في 17 أيلول/سبتمبر، هاجمت طائرات تابعة لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في سوريا هدفاً داخل مدينة دير الزور، الأمر الذي خلق صيحة احتجاج وغضب من قبل نظام بشار الأسد وروسيا، بينما أثار تساؤلات حول أهداف عملية القصف ونتائجها. وقد ادّعت دمشق وموسكو أن المقر كان موقع ثابت للجيش السوري في الجزء الجنوبي من المدينة، وأن العملية قد أسفرت عن مقتل 60-90 جندي سوري وجرح حوالي مائة آخرين. وأعرب المسؤولون الامريكيون علناً عن أسفهم لعملية القصف، وأكدوا مقتل عناصر تابعة لقوات النظام، وأوضحوا أنهم كانوا مخطئين باعتقادهم أن العناصر تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية». ومع ذلك فإن انعدام تفاصيل كاملة وواضحة من قبل واشنطن، قد أسفر عن قيام صورة غريبة وضبابية عن الحادث، الأمر الذي سمح لروسيا ولنظام الأسد الهيمنة على الإعلام بإطلاقهما تلميحات تحريضية حول نوايا الولايات المتحدة.
أما المقر موضع البحث فهو جبل الثردة، الذي هو عبارة عن سلسلة من التلال التي تشكل [نقاط] أساسية للدفاع عن المطار (الواقع على بُعد أربعة كيلومترات شمالاً) وكذلك عن الجزء من المدينة الواقع تحت سيطرة النظام ككل. وهذه الأماكن هي منطقة صحراوية خالية من المباني لمسافة تبعد عدة أميال عن المقر. وكان قد تم تطويق المنطقة التي يسيطر عليها النظام بالكامل من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ أيار/مايو 2015، عندما احتل التنظيم الطريق الغربي المؤدي إلى تدمر. وبالتالي يُعتبر المطار الوسيلة الوحيدة لتزويد المدينة بالإمدادات – وإذا ما سقطت دير الزور، فقد تصبح المدينة “ديان بيان فو” السورية.
وفي يوم السبت، ذكرت مختلف وسائل الإعلام العربية وقوع معركة عنيفة بين الجيش السوري وقوات تنظيم «الدولة الإسلامية» التي كانت تحاول الاستيلاء على جبل الثردة من الجنوب. وجاءت ضربات قوات التحالف في ذلك اليوم نفسه، وعلى الرغم من عدم وضوح التقارير العسكرية الأمريكية حول ما إذا كانت القوات السورية مكوّنة من أفراد الجيش النظامي أو غير النظامي، كانت النتيجة جلية وهي: انسحاب وحدة النظام من المقر بعد عملية القصف، الأمر الذي سمح لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» من الاستيلاء عليه . ويقيناً، كان ذلك انتصاراً مؤقتاً فقط، ففي اليوم التالي استعاد الجيش [السوري] جبل الثردة بفضل وصول تعزيزات ضخمة من دمشق، وقيام روسيا والنظام بشن غارات جوية مكثفة [على الموقع]. ورغم ذلك، فإن الحادث قد سلط الضوء على هشاشة موقف الأسد في دير الزور – وهو الأمر بالنسبة للاتفاق الأخير لـ “وقف الأعمال العدائية” بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي يمكن أن يتفكك وسط تقارير عن تجدد عمليات القصف التي يقوم بها النظام في منطقة حلب.
ووفقاً لبيان أصدرته «القيادة المركزية الأمريكية» بعد العملية، “اعتقدت قوات التحالف أنها كانت تستهدف موقعاً قتالياً [تابعاً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»] كانت تتعقبه لفترة زمنية طويلة قبل عملية القصف”. إلا أن البيان يثير العديد من التساؤلات. فمن جهة، كيف تقصف قوات التحالف موقع ثابت للجيش السوري عن طريق الخطأ؟ فقد كان جبل الثردة خاضعاً لاحتلال الجيش [السوري] بصورة مستمرة باستثناء الفترة بين كانون الثاني/يناير و آذار/مارس عام 2016، عندما احتله تنظيم «الدولة الإسلامية» لفترة وجيزة. كما ذكرت «القيادة المركزية الأمريكية» أن “موقع القصف يقع في منطقة كانت قوات التحالف قد استهدفتها في الماضي”، إلا أن بياناتها السابقة تجعل من الصعب تأكيد هذا الأمر. فمنذ أشهر – من بينها الأسابيع الأخيرة – كانت قوات التحالف قد أعلنت رسمياً عن شنها عدد من عمليات القصف “بالقرب من دير الزور”، لكن لم يتم الإعلان عن المواقع الدقيقة عموماً. وفي حالة واحدة على الأقل حيث توفرت معلومات شاملة، كان الموقع على بعد أكثر من عشرة أميال من المقر الذي تم قصفه يوم السبت. والأهم من ذلك، لم يتدخل التحالف بتاتاً من قبل في معارك النظام ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» من أجل السيطرة على دير الزور، فلماذا كان عليه أن يبدأ في القيام بذلك في نهاية الأسبوع المنصرم؟
وتبقى الاخفاقات الاستخباراتية، والخطأ البشري، و/ أو المعلومات الخاطئة من قبل قوات التحالف، من بين العديد من التفسيرات الممكنة، لأن الجيش الأمريكي والقوات المسلحة الأخرى كانت قد ارتكبت بالطبع أخطاء استهداف مماثلة من قبل ولمثل هذه الأسباب أيضاً (على سبيل المثال، قيام الولايات المتحدة بقصف السفارة الصينية في بلغراد في عام 1999، وقصف مستشفى في قندوز، أفغانستان، في تشرين الأول 2015). وعلى كل حال، وقع الحادث بعد أيام فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وروسيا حيز التنفيذ. ويتهم الآن كلا الطرفان الموقّعان بعضهما البعض بعدم احترام شروط الاتفاق.
وسواء قامت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات جديدة للمحافظة على الاتفاق، أو خلاف ذلك عملت على طمأنة موسكو ودمشق، ينبغي عليها أن تفهم عواقب عدم فعل أي شيء. وفي الأمد العاجل، من المرجح أن يستمر النظام السوري وروسيا بوصف عملية القصف بأنها محاولة متعمدة من قبل الولايات المتحدة لتسليم دير الزور لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وعلى نطاق أوسع، إذا انقضى الاتفاق، فسيبقى التحالف دون آلية لفصل المتمردين المعتدلين عن الجماعات المتطرفة، وسيكون لدى روسيا القليل من الحوافز لمنع الأسد من إعاقة تقديم المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. وفي الواقع، إن الحادثة ستعطي الكرملين عذرا مقنعاً يبرر عدم تعاونه، والذي ربما كان قد خطط له على أي حال. وإذا كان ذلك هدف روسيا، فإن تدابير بناء الثقة قد لا تُحدث فارقاً كبيراً، ولكن إذا عملت الولايات المتحدة على تقديم المزيد من المعلومات عن الحادثة، فمن شأن ذلك أن يُظهر للعالم أن واشنطن تحاول الوفاء بالتزاماتها من الاتفاق.
فابريس بالونش
معهد واشنطن