وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حدا لصخب كان يقوده منذ محاولة الانقلاب الفاشلة على حكمه منتصف يوليو الماضي، ووجه تركيز جهوده إلى معركة تحرير الرقة في محاولة لإقناع الإدارة الأميركية بالتخلي عن دعم الأكراد.
ولم ينتظر أردوغان العودة إلى تركيا بعد حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك كي يعلن عن نية بلاده المشاركة في معركة تحرير مدينة الرقة من قبضة تنظيم داعش، في ضربة جديدة لقوات كردية تتطلع إلى السيطرة على المدينة بدعم أميركي.
واشترط أردوغان عدم مشاركة قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم مكونا كرديا واسعا، في المعركة. وقال الأحد إن بلاده مستعدة للمشاركة في عملية عسكرية بقيادة واشنطن لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من الرقة في سوريا.
وأضاف لصحافيين على متن الطائرة التي أقلته من نيويورك “إذا شنت الولايات المتحدة هجوما على الرقة مع وحدات حماية الشعب الكردي أو حزب الاتحاد الديمقراطي، فإن تركيا لن تشارك في هذه العملية”.
ويعكس الموقف التركي أبعاد صراع مستعر بين أنقرة والأكراد، خصومها التاريخيين، على الاستحواذ على “المظلة الأميركية” في مواجهة دعم غير مشروط يتلقاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد من روسيا.
كما يؤكد طي أردوغان عمليا صفحة انقلاب عسكري كاد يعصف بحكمه لصالح الأزمة السورية، لكن بأولويات جديدة.
وكانت معركة السيطرة على حلب أحد أهم ملفات الصراع الدائر منذ خمسة أعوام. واستثمرت أنقرة كثيرا في دعم حركة أحرار الشام وتنظيمات معارضة وجماعات جهادية أخرى للحيلولة دون انقضاض الجيش السوري على المدينة التي كانت قبل الحرب أكبر مدن سوريا.
عملية درع الفرات
◄ 45 كم خطة تمدد القوات
التركية
◄ 5 آلاف كم2 مساحة المنطقة
العازلة المقترحة
لكن حلب لم تعد كذلك على ما يبدو بالنسبة إلى أنقرة التي صعدت الأكراد السوريين، وحليفهم حزب العمال الكردستاني في تركيا، إلى مستوى متقدم على الأسد في قائمة خصومها.
وخففت المعارضة المدعومة من أنقرة تدريجيا مشاركتها في معركة حلب منذ عودة العلاقات التركية إلى مستويات عالية من التنسيق الشهر الماضي. وفي المقابل عززت قوات الأسد وروسيا من هجماتها على المناطق الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة.
ويقول مراقبون إن أردوغان “توقف عن السباحة” ضد التيار الدولي الجارف باتجاه التركيز على هزيمة داعش، إذ لم يعد إسقاط نظام الأسد أولوية الولايات المتحدة.
ولجأ أردوغان إلى كل الأوراق التي بحوزته لجلب انتباه الأميركيين، بما فيها الضغط.
واتهم الرئيس التركي الولايات المتحدة بتسليم أسلحة لقوات حماية الشعب، المنبثقة عن قوات سوريا الديمقراطية.
وقال في نيويورك “قبل ثلاثة أيام، أُرسلت طائرتان محملتان بالأسلحة إلى كوباني (في سوريا) لوحدات حماية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي”.
كما هدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بالاستيلاء على مدينة منبج التي انتزعها الأكراد من قبضة داعش الشهر الماضي.
وقال أوغلو إن قوات عملية “درع الفرات” شمالي سوريا، مضطرة للتمدد 45 كيلومترا على الأقل نحو الجنوب للوصول إلى مدينة “منبج”، مشيرا إلى أنه ستعقب ذلك إقامة منطقة آمنة فعلية بمساحة 5 آلاف من الكيلومترات المربعة تقريبا.
وقالت مصادر أميركية إن أردوغان جدد في نيويورك الدعوة إلى إقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا، لكنه لم يحظ بتجاوب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وسارعت الحكومة التركية إلى عرض مشاركتها في معركة الرقة كعرض بديل يضمن لها نفوذا أكبر من الأكراد في سوريا.
وأعاد حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة صياغة تصورات أردوغان لحلف بلاده الجديد مع موسكو بالتوازي مع حلفه التقليدي مع واشنطن التي لطالما اتهمها بدعم محاولة انقلاب فاشلة تركت رواسب في العلاقات بين الجانبين.
وبدلا من ذلك وجد أردوغان في معركة الرقة فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد: تعزيز شرعية تركيا وتوسيع نفوذها في سوريا عبر هزيمة تنظيم داعش، وعرقلة أي خطة لإقامة إقليم كردي في شمال سوريا.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن تحرير الرقة سيتطلب، إن تم بنجاح، تأمين المنطقة التي تفصل المدينة شمالا عن الحدود مع تركيا، ووضع قوات على الأرض تكون قادرة على إحكام السيطرة على مناطق واسعة هناك.
وأضافوا “أردوغان يعول على أن تكون هذه القوات من الجيش التركي الذي سيقف حجر عثرة أمام محاولات إنشاء حكم ذاتي للأكراد في المنطقة. الأميركيون لا يريدون ذلك”.
صحيفة العرب اللندنية