلى أن مسؤولي الأمن القومي في الولايات المتحدة بدؤوا يستشعرون الخطر بشأن الوتيرة المتسارعة للتسلل إلى أمريكا اللاتينية من قبل «المتطرفين» في الشرق الأوسط. بعض هؤلاء المتطرفين من إيران أو يتلقون دعمًا منها في أدنى الأحوال. حوت تقارير الأسابيع الأخيرة أنباء عن قيام إيران بتدريب المسلحين في بيرو. ونتيجة لهذه التطورات، فقد خلص التقييم الإستراتيجي إلى أن «تورط إيران في أمريكا اللاتينية يتزايد بشكل مستمر، ومن المرجح أن حزب الله سوف يكون قادرًا على استخدام هذه العلاقات السياسية والاقتصادية كغطاء لعملياته».
مرحلة جديدة
ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أن تلك المخاوف بشأن النفوذ الإيراني في المنطقة لم تنعكس بعد على السياسة الرسمية للولايات المتحدة، مؤكدًا أن رغبة إدارة أوباما في إحداث انفراج مع طهران تدفعها للتهوين من نفوذ إيران في القارة الأمريكية. ومع قيام الولايات المتحدة بغض الطرف عن سلوكيات إيران «المارقة» خارج حدودها منذ توقيع الاتفاق وعلى رأسها التجارب المتكررة للصواريخ البالستية واعتراض السفن الإيرانية في الخليج، فإن هناك شهية محدودة في واشنطن للاعتراف بمدى التورط الإيراني في الأمريكتين فضلًا عن مواجهته.
يخلص الكاتب إلى أن هذه السياسة تعد هي الخطأ الفادح. دخلت إستراتيجية إيران في المنطقة مرحلة جديدة في أعقاب الاتفاق النووي. على الرغم من أن طهران حولت بعض اهتمامها في الآونة الأخيرة إلى الفاعلين الاقتصاديين الأكثر أهمية في المنطقة، مثل الأرجنتين والبرازيل والمكسيك، فإن زيارة ظريف الأخيرة تشير إلى أن إيران لا تزال تسعى لدعم المحور المناهض للولايات المتحدة في حديقتها الجيوسياسية الخلفية.
Ilan Berman
مترجم عنIran and the New Monroe Doctrine
نقلا عن ساسة بوست