في الشتاء الماضي، وبعد أن ألقى المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، كلمة رئيسية تضمنت دعوة إلى حظر دخول المسلمين كافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، عاد جبران علي، 9 سنوات، إلى بيته من مدرسته في فيرجينيا ومعه سؤال ملح وعاجل. تساءل جبران، مشيراً إلى أفضل صديق له: “هل سيسمح لي بالاحتفاظ بصداقتي مع أكسل؟”.
بالنسبة لوالدته التي تشغل منصب أرفع مسؤول مسلم مدني في وزارة الدفاع الأميركية، كانت تلك لحظة مزعجة. فكمستشارة خاصة لوزير الدفاع، آشتون كارتر، تشرف إيرام علي على مئات التعيينات السياسية في البيت الأبيض الأميركي والمنتسبين إلى وزارة الدفاع الأميركية. ومهمتها، كما حددتها إدارة أوباما، تكمن في توظيف واجتذاب الناس من كل الخلفيات العرقية والتعليمية والدينية -وهي سياسة يعتقد البيت الأبيض بأنها ستكرس طبقة أفضل اطلاعاً وأكثر فعالية من قادة الأمن القومي.
ذلك الالتزام بالشمولية هو شيء تقول لابنها عنه إنه مبدأ عند الولايات المتحدة. لكن هذه الأفكار بالنسبة لإيرام وغيرها من المسلمين الأميركيين العاملين في وظائف الدفاع في الولايات المتحدة، أصبحت تتعرض راهناً إلى هجوم متصاعد في سنة انتخاية تشهد دعوة مرشح حزب رئيسي لانتخابات الرئاسة إلى إصدار بطاقات هوية وقاعدة بيانات مخصوصتين لتسجيل كل المسلمين، وإهانة والدين مسلمَين لجندي أميركي كان قد قتل في العراق، ووصف الإسلام بأنه لا يتماشى مع المجتمع الغربي. وقالت إيرام علي خلال مقابلة في مكتبها في البنتاغون: “قال زوجي لابننا إن هناك أناسا ينظر إليهم دائماً على أنهم الجزء السلبي من المجتمع. إنه دورنا الآن، لكن الأمور ستكون على ما يرام”.
لا يوجد لدى وزارة الدفاع والوكالات الفيدرالية الأخرى أي فصل دقيق للقوى العاملة المدنية لديها على أساس المعتقدات الدينية للموظفين. ولكن، اعتباراً من حزيران (يونيو)، عرّف نحو 4000 عضو ناشط في الخدمة العسكرية أنفسهم طوعاً على أنهم مسلمون. وفي وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومجلس الأمن القومي، هناك أميركيون مسلمون يحتلون مناصب رفيعة ومتوسطة -ولو أن الكثيرين منهم امتنعوا عن التعليق على هذا التقرير.
لكن الذين تحدثوا منهم إلى مجلة “فورين بوليسي” أشاروا إلى مفارقة: لم يكن الخطاب العام المتعلق بالإسلام في أميركا أكثر تفرقة مما هو الآن. ولكن، وبسبب الجهود المكثفة التي بذلتها وزارة الدفاع لاستيعاب قوة عاملة متنوعة، ليس هناك وقت أفضل لأن يكون المرء مسلماً في البنتاغون.
وتقول ياسمين الجمال، الزميلة الرفيعة في مجلس الأطلسي والتي عملت مستشارة لكارتر ولثلاثة وزراء دفاع سابقين في إدارة أوباما حول سياسة الشرق الأوسط: “لا أستطيع التفكير في أي وقت قضيته في البنتاغون شعرت فيه بأي شيء سوى أنني مدعومة بالكامل من قيادتي وملائي”.
وقال كارتر إن ذلك بالضبط هو نوع الثقافة التي يحتاجها البنتاغون إذا أراد استخدام موظفين مدنيين وعسكريين على دراية بلغات وأديان الشرق الأوسط وجنوب آسيا -حيث تخوض أميركا حروبها. وأضاف كارتر في حديث لمجلة فورين بوليسي: “إن التسامح ليس مجرد فضيلة بالنسبة لنا؛ إنه ضرورة عملية أيضاً”.
وعنى ذلك خلال فترة إدارة أوباما إزالة مواد التدريب العسكري التي تحمل محتوى معادياً للإسلام، وشن حملة على الجنود الذين يستخدمون عبارات ثقافية سيئة ومعاقبة الممارسات التفريقية. وقد طفا على السطح مثال محرج في الأسبوع الماضي، عندما ذكرت صحيفة “الواشنطن بوست” أن مدرب تمارين في سلاح البحرية الأميركية -المارينز- اتهم بتوجيه أمر لمجند مسلم بالدخول في آلة تجفيف للملابس وتشغيلها ووصف المجند المسلم بأنه “إرهابي”.
وتقول مجموعات ترصد التمييز المعادي للإسلام، والتي غالباً ما تنتقد السياسات الأميركية بنبرة عالية، إن وزارة الدفاع الأميركية حسنت بشكل كبير الطريقة التي تعامل بها المسلمين -وبذلك أصبحت حالات التمييز ضد المسلمين نادرة الحدوث بازدياد. وقال روبرت مكراو، مدير الشؤون الحكومية في مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية: “خطا الجيش خطوات كبيرة، وأصبح من المؤسسات الأكثر تنوعاً من الناحية العرقية والدينية في الولايات المتحدة”.
وعلى الرغم من قوله إن السلوك الذي ينم عن تعصب ديني يستمر في الظهور على السطح في الثكنات، فقد قامت وزارة الدفاع بتطهير المحتوى المعادي للإسلام من مواد التدريب العسكري، وسمحت للمجندين بارتداء العمائم في برنامج (أر. أو. تي. سي)، وقال: “لقد تشجعنا بفضل هذه التغييرات الإيجابية”.
تجلى التواجد الكبير للمسلمين في وزارة الدفاع الأميركية خلال حفل الإفطار السنوي الذي تقيمه الوزارة بمناسبة شهر الصيام، رمضان. وقد حضر نحو 200 مسلم وضيف من الوزارة وفروع أخرى في الحكومة حفل الإفطار، بمن فيهم أم والدة النجم الذهبي الشيبا خان، ومخضرم الحرب الكورية، غيث نور كاشف، ومخضرم الحرب العالمية الثانية الشيخ ناظم عبد الكريم. وقد تولى اللفتنانت كولونيل في سلاح الجو الأميركي، جواد فاروق، إدارة ذلك الحفل.
وقالت السيدة علي التي حضرت حفل الإفطار: “لقد كان شيئاً لا يصدق رؤية كل هؤلاء الناس من خلفيات متنوعة”.
ولكن، وفي غمرة هذه الروح الشمولية في داخل وزارة الدفاع الأميركية، يظل العديد من المجتمعات الأميركية المسلمة متشككة في وزارة دفاع ما يزال اسمها مقترناً بمبالغات الحرب على الإرهاب. ووضع ذلك التشكك بعض الميركيين المسلمين في وزارة الدفاع الأميركية في موقف صعب، وخاصة في ضوء خطاب الحملة المعادية للإسلام بشكل متزايد هذا العام.
وقالت السيدة علي، التي عاش والداها في الهند وباكستان قبل الانتقال إلى الولايات المتحدة، أنه كان لها عدد من المناقشات مع “عائلتها الضخمة الممتدة في ديترويت” حول الحكومة الأميركية.
وأضافت: “عادة ما كان الأمر ينتهي بي سريعاً إلى إطباق فمي، لأن البعض من أفراد عائلتي إذا كانوا قد تأثروا بشيء -لسوء الطالع- فإنهم لن يقبلوا حجتي”.
قبل شغل منصبها الحالي في البيت الأبيض كضابط ارتباط مع وزارة الدفاع، عملت السيدة علي كمديرة موظفين للجنة فرعية في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب الأميركي، مركزة على الإرهاب والاستخبارات البشرية. وكانت قد ولدت في كراتشي، باكستان، وأصبحت مواطنة أميركية في سن الرابعة من عمرها في بافالو في ولاية نيويورك.
وكان والداها قد هاجرا إلى الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي للحصول على الدكتوراه في الأحياء بينما بقيت مع والدتها المتخصصة في الكيمياء الحيوية أن لحقت به.
ولأنها ترعرعت في منطقة ديترويت، جعلها والداها تتلقى دروساً في اللغة الأوردية والذهاب إلى المدرسة في أيام الأحد. وقالت: “حينها كنت أكره ذلك، لكنني الآن أشعر بالامتنان لأنني أجيد القراءة والكتابة بالأوردو والعربية”. وقالت السيدة علي التي تعمل في بيروقراطية الأمن القومي إن دينها نادراً ما كان يظهر على السطح في المحادثات. لكن عندما يتعلق الأمر بعملها تحاول أن تقدم منظوراً قد لا يتوافر عليه زملاؤها. واستحضرت إيجازاً سرياً خلال أعوامها الأولى في لجنة الاستخبارات عندما أوجز مسؤول لمشرعين عن شخص كان موضع شك لأنه مارس “نشاطاً شائناً” -أي الصلاة خمس مرات في اليوم.
وقالت: “التفت إلى رئيس اللجنة وقلت له إن والدي يصلي خمس مرات في اليوم، وهو أكثر مواطن أميركي وطني يمكن أن تقابله. كان ذلك وقت مختلف والأشياء تطورت كثيراً منذ ذلك الحين”.
وقالت الجمال التي عملت في وزارة الدفاع كمديرة لشؤون العراق ولبنان وسورية، إن حرب العراق والفوضى العارمة التي نجمت عن الغزو في العام 2003 بقيادة الولايات المتحدة تظلان تشكلان “نقطة ساخنة بالنسبة لعائلتها”، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في مصر.
وأضافت: “إنني أحاول شرح تجربتي في العمل في البنتاغون، وكيف أن لدينا مكوناً للمساعدة الإنسانية الضخمة”. ومضت إلى القول: “وأتحدث عن رؤية تجنيدنا خلال أزمة إيبولا، والإعصار في تايلاند”.
وقالت أيضاً: “أنا أسرد قصصاً عن الأشخاص الذين أعمل معهم وكيف أنهم جادون في العمل ويريدون عمل الشيء الجيد، وغالباً ما يحاولون صنع مفارقة إيجابية أصيلة… الأمر بالنسبة للعديد منا ليس مجرد دوام من الساعة التاسعة وحتى الخامسة في مقابل راتب”.
لكن الجمال قالت إن الدفاع عن الحكومة الأميركية يمكن أن ينطوي على تحدٍ عندما يشاهد زملاؤها المسلمون ترامب وهو يدعي أن “الإسلام يكرهنا”، وأن الأميركيين المسلمين يعرفون عن الإرهابيين، لكنهم لا يتحدثون.
يظل خطاب ترامب عن الإسلام متضارباً ومربكاً في أفضل الأحوال. ففي العام الماضي، عندما سألته شبكة التلفزة الأميركية (سي إن إن) عما إذا كان المسلمون يشكلون تهديداً للولايات المتحدة، وصف ترامب أتباع الدين الإسلامي بأنهم “أشخاص عظماء”، وقال: “أنا أحب المسلمين”. وبسؤاله عما إذا كان سيدرس ضم مسلم إلى مجلسه الوزاري، قال: “طبعاً… لا مشكلة في ذلك”. وقد رفضت الناطقة بلسان حملته، هوب هيكس، امتنعت عن الإدلاء بأي تفصيلات أو تعليقات تتعلق بهذه القصة.
لكن نقده اللاذع ألقى بثقله وولد شكوكاً بين بعض خبراء الدفاع على الأقل، والذين يحتلون موقعاً قيماً بشكل فريد لتقديم النصح للحكومة حول موضوعات في العالم الإسلامي. وقالت الجمال، على سبيل المثال، إن الأمر سيكون منطوياً على تحدٍ كبير بالنسبة لها كي تقبل وظيفة في إدارة محتملة لترامب في أي موقع.
وقالت: “كموظفة مدنية، فكرت في ذلك الأمر كثيراً. أنا أومن جداً بالعمل لإصلاح الأشياء من الداخل إذا كان النظام يسمح بذلك”.
وما يزال ادعاء ترامب في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأن “آلاف” المسلمين في ولاية نيوجيرسي رحبوا بتدمير مركز التجارة العالمي يوم 11/9 -وهو ادعاء ما يزال غير قادر على دعمه- يؤرق الجمال. وتقول عن ذلك: “سوف أختار العمل معه إذا تراجع عن كل شيء مدمر قاله عن المسلمين حتى الآن، بما يشمل تصحيح تصريحه بأن الناس في نيوجيرزي احتفلوا بالآلاف بعد 11/9”.
ربما كان أكثر صدام مخجل لترامب مع الجالية الأميركية المسلمة هو ذلك الذي سجل في تموز (يوليو)، عندما سأل خضر خان، والد نقيب الجيش الأميركي الذي قتل أثناء خدمته في العراق، عما هي التضحية التي قدمها المتسابق الجمهوري على رئاسة الولايات المتحدة في أي وقت لبلده.
وبينما يشهر نسخة جيب من الدستور خلال خطاب في وقت الذروة للمؤتمر القومي الديمقراطي، عرض خان على ترامب أن يعيره النسخة، وقال: “أنت لم تضح بأي شيء ولا بأي أحد”.
ورد ترامب في مقابلة مع شبكة (إيه. بي. سي) بقول إن نجاحاته في قطاع الأعمال ارتقت إلى مستوى التضحيات. وقال: “أعتقد بأنني قدمت الكثير من التضحيات”. وأضاف: “إنني أعمل بجد كبير”.
كما أنه استهدف أيضاً السيدة غزالة خان، زوجة خضر التي وقفت إلى جانبه خلال خطابه من دون أن تخاطب الحشد. وأشار ترامب إلى أنه لم يسمح لها بالتحدث بسبب دينها”.
وقال ترامب لشبكة أخبار (إيه. بي. سي): “لم يكن لديها شيء لتقوله. وربما لم يسمح لها بأن يكون لديها شيء لتقوله. قل لي أنت”.
وفي مقابلات لاحقة، قالت غزالة خان إنها كانت قد دعيت إلى التحدث، لكنها امتنعت عن ذلك لأنها كانت حزينة وغاضبة جداً.
وعودة إلى البنتاغون، حيث رفضت السيدة علي بحث الحادثة التي كانت قد هيمنت لأيام على الحملة السياسية. وقالت علي: “لكن ما أريد قوله هو أن كل عائلات النجم الذهبي يلقون الاحترام والتقدير، وتضحياتهم لا يمكن التقليل منها بأي كلمات. إنها وراء وفوق أي شك”.
لم يفت على ابن السيدة علي متابعة كامل تغطية محطات التلفزة لحملة العام 2016، وغالباً ما يعود من المدرسة ليطرح أسئلة عما يقوله ترامب. وتقول رسالتها له إن يأخذ الأمور بتقدمها وتراجعها على أنها شيء اعتيادي، وأن القلق المتواصل الذي وجهته حركة ترامب تجاه الأميركيين المسلمين والعرب في الولايات المتحدة سيتلاشى في نهاية المطاف.
وخلصت إلى القول: “أنا وزوجي نحاول فعلاً أن نجعله يركز على كونه مسلماً وعلى أداء الصلوات. سوف ينتهي هذا كله سوف في القريب”.
جون هدسون
صحيفة الغد